أفكار وآراء

الأوروبيون .. هل يمنعون الانفجار في الشرق الأوسط ؟!

02 فبراير 2018
02 فبراير 2018

سمير عواد -

لم يُعرف عن الصهاينة الأوائل أنهم كانوا يحلمون بأن تكون مدينة القدس عاصمة إسرائيل التي كانوا يسعون لتأسيسها على أرض فلسطين. وفي مؤلفات تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، فإنه لا يسرد أجمل العبارات عن القدس بل ازدراها بوضوح عندما كتب يصف حائط المبكى معبرا عن بغضه لرؤية المتطرفين الدينيين اليهود وهم يؤدون الصلاة حسب طرقهم. ومات هرتزل في المجر بعدما كان يحلم بأن يجري دفنه في مكان تحت سفح جبل الكرمل. لكن الصهاينة نقلوا رفاته إلى القدس عام 1949، ليعززوا حلمهم بأن تصبح المدينة عاصمة لإسرائيل.

منذ ذلك التاريخ وبعد إعلان تأسيس إسرائيل على أرض فلسطين وتشريد شعبها، لم يفلح أحفاد هرتزل في تحقيق حلم إعلان القدس عاصمة لها رغم مرور أكثر من سبعين عاما، وظل وضع «زهرة المدائن» كما وصفها الأخوان عاصي ومنصور الرحباني في أغنيتهما الخالدة التي تحمل نفس العنوان، من الأوراق الصعبة التي تستعصي تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي. ولم تكن هذه الخطوة من أولويات المنظمات الصهيونية، ولكن يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد التعبير من خلالها عن تحيزه غير المشروط لإسرائيل والذي أعلنه وأكد عليه بكل وضوح خلال الحملة الانتخابية.

ففي تلك الفترة وعملاً بنصيحة ابنته «إيفانكا» وزوجها الصهيوني «جاريد كوشنر»، راح يقدم نفسه كمدافع مفترض عن اليهود، ليكسب تأييد اليهود الأمريكيين المعروف عنهم أنهم ناخبون تقليديون للحزب الديمقراطي.

ولكن بحسب نصيحة «ستيف بانون» العقل المتطرف الذي زرع الأفكار المتطرفة في عقل ترامب، فإن الإعلان المبكر عن تأييد إسرائيل، كان الهدف منه كسب أصوات الناخبين المسيحيين المتطرفين الذين يؤيدون إسرائيل ويرفضون أي مشروع للصلح بينها وبين الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين.

ففي خطاب ألقاه سابقا أمام مؤتمر المنظمة الصهيونية الأمريكية (لجنة الشؤون الأمريكية الإسرائيلية العامة)، شدّد ترامب على أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وأنه يعمل بالنيابة عن اليهود. واستغل المناسبة ليستدر عطف اليهود داخل وخارج أمريكا عندما قال إن ابنته إيفانكا حامل بطفل يهودي، وأضاف أن هذا الطفل سيكون سعيدا بكون القدس عاصمة لإسرائيل.

والآن، قام بالذات ترامب، بصب برميل من الزيت على نار النزاع المزمن عندما أعلن مؤخرا عزم بلاده الاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورغبته في تحقيق حلم الإسرائيليين بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس، ضارباً كل القوانين الدولية بعرض الحائط. ولم يتأخر بنيامين نتانياهو،رئيس الوزراء الإسرائيلي المثير للجدل، في شكر ترامب والإشادة بقراره وطلب من سائر قادة الدول المتعاطفة مع إسرائيل باتخاذ قرار مماثل.

حتى اليوم لم تنقل أية دولة ، معروفة أو ذات تأثير ما ، سفارتها إلى القدس، ومع أن إسرائيل اختارتها – أي القدس الغربية - مقرا لمبنى الكنيست «البرلمان الإسرائيلي»، ومقر رئيس الوزراء الإسرائيلي ، وحيث تعقد الحكومة الإسرائيلية اجتماعاتها، وحيث يوجد أكبر عدد للوزارات الإسرائيلية. إلا أن الحكومات الإسرائيلية الحالية والسابقة ، لم تفلح في كسب تأييد دولي لاعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ، ولا نقل سفارات دول ذات أهمية إليها، لوجود إجماع دولي بأن وضع القدس ينبغي تحديده والاتفاق بشأنه ، في إطار تسوية شاملة ونهائية ورسمية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

أما وقد أعلن ترامب موقفه من القدس تماما ، كما أكد ذلك قبل انتخابه، فإنه أوضح بما لا يدعو مجالا للشك فشله في «وضع الصفقات الناجحة» ، التي كان قد تحدث عنها من قبل ، واستبعد الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط نزيه لحل النزاع الرئيسي في الشرق الأوسط ، على الأقل حسبما أكد الفلسطينيون مؤخرا . وقد قام ترامب بتسليم نتانياهو أغلى هدية سياسية كان يحلم بها لضمان انتخابه لفترة رئاسية جديدة في منصبه، دون أن يطلب ترامب أي مقابل أو يحصل على تنازل من رئيس الوزراء الإسرائيلي لتحقيق الصفقة مع الفلسطينيين ، والتي قال سابقا إنه قادر على إنجازها لحل القضية وتحقيق السلام ، خلافا لجميع قادة العالم الذين فشلوا من قبل في ذلك بسبب عناد الإسرائيليين وأطماعهم في الأراضي الفلسطينية .

وإذا كان ترامب يعتقد أنه بهذه الخطوة الاستفزازية للفلسطينيين خاصة والعرب عامة، يدفع عملية السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام، فإنه يحقق العكس تماما في الواقع . فعملية السلام «الميتة» عملياّ بسبب مواقف إسرائيل ، أصبح إنعاشها أكثر صعوبة من أي وقت مضى. كما أن هذا التطور من شأنه تدمير مشروع الدولة الفلسطينية المزمع اقامتها في إطار حل الدولتين . ومن جانب آخر ، فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقيتها ، ولم يعد هناك ضرورة ـ خاصة من وجهة نظر الفلسطينيين - لجهود «كوشنير» ، صهر ترامب لتحقيق السلام في المنطقة من خلال تسوية يتم وضعها وفق الرغبات الإسرائيلية ، اذ ستستمر إسرائيل في عنادها، وسيشعر الفلسطينيون أن العالم لم يعد يكترث لقضيتهم ويتعلق الأمر بالوقت فقط حتى تحدث انتفاضة جديدة. بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج تمتد إلى مختلف الأطراف ، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والأمن والاستقرار في المنطقة ككل .

ولتدارك السيناريو الأسوأ، فإنه يتعين على الأوروبيين ، وخاصة ألمانيا الزعيم الخفي للاتحاد الأوروبي ، المبادرة فور تشكيل حكومتها الجديدة، للتعاون مع الدول العربية من جهة، والضغط على إسرائيل من جهة أخرى، لتفادي انفجار نزاع جديد، لأن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بكل بساطة، يشكل خطرا على الأوروبيين بشكل لا يختلف عما يشكله بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين أيضا .