أفكار وآراء

بداية انفراج في العلاقات الألمانية التركية

26 يناير 2018
26 يناير 2018

سمير عواد -

استنادا لتقرير نشرته صحيفة «دي فيلت» الألمانية قبل أيام، تعتزم ألمانيا وتركيا تعزيز التعاون الثنائي بينهما، وبذلك ينهيان مرحلة جفاف العلاقات بينهما التي بلغت ذروتها في الأشهر الماضية.

وحسب ما أكدته وسائل الإعلام الألمانية والتركية مؤخرا، من المقرر إحياء المشاورات الحكومية بين برلين وأنقره في القريب، بحيث تبدأ باجتماعين على مستوى وزيري الخارجية والداخلية ثم على مستوى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي طيب رجب أردوغان.

وبرأي جونتر زويفرت، خبير العلاقات الألمانية التركية في معهد «السياسة» في برلين الذي يزود الحكومة والبرلمان الألمانيين بالتقارير والدراسات والمقترحات حول القضايا والأزمات الدولية، فإن برلين وأنقره اتخذتا القرار الصائب في إنهاء مرحلة الجفاف والعودة إلى التعاون لأن التصعيد والقطيعة يضران مصالح الطرفين معا. فمن جهة يعيش في ألمانيا أكثر من أربعة ملايين تركي يؤيد غالبيتهم الرئيس أردوغان، وألمانيا أبرز شريك تجاري لتركيا، كما انهما ينتميان معا إلى حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي يُكسب العلاقات الثنائية بين البلدين ميزة خاصة.

غير أن هذه العلاقات ساءت بشكل خطير خلال العام المنصرم، بعدما اعتقلت السلطات التركية عددا من المواطنين الألمان من أصل تركي وبينهم إعلاميون يؤيدون حزب العمال الكردستاني المحظور في كل من تركيا وألمانيا. كما لم يوفر كبار السياسيين من البلدين تبادل الاتهامات والإهانات تاركين وسائل الإعلام من البلدين، فتح أبواقها للتقليل من أهمية الطرف الآخر. فبينما نشرت صحف ومجلات تركية صورة لميركل وهي ترتدي بزة ضابط نازي، انتقدت وسائل الإعلام الألمانية أردوغان بشدة زاعمة أنه يسعى لإحياء الامبراطورية العثمانية على حد قولها.

ويتفق المراقبون على أن السبب كان التزام برلين الصمت عندما وقعت محاولة الانقلاب في تركيا في شهر يوليو عام 2016، وإعلان تركيا حالة الطوارئ، وبدئها حملة اعتقالات واسعة ضد من تتهمهم بالولاء وتأييد حركة «فتح الله جولن»، التي حملها أردوغان مسؤولية محاولة الانقلاب الفاشلة. وبحسب تقرير للتلفزيون الألماني، تم منذ ذلك الوقت، اعتقال أكثر من خمسين ألف شخص، وتسريح وطرد أكثر من 150 ألف موظف حكومي من مناصبهم، ورفضت أنقره اتهام الاتحاد الأوروبي لها بانتهاك حقوق الإنسان، وقالت إنه من حقها معاقبة الذين أيدوا الانقلاب الفاشل.

كما تسبب البرلمان الألماني بتصعيد الخلاف بين برلين وأنقره، عندما اتخذ قرارا رمزيا في عام 2016 باعتبار المجازر التي ارتكبها جنود العهد العثماني ضد الأرمن في مطلع القرن العشرين بأنها «إبادة جماعية». ثم تفاقم الخلاف بعد اعتقال السلطات التركية صحفيين ألمان من أصل تركي واتهمتهم بتأييد حزب العمال الكردستاني الذي تتهمه أنقره بممارسة الإرهاب ضدها. واستاءت أنقرة كثيرا عندما بلغها أن برلين منحت اللجوء السياسي إلى عشرات الضباط والجنود الأتراك، الذين يعملون في مهام حلف شمال الأطلسي، وعدد من الدبلوماسيين والقضاة والصحفيين والمحامين، الذين يخشون العودة إلى بلادهم، خوفا من اتهامهم بالتعاطف مع حركة «جولن»، أو لأنهم من أصول كردية كما يزعمون في طلباتهم.

وكادت العلاقات الألمانية التركية أن تزداد صعوبة وتعقيدا، لو أن ميركل نجحت في تشكيل حكومة تجمع الاتحاد المسيحي الذي تقوده مع الحزبين الليبرالي والخضر، لاسيما وأن دجيم أوزدمير الرئيس السابق للخضر والذي ينحدر من أصل تركي، حصل على منصب وزير الخارجية الألماني، لاسيما وأنه من ضمن الأصوات في حزبه التي تنتقد أردوغان بشدة. لكن الملفت للنظر كان تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، استعداد بلاده لمد يد التعاون لأوزدمير إذا حصل على منصب وزير الخارجية بشرط أن يتعامل مع أنقره باحترام متبادل. وكان هذا التصريح بداية استراتيجية ذكية وضعتها الحكومة التركية لوقف تدهور علاقاتها مع برلين، وحسب أردوغان، تسعى أنقرة إلى خفض عدد خصومها. وسرعان ما وجدت تجاوبا من قبل زيجمار جابرييل، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الألمانية، بعدما فشل مشروع تشكيل حكومة تجمع الاتحاد المسيحي مع الليبراليين والخضر، وتبخرت أحلام أوزدمير بأن يصبح أول تركي يشغل منصب وزير الخارجية الألماني، وبالتالي أن يتسبب في ازدياد تدهور علاقات برلين مع أنقرة. وبعد كل التصعيد الذي شهدته العلاقات بين ألمانيا وتركيا، بدأت مرحلة من المبادرات التي تعبر عن نوايا قادة البلدين لطي صفحة الخلافات، وفتح صفحة جديدة. ويُعتبر الاجتماع الذي جرى في مدينة «جوسلار»، بولاية سكسونيا السفلى، مسقط رأس جابرييل، والذي شهد اتفاق وزيري خارجية البلدين على تعزيز التعاون بين البلدين وإحياء المشاورات الحكومية مؤشرا هاما في هذا المجال . ومن القضايا الملحة التي سيبحثها مسؤولون وخبراء من البلدين، مكافحة الإرهاب رغم اختلاف تفسير كل طرف لهذه القضية. إذ ترغب تركيا بتسليمها مؤيدين لحركة «جولن» وحزب العمال الكردستاني في ألمانيا ووقف نشاطاتهم المعادية لتركيا داخل الأراضي الألمانية.

أما ألمانيا فإنها تسجل منذ سنوات كيف أن متعاطفين مع ما يُسمى تنظيم «داعش» يعبرون الحدود التركية بسهولة إلى سوريا والعراق، حيث يتلقون تدريبات على استخدام السلاح وصنع العبوات المتفجرة حيث تخشى برلين عودتهم إلى ألمانيا.

ويعتقد خبير العلاقات الألمانية التركية في معهد «السياسة» في برلين، أن زيارات على أعلى المستويات سوف تتم في المستقبل القريب، إذ يعود وقت آخر زيارة قامت بها ميركل إلى تركيا لعام 2017.