الملف السياسي

تحديد المسؤولية

29 يناير 2018
29 يناير 2018

د. محمد رياض حمزة -

بدءا بعنوان الملف الذي حدد مسؤولية تشغيل الباحثين عن عمل بالحكومة وبالقطاع الخاص وبالمواطن. ولتوضيح تلك المسؤولية لابد من تقييم مسيرة عقدين من الزمن في مواجهة تحدي مسألة الباحثين عن عمل في السلطنة. هذا التحدي الذي لا يزال قائما.

الحكومة : خلال عقدين من الزمن يمكن القول إن وزارة القوى العاملة عملت وتعمل بجهد استثنائي على تنفيذ التوجيهات السامية في تشغيل القوى العاملة الوطنية بمنشآت القطاع الخاص، كما أن الوزارة كانت ولا تزال مبادرة في تبنّي أي أسلوب يعزز دورها في الربط بين المواطنين الباحثين عن عمل ، وبين فرص العمل التي توفرها منشآت القطاع الخاص . فتم تطبيق خطط التعمين والإحلال ، وعلى أسس منهجية من خلال اللجان القطاعية للتعمين . ومبادرات التشغيل الذاتي ومشاريع العمل الحر، والعديد من اتفاقيات التدريب المقرون بالتشغيل والتدريب على رأس العمل. وكان دور الوزارة رياديا في تشغيل أكثر من 50 ألف مواطن عام 2011.. واليوم فإن الوزارة تعمل على مدار الساعة لتنفيذ خطة تشغيل 25 ألف باحث عن عمل. فإن تجاوز عدد القوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص 233 ألف مواطن ومواطنة حتى نهاية عام 2017 فإن للوزارة الإسهام الأكبر في تشغيلهم وثباتهم في عملهم.

كما أن حكومة السلطنة من جانبها ما توقفت، ولن تتوقف عن المبادرة في توفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية ، سواء في مؤسساتها أو بتشجيع ورعاية وإسناد مبادرات العمل الحر، وتأسيس المشاريع الخاصة . فهناك العشرات من المبادرات وآخرها وليس أخيرها إنشاء الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وصندوق الرفد . فضلا عن متابعة تنفيذ خطط التعمين والسعي الدائم لوزارة القوى العاملة والهيئة العامة لسجل القوى العاملة في استدعاء الباحثين عن عمل ، وعرض فرص العمل التي يوفرها القطاع الخاص.

ـــــــ القطاع الخاص: سعت حكومة السلطنة بالتشجيع والدعم أن يكون القطاع الخاص هو المشغل الأساسي للقوى العملة الوطنية. فتوفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية في منشآت القطاع الخاص ، يجب ألا يقتصر على تنفيذ خطط التعمين التي تفرضها الحكومة على القطاع، بل إن القطاع ذاته يجب أن يكون مبادرا في توفير فرص العمل بمنشآته ، وبخطط إحلال لا تتوقف. ولو أن كل منشأة في القطاع الخاص وضعت خطة سنوية للتدريب وللتعمين والإحلال كجزء من مكملات نشاطها الإنتاجي أو الخدمي ، لما بقي تحدي الباحثين عن عمل عبء على الاقتصاد الوطني.

كما أن العديد من الأسباب التي تجعل من توفير فرص العمل في القطاع الخاص محدودة أو لا تتناسب مع عدد الباحثين عن عمل ويتعين على إدارات منشآت القطاع الخاص التنفيذية معالجتها وأهمها : أن معظم الموارد البشرية في منشآت القطاع الخاص من القوى العاملة الوافدة ، في مختلف المستويات الوظيفية التي يمكن أن يشغلها مواطنون . فالقطاع الخاص يفضل تدريب وتشغيل العامل الوافد لخفض كلفة التشغيل وتعظيم الأرباح.

كما أن تباين نظم العمل بين القطاعين العام والخاص في الأجور والامتيازات الأخرى ، كالحوافز والعلاوات والإجازات ، هي أحد أهم الأسباب التي تتسبب بعزوف بعض الباحثين عن عمل عن القطاع الخاص. وبالرغم من علم إدارات منشآت القطاع الخاص بهذا التباين لم تبادر منشآت القطاع الخاص بالعمل على تقريب الهوة بين امتيازات العاملين في منشآته وبين امتيازات أقرانهم في مؤسسات القطاع الحكومي. الأمر الذي يجعل ما يتوفر من فرص عمل جديدة تذهب للقوى العاملة الوافدة.

وتفضل منشآت القطاع الخاص القوى العاملة المؤهلة التي لا تحتاج إلى التدريب لشغل الوظائف/‏‏ المهن التي تتوفر في مصانعها أو اعملها الخدمية أو التجارية. أي أن معظم المنشآت من الدرجة الثانية فما دون ليس فيها وحدات تدريب، وذلك سبب في تشغيل القوى العاملة الوافدة. فتتقلص فرص تشغيل القوى العاملة الوطنية التي تحتاج إلى التدريب أو حتى قليل من التدريب على الوظائف والمهن. فالقطاع الخاص يجب أن يبادر بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالربط بين إدارات منشآته وبين الباحثين عن عمل لتوفير المزيد من فرص العمل وفق آلية مستدامة لا يتوقف تنفيذها ما دام هناك أي عدد من الباحثين عن عمل من المواطنين.

ـــــــ المواطن: من بين الأمور التي يتعين على الباحثين عن عمل والقوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص، الحديثة التعيين أو القديمة، فهم منهجية الإدارة في المنشآت والشركات في تقييم الأداء . فمعظم الإدارات العليا، صانعة القرار، تعمل بأسلوب صارم في تطبيق معايير تقييم الأداء بما يضمن تحقيق أهداف المنشأة بالربح والنمو المستدام، والأداء بأعلى إنتاجية بما يقوي المنشأة للبقاء في السوق ، وللانسجام مع القوانين المنظمة للعلاقة مع الحكومة. فتطبيق معايير تقييم الأداء في منشآت القطاع الخاص يتطلب متابعة أداء القوى العاملة وتقييمها وصولا لأعلى إنتاجية. وتمكينها من أداء المهام الوظيفية بكفاءة في إطار الأنظمة والمسؤوليات والواجبات الوظيفية وتقليل الجهد، واختصار الوقت.

كما وجد أن تطبيق معايير تقييم الأداء في القطاع الخاص تقلل من نفقات التكلفة التشغيلية للمنشأة، وتساهم في إكساب العاملين الثقة بالنفس، وتنمية وتطوير القدرات الإنتاجية لديهم، وتساهم في إكساب الموارد البشرية في المنشأة القدرة على التطور دون أي معوقات . فالإدارة العليا في القطاع الخاص عندما تلمس الجدية والأداء المتميز من أي موظف أو عامل من المواطنين فلابد أن تكافئه بالراتب المكافئ لإسهامه في نمو المنشأة وأربحها وتضعه في المنصب القيادي الذي يتناسب مع خبراته وتخصصه.

وفي الوقت ذاته لا يمكن الاحتفاظ بعامل أو موظف لا يساهم في تحقيق أهداف المنشأة. فإدارات منشآت القطاع الخاص دائمة العمل على تطوير أداء العاملين لديها ، فاختيار العاملين فيها يكون بناءً على مواصفات معينة ودقيقة، يراعَى فيها مصلحة المنشأة ، وخاصة عند اختيار القياديين ومديري الإدارات؛ كونهم أساس العملية الإدارية، وبنجاحهم تنجح الإدارة والمنشأة.

ويلاحظ أن معظم منشآت القطاع الخاص لا تزال تعتمد على الوافدين في الوظائف القيادية، وإن التعمين في الوظائف القيادية لا يزال ضعيفا فيها.

وبتطبيق قواعد ومبادئ الإدارة الحديثة التي تضع تطوير الموارد البشرية بين أولوياتها فإن على القوى العاملة الوطنية، أكانت في مواقع العمل أو الجديدة منها، أن تحرص على تطوير معارفها وخبرتها في حقل اختصاصاتها.

ولابد من تذكير القوى العاملة الوطنية أن هناك فرصا أوسع في تحقيق دخل ميسور في منشآت القطاع الخاص يفوق الدخل للموظف الحكومي، كما أن فرص التقدم الوظيفي في القطاع الخاص لا يحد منها الروتين والقوانين الإدارية كما في القطاع الحكومي.

ومن خلال متابعة مبادرات تشغيل الباحثين عن عمل تأكد أن معظمهم يفضل الانتظار أي زمن ليحصل على فرصة عمل في القطاع الحكومي. فتقييم الأداء والأجور والإجازات والضمان التقاعدي وبيئة العمل ... وغيرها في القطاع الحكومي تعتبر أحد أهم العوامل التي تدفع أعدادا من القوى العاملة الوطنية الى تفضيل العمل في القطاع الحكومي.