1229866
1229866
إشراقات

د. كهلان: المواقع الإباحية مخاطرها جسيمة.. أعظمها تضييع الدين وارتكاب المحرمات

25 يناير 2018
25 يناير 2018

الفهم والإدراك وغض البصر وحجبها.. خطوات عملية لتجنب آثارها -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

حذّر فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي من مغبة الوقوع في أسر المواقع الإباحية مبينا آثارها الدينية والدنيوية وخطورتها على الفرد والمجتمع والأمة، ومؤكدا ان هناك خطوات عملية لتحصين النفس من الوقوع في براثنها أهمها: الفهم والإدراك، ففهم وإدراك مخاطر هذه المواقع وعواقبها الدينية والدنيوية هي الخطوة الأولى، ثم وضع خطة عمل محددة الأهداف للابتعاد عنها، ويأتي بعد ذلك غض البصر، ثم حجب هذه المواقع.. مبينا فضيلته أن في كشف الأرقام والإحصاءات والبيانات التي توضح أضرارها من إضعاف الذاكرة وفقدان المهارات الاجتماعية والثقة في النفس والفشل الاجتماعي معتبرا لكل المسلم في أن ما دعاه إليه دينه فيه من المصالح عليه وعلى أسرته والمجتمع والأوطان ما لا يخفى على احد.. نتابع تفاصيل هذا اللقاء الذي أجراه برنامج سؤال أهل الذكر مع فضيلته تحت عنوان: « المواقع الإباحية.. الخطورة والعلاج» وهنا الجزء الأول من هذا اللقاء:

■ قلما يتفق العالم على التحذير من شيء.. كمثل التحذير من التدخين مثلا أو من المخدرات يحذرون الآن من الإباحيات وأنها تسبب الكثير من المشكلات.. ما الذي جعلهم يتفقون على التحذير من الإباحيات بالتحديد؟

- ان الذي يدفع عقلاء العالم اليوم للتنادي إلى أضرار المواقع الإباحية المنتشرة في شبكة المعلومات العالمية إنما هو عظيم خطرها وبالغ أثرها فإنهم لما رأوا أنها تؤدي الى مخاطر عميقة وإلى آثار جسيمة وإلى نتائج سلبية تنادي العقلاء منهم للتحذير من خطورة هذا التوجه ولكشف هذه الآثار ولبيان ما يمكن ان يفضي إليه الانغماس في هذه المواد الإباحية ومع انهم يقصرون أنظارهم فيما يتعلق بالآثار الدنيوية، إلا ان ما يكشفونه عنها وما تصل إليه الأبحاث والدراسات هو أمر يجب ان يقف المسلمون عنده أيضا، فحينما نجد ان الدراسات العلمية التي تجرى في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا تتحدث عن أضرار المواقع الإباحية على الأفراد من نحو إصابتهم بالغباء الشديد ومن نحو إضعاف مراكز التحفيز البصري في دماغ ذلك المدمن على مشاهدة هذه المقاطع الخليعة الإباحية وحينما يتحدثون عن عظيم خطرها في إضعاف الذاكرة وفي فقدان المهارات الاجتماعية وفقدان الثقة في النفس وفي الفشل الاجتماعي وحينما يتحدثون عنها باعتبارها إدمانا يأسر المتابع لها ويخرجه من عالمه الى عالم افتراضي أو عالم معزز يكاد يقترب فيه الخيال من الواقع فان هذه الأسباب وهذه الآثار البالغة الخطيرة هي التي دعت الكثير من العقلاء للتحذير منها أما غيرهم أي من المروجين ومن أصحاب هذه المواقع الإباحية فإن الأنظمة هي التي تلزمهم فهم يعرضون الإحصاءات ويكشفون الأرقام والبيانات لأن هذا من طبيعة التعامل مع شبكة المعلومات العالمية أو لأن لهم أغراضا ترويجية من وراء الكشف عن هذه الإحصاءات والأرقام، لكن الحاصل ان هذه الآثار الخطيرة التي أصابت الأفراد دعت الكثير من العقلاء في العالم إلى التنبيه على خطورة هذا الوضع.

عبر وعظات

■ هناك اتجاه شديد جدا للمتاجرة بالأطفال من خلال هذه المواقع الإباحية، وهناك أعداد مهولة من استغلال هؤلاء الأطفال من خلال هذه المواقع، ألا يوجد عند هؤلاء خوف على الأخلاق؟ وخوف على هؤلاء الأطفال أيضا؟

- ما يتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال هو أيضا من البواعث التي دعتهم الى بيان هذه الأرقام والإحصاءات وهذه القضية جديرة أيضا ان تكون من المخاطر العظيمة الناجمة عن الإدمان للمواقع الإباحية وللمشاهد الخليعة، وكذا الحال بالنسبة للابتزاز المالي وعمليات الاحتيال فإنها أيضا جزء لا يتجزأ في هذه المنظومة المتكاملة من هذه السوق الرائجة في عالمنا المعاصر لكن الآثار لا تقتصر على الجوانب الصحية فهناك آثار عقلية تتعلق بنسبة الذكاء وتتعلق بموت جزء من الدماغ يتعلق بالتحفيز البصري وهذه أبحاث أجريت في الأعوام منذ سنة 2014 وحتى يومنا هذا في جامعات رائدة وفي ضعف الذكرة ومنها ما يتعلق بالآثار النفسية وفي صدارتها ضعف الثقة بالنفس وفقدان مهارات التواصل الاجتماعي والانطواء والانعزالية وفي مقابل هذا هناك أيضا نمو لظاهرة العنف فان إدمان هذه المواقع يجعل من هؤلاء المدمنين الزائرين لها يكونون عنيفين نحو الجنس الآخر والسبب في ذلك انهم ينظرون الى هذه العلاقة الجنسية باعتبارها إشباعا لرغبة جنسية جسدية فقط بعيدا عن المشاعر والعواطف وما يحيط بها من جوانب إنسانية. وهذا كله بعيدا عما يتصل بأحكام ديننا بمعنى ان هذا مما افرزه عالم اليوم، أما علماء المسلمين فإنهم قد قصروا أيضا في الكشف عن هذه المخاطر السابق بيانها وهي لا شك أنها واقع وان كثيرا من المجتمعات أصبحت تعاني في أفرادها منها لكن لا ينبغي لنا نحن المسلمين ان نقصر مخاطر هذه الظاهرة على هذه الجوانب الدنيوية، بل ان الأخطر من ذلك كله إنما هو ما يتعلق بتضييع الدين وما يتعلق بارتكاب ما حرم الله تبارك وتعالى وهذا هو الخطر الأول الذي يجب على المسلم ان يشتغل به فإن كشف هذه الإحصاءات وبيان هذه الأرقام يجب ان يكون عبرة وعظة لهذا الذي تسول له نفسه ان يدخل في هذا العالم فإن كان أصحاب هذه المواقع وهم قادرون على الوصول الى بيانات من يزور مواقعهم ومن يتصفحها فكيف بالناقد البصير جل وعلا وهو القائل سبحانه: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) وهو القائل: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، فتضييع الدين وارتكاب ما حرم الله تبارك وتعالى هو اعظم خطرا من الآثار الدنيوية مع خطورتها وعظمها إلا ان ما يتصدرها هو ما يتعلق بدين هذا المسلم المكلف وبخلقه وصلته بالله تبارك وتعالى.

وأضاف: ان في كشف هذه الأرقام والإحصاءات والبيانات أيضا معتبرا لهذا المسلم في ان ما دعاه إليه دينه - أمرا أو نهيا أو ندبا أو إباحة - فيه من المصالح عليه وعلى الأسرة والمجتمع والأوطان ما لا يخفى على احد، فإذا كانت هذه الإحصاءات والبحوث والدراسات تكشف عن عظم المخاطر التي تصاحب إدمان هذه المواقع فان في ضوء هذه المخاطر يمكن لنا ان نفهم كيف أن الله تبارك وتعالى فيما يتعلق بالفواحش قال: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، وقال سبحانه: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) حيث نهى سبحانه عن مجرد الاقتراب من هذه الفواحش. ولا ريب ان إجالة النظر في هذه المواقع وتتبعها وتصفحها إنما هو من الاقتراب، فعلى هذا المكلف ان يعلم انه بذلك يخالف أمر الله تبارك وتعالى وان يوقن بالمضار والآثار التي تفسد عليه دينه وتهدم عليه أخلاقه وتوقعه في سخط الله تبارك وتعالى.

العلاج ممكن

■ في دول العالم الآخر، على كثرة مشاهدة الأفلام والمواقع الإباحية يضعون مجموعة من العلاجات لحماية أبنائهم وأسرهم ومع ذلك فقد اتسع الخرق على الراقع كما يقال، فكيف لنا نحن ان نضع الحلول ونعالج هذه الظاهرة، ولنبدأ أولا بالفرد ما الذي يمكن ان يقدمه لحماية نفسه أو مجتمعه من الوقوع في مثل هذه المواقع الإباحية التي بدأت تجذبهم بقوة شديدة إليها؟

- طالما تبينت المخاطر والآثار - دينية كانت أو دنيوية - فإن العلاج ممكن ومتاح، ولأن الواقع في مثل هذه المعصية بحاجة الى خطوات عملية فيمكن لي ان ألخّص من خلال ما اطلعت عليه بنفسي مع دعوتي الى الباحثين والدارسين من مختلف التخصصات في التخصصات النفسية والتقنية وعلماء الاجتماع وعلماء الشريعة في مجتمعاتنا الإسلامية الى ان يخرجوا بحلول عملية وان يقدموا لأجيال المسلمين خطوات تنفعهم يمكن لهم تطبيقها بحيث تنجيهم من مغبة الوقوع في غلواء الشهوات والفتن المصاحبة لهذه المواقع الإباحية الخليعة، فمع دعوتي هذه يمكن لي ان ألخّص أيضا جملة من الخطوات تبدأ من الفهم ثم بوضع خطة، ثم بتحديد طرق لتطبيق تلك الخطة ثم بعد وضع هذه الطرق لابد من غض البصر ثم بعد ذلك الإقلاع، إذن هذه الخطوات الخمس وسأذكرها بيانا، يمكن ان تمثل خطة عمل للراغب في الخروج من أسر هذه المواقع الإباحية، قلت تبدأ بالفهم والإدراج وهذا منهج قرآني لأن الله تبارك وتعالى في مواضع مشابهة حينما حذر عباده من الوقوع في المحرمات بيّن لهم مخاطرها وعواقبها الدينية والدنيوية، مما يجعلنا نستلهم ان الخطوات الأولى تبدأ من تعزيز هذا الجانب الإيماني الداعي الى إدراك العواقب والمخاطر، ولذلك سميت هذه المرحلة بالفهم والإدراك، فالله سبحانه وتعالى حينما حرّم جملة من المحرمات، قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) يبين لنا عواقب هذه الأفعال المحرمة وكذا الحال بالنسبة لهذه المواقع الإباحية فإن إدراك خطرها وتبيّن آثارها السلبية التي تقدم ذكرها يمثل بداية الخروج من دائرة هذه المعصية والعياذ بالله فحينما تسول النفس لهذا الشاب أو تلك الفتاة فإن عليه ان يدرك المخاطر والآثار التي تترتب على مشاهدته وتصفحه وزيارته لهذه المواقع فان الإدراك بعواقب ذلك يفضي بعد ذلك الى التمكن من الإقلاع.

أما الخطوة الثانية فلابد من وضع خطة ترسم فيها أهداف والهدف الأساس هو الإقلاع وتحصين النفس من الوقوع في هذه المهاوي، وهذا الهدف الرئيسي لابد له ما يعزز تحقيقه وما يعين على تطبيقه من برامج تتعلق بالإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى بالقلب واللسان، والتعلم لكل العلوم النافعة والرياضة النافعة لصحة هذا الإنسان، والقراءة والإكثار من الساعات التي يجلس فيها الى أسرته مع قرناء صالحين الى غير ذلك من الطرق والوسائل التي تعينه على تحقيق هدفه الأسمى فلا يكفي ان يقعد هكذا ويقول أنا وضعت هدفا ان اجتنب هذه المواقع، لابد له من بدائل التي تصرف له همته وتشغل له وقته بما هو نافع مفيد وبما يجنبه الوقوع في وساوس الشيطان، ولا حرج عليه ان يكتب أهدافه وان يحتفظ بها لنفسه، بل ان بعض الباحثين يرى انه من الأفضل له ان يكتب لأنه يكون حينئذ اقدر على تحقيق هدفه، موضحا فضيلته ان هذه المواقع اليوم صرفت الناس عن أداء حقوقهم نحو اسرهم فتجد الشاب أو الفتاة مقصرين في أدائهم لحقوق الوالدين ولحقوق أسرتهم وأرحامهم، وكذا الحال في اختيارهم لرفقائهم وأصدقائهم لا يضعون المعيار الديني والالتزام الخلقي من جملة المعايير التي يختارون بها قرناءهم، مؤكدا فضيلته انه لا بد لنا من وضع هذه البدائل وعلى المجتمع والمؤسسات في المقابل أيضا ان توجد البدائل النافعة المفيدة.

وأوضح انه مع وضع الخطة المحددة الأهداف والطرق والبدائل التي تعين على تحقيق هذه الأهداف هناك طريقة خاصة وهي مأخوذة من قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وقال بعدها: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) فلابد من ان يوجد المكلف لنفسه مهربا من الوقوع في المحرم كوضع خطة إشغال للنفس واستغلال لذلك الوقت وان يلزم نفسه بذلك حتى ولو كان عملا بسيطا، ولذلك فإن الخطوة التالية هي غض البصر مرتبطة بما تقدم لكن هنا لابد من له ان يشيح بنظره بعيدا، مشيرا الى ان هذه المواقع التي أخرجت هذه النتائج من القائمين عليها من يقول: «العينان مفتاح نجاحنا»، فهم يصرحون بهذا، فهم لا يتحدثون عن مجرد الرؤية العادية، فهم قد خرجوا اليوم من العالم الافتراضي الى ما يعرف اليوم بالحقيقة المعززة ينتجون نظارات تصوّر لهم ذلك الواقع الافتراضي كأنه عندهم في الغرفة ينظرون في زواياها في كل ما يحدث وكأنهم جزء منه، مشيرا الى ان قريب من هذه التقنية ما وجد في بعض الألعاب الإلكترونية التي فيها عالم افتراضي يدعوهم في عالم حقيقي لذلك تجد انهم يقتحمون خصوصيات الناس ويدخلون أماكن العبادة وفي الشوارع وغيرها، ونتج من ذلك آثار كثيرة جدا، فنفس هذه التقنية وأشد منها نقلوها الى ما يتعلق بالمواقع الإباحية، إذن فليست المسألة مقصورة اليوم على تصفح مواقع الأنترنت، فهناك تقنيات ووسائل تجعل الفاصل بين الواقع وهذا العالم الافتراضي ضئيلا جدا، ولهذا فلا مناص من غض البصر حسبما جاء في التوجيه الرباني.

وأضاف: وهذا الذي يدفعهم بعد ذلك الى الخطوة الأخيرة وهي الإقلاع، ولا اقصد به الجانب النفسي وإنما اقصد به الخطوات العملية وهو «الحجب» لهذه المواقع من الأجهزة التي يستعملها ومن شبكة «الواي فاي» التي يستخدمها فإن كان المتصفح مكلفا فعليه هو ان يسعى الى ذلك، ان يقوم بحجب هذه المواقع، وان كان لا يزال صغيرا فإن على الأسرة أن تقوم بذلك، فهذه الخطوات العملية يمكن لها ان تمكن هذا الشاب أو تلك الفتاة من الإقلاع ومن العودة الى الله تبارك وتعالى ومن حسن الاستقامة ومن تحصين النفس إزاء هذه الأهواء والشهوات المحيطة بهم.. وتلخيصا لتلك الخطوات العملية نوجزها في الآتي: الفهم والإدراك ثم خطة عمل محددة الأهداف وطرق تحقيق هذه الخطة وبعد ذلك غض البصر، ثم حجب هذه المواقع.