أفكار وآراء

آن لأوروبا قيادة جهود السلام في الشرق الأوسط

03 يناير 2018
03 يناير 2018

جوليان فون ميتيلستادت- دير شبيغل -

ترجمة قاسم مكي -

لم يحب الصهاينة القدس أبدا. فثيودور هيرتزل أبُ الصهيونية كان يحلم بعاصمة في الشمال على منحدرات جبل الكرمل وقبالة البحر المتوسط. ولم يكن سوى الازدراء للحائط الغربي في القدس. لقد كتب يوما «يا للخرافة والتعصب في كل جانب» (عقب رحلة له إلى حائط المبكي في أكتوبر 1898- المترجم). ومن المخجل أن الصهاينة لم ينتهجوا سبيله. فوضعية القدس ظلت محل نزاع منذ أن أعلنت إسرائيل قبل 70 عاما أنها ستكون عاصمة لها. لقد سكب الرئيس ترامب سطلا كبيرا من الزيت على حريق هذا النزاع بإعلانه اعتراف الولايات المتحدة رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل وأن بلاده ستشرع في نقل سفارتها إلى المدينة من تل أبيب. بالطبع القدس هي سلفا مقر للكنيست (البرلمان الإسرائيلي) ومكتب رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. كما توجد بها معظم الوزارات الإسرائيلية. لكن لم يعتبر أي بلد أن من المناسب نقل سفارته إلى هناك لأن المجتمع الدولي وافق بإجماع غير معتاد على وجوب حل قضية عاصمة إسرائيل ضمن إطار اتفاق سلام رسمي. كما يعتبر الفلسطينيون أيضا القدس عاصمتهم، أو على الأقل الجزء الشرقي منها. وهم يشكلون ثلث سكان المدينة تقريبا. إن موضوع القدس أحد أعقد القضايا التي تواجه عملية السلام. وهذا ما يفسر عدم إدراجها في خطط السلام حتى وقتنا الراهن. رغما عن ذلك وضع دونالد ترامب الآن العربة أمام الحصان واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل لأنه وعد بأن يفعل ذلك في حملته الانتخابية. هذه خطوة توضح أن ترامب يشكل النقيض تماما للسياسي «صانع الصفقات». لقد قدم إلى نتنياهو هدية ظلت مشتهاة منذ فترة طويلة، وذلك دون المطالبة بمقابل لها. ويمثل زعم ترامب أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل «شرط ضروري لتحقيق السلام» برهانا واضحا على عدم دقة التقدير، فهو يؤمن أنه من الممكن إيجاد شيء جديد فقط حين يدوس على كل شيء جاء قبله. لكن عملية السلام التي ظلت تتسم دائما بعدم الواقعية مستحيلة تقريبا الآن، مهما علت مزاعم ترامب بأنه يريد تدبير «صفقة عظيمة» لكلا الجانبين. فالخطوة (التي اتخذها) تجرد الولايات المتحدة من أهليتها كوسيط. وإسرائيل التي برهنت دائما على عدم استعدادها لطرح أية حلول وسطي ستشعر أن في مقدورها الاستمرار في تجاهل المطالب التي تدعوها إلى التنازل. على أية حال لقد كشفت حكومة نتنياهو أنها تفضل إيجاد حقائق على الأرض بمواصلة بناء المستوطنات وإخفاء الفلسطينيين وراء جدران مطلية بألوان زاهية. ويشعر الفلسطينيون أنهم سيكونون الخاسرين في النهاية. فخطة السلام المزعومة التي أعدها جاريد كوشنر، صهر ترامب، يقال إنها لا تحتوي على أهم مطالبهم. فلماذا يواصلون المفاوضات؟ لكن قرار ترامب لم يقتصر فقط على إثارة القلقلة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية ( تلك الشريحة الضئيلة من الأرض التي لا تزيد عن مساحة بلجيكا) ولكن في أرجاء العالم العربي كافة. فمن مصر إلى الأردن عبّر رؤساء الدول عن استهجانهم في حين ذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى حد القول إن أمريكا «أدخلت المنطقة والعالم في حريق لا تبدو له نهاية». ربما ينطوي ذلك على شيء قليل من الدراما. لكن سفك الدماء بدأ سلفا في الاحتجاجات ( ضد قرار ترامب). كما أطلقت الصواريخ من غزة. إن قرار ترامب ينتج خاسرين فقط. أحد هؤلاء الخاسرين الولايات المتحدة نفسها. لقد ضحت الآن حتى بالمزيد من الصدقية في الشرق الأوسط. فالتحالف ضد إيران قد يتداعى الآن فيما تتعرض في الأثناء أجزاء بالمنطقة إلى عدم الاستقرار. حتى الإسرائيليون الذين يحتفلون اليوم (بقرار ترامب) قد يجدون أنفسهم في نهاية المطاف من بين الخاسرين. ليس ذلك فقط لأن هذا الصراع يعمل دائما على تعزيز الأصوليين. بل من الممكن أن يعمق القرار الجفوة بين إسرائيل وأوروبا. كثيرا ما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون هذه الأيام عن أوجه الشبه (بين إسرائيل) وأوروبا ويؤكدون على القيم والثقافة والاقتصاد. ثم يتساءلون لماذا يركز الأوروبيون دائما على القضية الفلسطينية ويصرون (أي الإسرائيليون)على أنها قضية ثانوية. لكن ما أبعد هذا القول عن الحقيقة. إنها قضية مبادئ سياسية. لذلك يتخذ حلها موقعا مركزيا في العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. أما قرار ترامب فيجعل مثل هذا الحل أكثر صعوبة مما يوسع من الفجوة بين الأوروبيين والإسرائيليين ويسمح للجرح الأعمق في العلاقة بين الغرب والعالم العربي بالاستمرار في الالتهاب. وبفضل ترامب يجب أن يكون واضحا الآن لكل أحد أن عملية السلام ليست أكثر من مجرد عبارة فارغة وأنها لم تعد فاعلة وأن الهدوء النسبي في العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية الذي شهدناه مؤخرا هو الاستثناء وليس القاعدة. هذا يعني أن الخيار لنا نحن (الأوروبيين والألمان) الآن لطرح أفكار جديدة وترتيبات جديدة مهما كانت صعوبة ذلك. ويجب تطوير هذه الأفكار الجديدة ما أمكن ذلك بالتعاون مع البلدان العربية المعتدلة. تلك التي تعرف أن العداوة القديمة تجاه إسرائيل تؤذي أكثر مما تساعد. ويقدم الوضع الجديد في الشرق الأوسط فرصة مثالية لوزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل الذي ظل يطالب بأن تكون ألمانيا أكثر شجاعة في سياستها الخارجية، وبالنسبة لأوروبا فإنه يجب ألا يكون أي صراع آخر أكثر أهمية من الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.