أفكار وآراء

الاستثمار في إفريقيا لوقـــف الهجــرة

30 ديسمبر 2017
30 ديسمبر 2017

بول مارتن- واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

الهجرة شىء جيد. لكنها صارت قضية سياسية مثيرة للخلاف في العَقدِ الثاني من هذا القرن. فالانكماش الاقتصادي والنموٌّ الذي ظل دون المستوى الأمثل على مدى عشرة أعوام أشاعا «عدم استعداد» وسط العديدين لإفساح المجال للغرباء. وصار الحديث عن الجدران الحدودية طريقة سهلة لكسب الأصوات، بل في بعض الحالات للفوز في الانتخابات. يهاجر الناس من بلدانهم لأنهم يريدون تحسين حياتهم. هذا الدافع إلى الهجرة أوجد بعض المجتمعات الأكثر حيوية في العالم. فكندا حققت نموها بفضل المهاجرين الذين قدِموا إليها من مختلف أنحاء العالم. ولم يمنعهم الشتاء الكندي من المجيء.

كذلك لا توقف سياسات بناء الجدران والحظر والحصص حركة الهجرة إلى أماكن أخرى. نحن في كندا في الحقيقة بحاجة إلى المهاجرين. فمساهمتهم في مجتمعنا واقتصادنا واضحة بذاتها. لكن إذا كان الآخرون في الغرب غير راغبين في فتح أبوابهم فما الذي يجب عليهم أن يفعلوه (تجاه الهجرة). الإجابة الوحيدة هي التركيز بقدر أقل على الروادع (الإجراءات المضادة للهجرة) وبذل المزيد من الجهد لتقليل الأسباب التي تدفع من يواجهون مصاعب في العالم لمغادرة بلدانهم. لنأخذ إفريقيا. فخلال العقدين القادمين ستنمو قوة العمل في بلدان جنوب الصحراء بمعدل يفوق الزيادة في أعداد السكان الذين هم في سن العمل في باقي أقاليم العالم بأجمعه. وتشهد القارة في الوقت الحاضر انفجارا سكانيا بسبب الانخفاض الشديد في معدلات وفاة المواليد مع ثبات معدلات الولادة. وهذا في حد ذاته خبر سعيد. لكن ما لم تتغير الأوضاع فإن أطفالا كثيرين جدا من هؤلاء سيترعرعون في الفقر. وعندما يكبرون، سيكون السبيل الوحيد لضمان حياة أفضل لهم هو ذلك الذي يقودهم بعيدا عن عائلاتهم وأصدقائهم وموطنهم (الهجرة).

يلتحق أكثر من 10 ملايين شاب إفريقي بسوق العمل سنويا. رغما عن ذلك لا يزيد عدد الوظائف الجديدة في القارة عن حوالى 3 ملايين وظيفة. وتنذر هذه الفجوة (بين العرض والطلب في الوظائف) بمستقبل من الفقر والهجرة ستتردد أصداؤه حول العالم. وحتى إذا انحسر النزوح بسبب الحرب والمجاعة سيشعر الملايين من الأفارقة أنهم مجبرون على الرحيل بعيدا عن بلدانهم بحثا عن حياة أفضل بصرف النظر عن الحواجز التي تنتصب أمامهم. أما السبيل الوحيد لمنع حدوث ذلك فهو ضمان نمو الوظائف وتحسن أحوال المعيشة الأمر الذي سيمكنهم من البقاء حيث يريدون.

أي في مواطنهم. دعوني أطرح اقتراحين. أولا، لقد أقر بنك التنمية الإفريقي بهذه الحاجة من خلال مشروع «وظائف للشباب في إفريقيا» يهدف من خلال تعزيز رأس المال البشري إلى إيجاد 25 مليون وظيفة في العقد القادم.

وفي هذا السياق سيكون من المهم أن تسعى البلدان الإفريقية إلى إزالة القيود المجتمعية التي تمنع الفتيات من الحصول على تعليم محترم. فالإناث لا يتقدمن إلى الأمام بسبب قيود لا يمكن تحطيمها إلا بتضافر جهود الحكومات المحلية.

وفي هذا الصدد، تقدر اليونسكو أن حوالي 7 ملايين طفلة في سن الدراسة بالمرحلة الابتدائية لن يشاهدن حجرة الدرس على الإطلاق. هذا في حين ذكرت منظمة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) في وقت مبكر من هذا العام أن 49 مليونا من الفتيات في إفريقيا جنوب الصحراء غير مسجلات في مدرسة ابتدائية أو ثانوية. من الممكن تطوير هذه القدرات الكامنة لدى الإناث بقدر قليل نسبيا من التمويل. والمطلوب لذلك إرادة سياسية تصر على منحهن نفس فرص التعليم التي يحصل عليها الذكور. فكرة ثانية. لدى إفريقيا عدد من الأسواق الإقليمية. لكنها بحاجة إلى سوق قارية. فحدود بلدانها الـ 54 تضع قيودا على اقتصاديات الحجم الكبير التي يمكن أن يتيحها العدد الكبير لسكانها. لا يحتاج قادتها إلى استنساخ الاتحاد الأوروبي في هذا الجانب. فالعملة الموحدة هي آخر شيء يلزم افريقيا. لكن لكي تستغل البلدان الإفريقية قدراتها الاقتصادية بطريقة جماعية عليها تيسير التجارة حول القارة. ويجب أن تختفي الحدود المصطنعة بما في ذلك الرسوم الحمائية على الواردات أو بيروقراطية الجمارك التي لا ضرورة لها. وفي نفس الوقت على إفريقيا تشييد البنية التحتية المطلوبة لنقل السلع والناس في أرجاء القارة.

فمن المثير للسخرية أن نقل البضائع عبر السفن من معظم البلدان الإفريقية إلى أوروبا أيسر من نقلها إلى جاراتها. بل يصعب جدا فهم استمرار وجود الفجوات بين العرض والطلب على الوظائف حين يتأمل المرء في عدد الوظائف التي يمكن أن تتولَّد عن تنفيذ مشروع للبنية التحتية على مستوى القارة. بالطبع إنشاء مشروع بمثل هذا الحجم باهظ التكلفة ويفوق القدرة التمويلية الحالية التي تملكها القارة. سيقول البعض ردا على ذلك أن البلدان المانحة لا يمكنها القيام بذلك من تلقاء نفسها. لكن هذا القول قابل للأخذ والرد بالنظر إلى الرهانات التي ينطوي عليها مثل هذا المشروع. وعلى أية حال فإن صناديق التقاعد الكبيرة والمصادر الأخرى لرأس المال الخاص متلهفة لدعم مشروعات من هذا النوع، خصوصا إذا شاركتها حكومات مانحة. على إفريقيا السعي إلى الاستفادة الكاملة من هذه الإمكانية. فمن غير المفهوم أن نصف السكان تقريبا لا يتمتعون بخدمات الشبكة الكهربائية على الرغم من أن مشروعات التوليد بواسطة الطاقة المائية يمكنها تزويد ثلثي القارة بالكهرباء. وأقول لأولئك الذين ستنفق حكوماتهم الأموال لنصب الحواجز في وجه الهجرة عليكم تأمل الحقيقة التالية: يقدر صندوق النقد الدولي أن إفريقيا بحاجة إلى 100 بليون دولار من الاستثمارات في البنية التحتية سنويا كي تتمكن من استغلال إمكاناتها الواعدة وأنها في الوقت الحاضر تحصل على نصف هذا المبلغ فقط. سيترتب عن سد هذا الشح في التمويل تأثير درامي على الهجرة. فالنقص في البنيات التحية يكلف القارة نسبة 2% من النمو الاقتصادي في العام. وإذا حررنا هذا النمو ( من العوائق التمويلية) سيختار الأفارقة العمل في وظائف داخل بلدانهم بدلا عن التعرض إلى مخاطر الهجرة بحثا عن العمل في الخارج. وهذا من شأنه أن يحقق فائدة إضافية تتمثل في نمو حجم الطبقة الوسطى مما سيؤدي في آخر المطاف إلى ظهور حكومات أكثر حساسية. ما أدعو إليه لا يزيد عما فعله الآخرون.

لقد أورد وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سمرز بعض الأرقام الإحصائية اللافتة في خطاب ألقاه بمركز التنمية الدولية في نوفمبر الماضي. جاء في خطابه أن نموا بنسبة 50% تحقق في فترات مختلفة تمتد كل منها إلى ستة أعوام في الصين خلال عمر الجيل الأخير وكذلك في بلدان عديدة أخرى».

وأضاف سمرز «إذا نظرتم إلى المستويات المادية للمعيشة ستجدون أننا شهدنا مزيدا من التقدم لعدد متزايد من الناس ومزيدا من اللحاق بالآخرين أكثر من أي وقت مضى.» سؤالي هو التالي: لماذا لا يمكننا مساعدة إفريقيا كي تفعل نفس الشيء؟ لقد سعت ألمانيا هذا العام لإقناع باقي مجموعة العشرين لدعم عقد مبادرة «ميثاق مع إفريقيا» التي تهدف إلى تيسير الاستثمار في القارة. إنها بداية. وعلينا التركيز عليها الآن.

• الكاتب رئيس وزراء كندا من 2003 إلى 2006. تولى قبل ذلك منصب وزير المالية من 1993 إلى 2002