صحافة

الحياة الجديدة: مــئــويــة عــبــد الــنــاصــر

19 يناير 2018
19 يناير 2018

في زاوية مقالات وآراء كتب عمر حلمي الغول، مقالا بعنوان: مئوية عبد الناصر، جاء فيه:

في مثل هذا اليوم من التاريخ قبل مائة عام أبصر الطفل جمال عبد الناصر النور في منزل والده رقم 12 شارع قنوات بحي باكوس بالإسكندرية. وأصوله صعيدية، حيث ولد والده في قرية بني مر في محافظة أسيوط. كان الخامس عشر من يناير 1918 إيذانا بميلاد زعيم عربي من طراز جديد. وبمناسبة ذكرى مئوية الزعيم العظيم، تملي الضرورة إبراز دوره في النهوض بالقومية العربية، ورفع شعارها. لا سيما أن اللحظة السياسية التي تعيشها الأمة العربية تحتم استحضار تجربته، لاستلهامها والاستفادة منها في الرد على كل المشاريع الاستعمارية الغربية، التي عملت، وتعمل على تعميق عملية تفتيت وحدة شعوب ودول الأمة العربية.

الزعيم الخالد عبد الناصر تلمس طريقه للقومية العربية في فلسطين عندما حوصر في الفالوجا، واكتشف آنذاك جريمة الأسلحة البريطانية الفاسدة، ومع انضمامه لتنظيم الضباط الأحرار، الذين اقتلعوا الملكية في ثورة يوليو 1952. وتميز بين أقرانه بدور ريادي، حيث قاد عملية تصحيح للثورة مع عزل رئيس الجمهورية الأول محمد نجيب، وتولى الرئاسة في 23 يونيو 1956 إلى يوم رحيله، وهو يدافع عن الثورة الفلسطينية، وبعد أن عقد قمة طارئة في القاهرة في سبتمبر 1970 للملمة الجراح، وما إن أسدل الستار على تلك القمة، وودع آخر من شارك فيها من الزعماء العرب أصيب بجلطة أودت بحياته في 28 من سبتمبر 1970.

القائد التاريخي عبد الناصر منذ أدرك مكانة وعبقرية دور وثقل مصر الشقيقة الكبرى، وأيقن أن مصر العربية لها رسالة عظيمة في بناء صرح الوحدة العربية، وتحرير الأرض العربية المحتلة في أرجاء الوطن العربي من الاستعمار خاصة في فلسطين والجزائر وليبيا وسوريا ولبنان، وملاحقة أنظمة الفساد، ورفض التبعية، وسياسة الإملاءات الغربية الاستعمارية عبر توحيد طاقات وجهود وإمكانيات دول وشعوب الأمة العربية. عمل مع رفاقه وأقرانه في قيادة الثورة، ومع أشقائه الوطنيين والقوميين العرب للدفاع عن شعوب الأمة وحريتها واستقلالها ونهضتها ووحدتها. تعمقت تجربة جمال عبد الناصر القومية بالمراس ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، حيث جابه بصلابة مع أقرانه من الضباط الأحرار الإقطاع السياسي، ووكلاء الغرب الرأسمالي، ورفض أمريكا وأوروبا الغربية بيع السلاح للجيش المصري، ورفضهم تمويل بناء السد العالي، وقبل ذلك عدوانهم الثلاثي في أكتوبر 1956، حيث شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل حربا على مصر عبد الناصر بعد تأميمه قناة السويس، لكسر إرادته وتوجهه الوطني والقومي. لكن إرادة الشعب العربي المصري وقيادته الصلبة أوقعت الهزيمة بالمعتدين الاستعماريين. ولم يتوقف الرئيس الزعيم عن الإقدام على اتخاذ سياسات وخطوات دراماتيكية لبناء جسور الوحدة العربية التي تتناقض مع مخططات سايكس بيكو، وكامبل نبرمان ووجود إسرائيل الاستعمارية في فلسطين المحتلة، فدافع عن عروبة لبنان 1957، وأقام أول مشروع وحدة عربية مع سوريا شكري القوتلي 1958، التي انهارت عام 1961 لأسباب داخلية وخارجية، وقاد أكثر من مشروع وحدوي للنهوض بمقدرات الأمة العربية، وتلازم مع ذلك عملية بناء مصر الحديثة والعظيمة. لكن تآمر قوى الداخل المصري والعربي والإسرائيلي والغربي الرأسمالي، والحروب وغيرها من الأخطاء حالت دون نجاح تجربة القومية العربية، التي قادها الزعيم عبد الناصر.

فشل تجربة قائد الأمة العربية في إشادة صرح الوحدة العربية، لا يعني بحال من الأحوال فشل المشروع القومي النهضوي، إنما كان لذلك أسباب ذاتية وموضوعية. ورغم تراجع وهج المشروع الوحدوي مع تعمق الفئوية والدولة القطرية، إلا أنه مازال المشروع القابل للحياة في ربوع هذه المنطقة، وهو المشروع المؤهل بحكم عوامل التاريخ واللغة والثقافة والجغرافيا والمصالح المشتركة للنهوض مجددا، ولن تستطيع قوى الغرب وإسرائيل الاستعمارية احتجازه إلى ما لا نهاية. ومن يتابع التطورات الداخلية العربية سيلحظ ولادة أنوية عربية جديدة للمشروع القومي العربي، أهمها تجربة المؤتمر الشعبي العربي، الذي عقد مؤتمره الأول في تونس في ديسمبر 2017، ويعتبر مشروعا واعدا بما يحمله من آفاق قومية وديمقراطية. وستبقى تجربة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر نبراسا وهاديا لكل القوى القومية والديمقراطية العربية الحية. ولن يموت المشروع القومي برحيل الزعماء الذين حملوا رايته؛ لأن الرواد الجدد على موعد لرفع رايته مجددا وعاليا في سماء كل أرض عربية، ووفق معايير وطنية وقومية وديمقراطية قادرة على مواجهة التحديات، واجترار المعجزات للنهوض من القاع الآسن، الذي تعيشه شعوب الأمة العربية منذ زمن لا بأس به مع تكالب كل أصحاب المشاريع التآمرية عليه في الإقليم والعالم.