abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ: أمنيات مؤجلة

31 ديسمبر 2017
31 ديسمبر 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

أذكر أول أمنية لي في صغري بأنني عندما أكبر سأقوم بتأسيس مكتبة صغيرة، حلمت كثيرا بتلك المكتبة وبالكتب التي تزين أرففها، كبرت بعدها بسنين معدودة فتضاءل ذلك الحلم، لم يعد حلما، حلت محله أحلام أخرى، حتى تلك الأحلام البديلة لم تعد تصلح لأن تسمى بالأحلام، صارت أقرب للواقع منها من إلى الحلم، أقلعت عن الأحلام واكتفيت بعيش الواقع وتقبله كيفما كان.

يسألني صديق عن أمنياتي وأحلامي للعام الذي نقف على عتبته فأجيبه بأن لا شيء محدد بالنسبة لي فيتهمني بالانكسار وعدم التخطيط والتشاؤم وكثير من الأوصاف التي اعتدت سماعها منه، قلت ربما تكون الأماني والأحلام لمن هم أصغر مني سنا فقد وصلنا اليوم إلى أكثر مما كنا نحلم به في الصغر، لذا فأنا أترك أحلامي وأمانيي الشخصية جانبا واستبدلها بدعاء إلى خالق الكون بأن يحل الأمن والسلام والطمأنينة العالم أجمع فهذه أمنية وحلم لا يقدر عليها إلا هو سبحانه ليوقظنا من غفوتنا وسباتنا الذي نحن غارقون فيه.

أخذت سؤال هذا الصديق وتوجهت به إلى من هم أصغر مني سنا على أن يكون لديهم ما يحلمون به في هذا العالم الهادر، سألتهم عن أحلامهم، أمانيهم، طموحاتهم ما يحلمون بتحقيقيه، ماذا يرغبون أن يكونونه عندما يتقدم بهم العمر. لم أتفاجأ كثيرا بأمنياتهم فهي نابعة من العصر الذي يحيونه، قال لي أحدهم بأنه يحلم أن يكون «هاكر» أي أن ترجمتها بلغتي أنا فتكون «لصا» ولكنه لص إلكتروني يخترق ويسرق حسابات الفقراء والأغنياء ليرضي غرورا داخله، صبي غيره يتمنى أن يكون مؤثرا ولديه ملايين المعجبين على قنوات التواصل أو كما قال لي بأنه يحلم بأن يكون «يوتيوبر» أي مدون على موقع اليوتيوب ويشاهد فيديوهاته التي يصورها ملايين الناس حول العالم كي يصبح مشهورا وغنيا، وغيره تمنى أن يبتكر لعبة إلكترونية على غرار «روبلوكس» و«ماين كرافت» ومثيلاتها تحقق له عائدا ضخما من المال ليؤسس بها شركته الخاصة به.

رجعت لنفسي وقلت في سري لم يعد حلما اليوم أن تصبح طبيبا أو مهندسا أو كاتبا مشهورا أو تمتلك مكتبة صغيرة كحلمي القديم، فهذه أحلام مؤجلة أو متروكة بالمعنى الأصح واستبدلت بأماني وأحلام جديدة تواكب روح العصر الذي يحياه هذا الجيل وربما تتغير أحلامهم في يوم قريب كما تغيرت أحلامنا وأمنياتنا قبلهم فلكل زمان كما يقال أذانه.

يبقى أن لكلٍ حلمه وأمنيته يقيسها بحجمه ومنصبه، فأمنية الغني أكبر من أمنية الفقير وأمنية الصحيح غير أمنية العليل وأمنية الرجل تختلف عن أمنية المرأة وأمنية الطفل غير أمنية الشيخ، وأمنية السياسي غير أمنية المواطن العادي، كل يمنّي نفسه بحسب نوعه وجنسه ومنصبه وبحسب ما يهوى وما يحلم وما يطمح، فكل له حلمه وأمنيته التي يرسمها في عقله ويسعى جاهدا بما آتاه الله من جهد كي يحققها أو يؤجل تحقيقها لتصبح أحلاما مؤجلة مؤقتا أو متروكة للابد.