أعمدة

نوافـذ: لمـاذا يكـذب هـؤلاء؟! ..

16 يناير 2018
16 يناير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

في أواخر عام 2017م المنصرم، أعلنت وزارة التعليم العالي، عبر وسائل الإعلام المختلفة حالات تزوير للمؤهلات العلمية قام بها عدد من حاملي الشهادات العلمية في مختلف المجالات، وجاء في حيثيات الخبر: «أكثر من (1200) حالة تزوير للمؤهلات الدراسية رصدتها وزارة التعليم العالي خلال الأعوام الستة المنصرمة، تمثل ذلك في تزوير المؤهل العلمي ككل، وتزوير الأختام والوثائق، بالإضافة إلى حالات تزوير غير مباشرة مثل صدور مؤهلات من مؤسسات تعليمية وهمية، مشيرة الوزارة إلى أن هذا التزوير (ظاهرة دخيلة ومتنامية)».

وفي ذات السياق قرأت في إحدى الدوريات خبرا مماثلا شمل السرقات الأدبية والعلمية التي تمت خلال عام 2017م المنصرم في الوطن العربي - حسب العنوان - وأقتطف هنا الجزء التالي من هذا الخبر والذي نصه: «منذ أيام، اعتذرت مجلة «فصول» النقدية التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة عن نشر بحث بعنوان «الاستعارة في نماذج من شعر محمود درويش - مقاربة عرفانية لـ (أتحفظ على الاسم هنا) وذلك بعدما اكتشفت أنه مسروق بالكامل عن رسالة ماجستير للجزائرية جميلة كرتوس (...) هذه الفضيحة التي سمعت بها شتى منابر الإعلام في مصر وخارجها، ستؤثر حتما على احتمالية أن ينشر «للسارق» في أي مطبوعة ثقافية عربية، حتى لو كان النص هذه المرة من مجهوده» - انتهى نص الخبر بتصرف - طبعا ولا يزال مسلسل السرقات والانتحالات الأدبية وللرسائل العلمية مستمرا، لأن الصورة مغرية إلى حد المجازفة، فلكل هؤلاء هنا أو هناك، فإن هم يفلتون من رقابة القانون، فإنهم حتما لن يفلتوا من رقابة الضمير، حتى وإن وصف هذا الضمير أنه ميت.

هذه الصورة تعكس طموحا بشريا، ولكنه بطرق غير صحيحة، وأصحابه هؤلاء لم يتوافقوا حتى مع أنفسهم الأمارة بالسوء، لأنها بعد فترة الاكتشافات «المخزية» هذه يقينا سيندمون، ولكن «حين لا ينفع الندم».

يمثل الطموح أحد أهم المشروعات الإنسانية المطلقة، وبهذا المشروع أصلت الإنسانية مكانتها، وبقاءها على وجه هذه الأرض، وبهذا المشروع تفرد الإنسان عن غيره من المخلوقات، فكل المخلوقات ظلت تراوح مكانها عند مستوى إرواء الغريزة فقط، وظلت بعض العمليات البيولوجية قائمة كالبحث عن الطعام والشراب والتزاوج، وتهيئة المسكن بصورته المتوارثة عبر القرون، أما الإنسان فبخلاف ذلك تماما، فقد بدأت حياته من المغارات والكهوف التي استوطنها، وها هو اليوم يغزو الفضاء الرحب، ويقيم علاقات المعرفة المتنوعة مع النجوم والكواكب، ويخرج من حالاته البدائية البسيطة في الحياة إلى مستوى من التعقيد في استخدام المادة التي حولها، ويحولها الى كائنات إلكترونية وفيزيائية لينجز من خلالها الأكثر والأكثر، ولا يزال ينحت في مشروعه هذا، ولا تزال الحياة تسجل له هذا الإنجاز المستمر إلى ما لا نهاية، إلا بنهاية الحياة الدنيا (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، أتاها أمرنا ليلا أو نهارا، فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) الآية (24) من سورة يونس.

هذا الترقي في الحياة، بقدر ما هي سنة كونية قدرها الله سبحانه وتعالى، فموكول أمر ترقيها على هذا الإنسان - خليفة الله في أرضه - فهو أمانة عظمى على هذا الإنسان أن يكون أكثر أمانة، وهو ينجز هذا المشروع الحضاري في جوانبه المختلفة، لتستقيم الحياة، وتصل الرسالة الإنسانية إلى غاياتها المأمولة، وهي العيش بسلام، وأمان، إلى حين تأدية هذه الأمانة إلى موكلها.

الملاحظة التي نقف عندها هنا؛ أكثر، هي الصورة الاحتفالية المغرية للذين يقفون على منصات التتويج بإنجازاتهم المعرفية في شتى مجالات الحياة، فليس كل واحد يصل إلى هذه المنصة، حيث تحتاج إلى كثير من الجهد وعصارة الفكر، وسهر الليالي، والتضحية بأشياء كثيرة، هي الاستحقاقات الآنية للنفس البشرية؛ وبالتالي فالتنازل عنها في لحظات معينة من مسيرة حياتنا كأفراد لتحقيق الأسماء، يحتاج إلى كثير من الشجاعة والصبر، وهذه صفات لا تتحقق عند الجميع إلا الاستثناء، والاستثناء هنا هو هؤلاء الذين ينجزون كما معرفيا نوعيا يستحق من خلالها الثناء والتقدير، ولأن الجميع ليس بمقدورهم الوصول إلى منصة التتويج هذه، فإنهم يسلكون طرقا معوجة فيها الاحتيال، وتجاوز القوانين والأنظمة، كل ذلك لكي يصلوا إلى هذه المنصة، وإن كان حالهم الحقيقي لا يشعرهم بالفخر، لأن وصولهم هنا غير حقيقي.