أفكار وآراء

كم آينشتاين خسرناه؟

27 ديسمبر 2017
27 ديسمبر 2017

ديفيد ليونهاردت – نيويورك تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

يعتمد التقدم البشري في معظمه على الابتكار وتحديدا على الناس الذين يأتون بفكرة تشكل اختراقا وينتج عنها تحسين نوعية الحياة مثل البنسلين أو علاج السرطان أو الكهرباء أو شريحة السيلكون. لهذا السبب لدى المجتمعات مصلحة كبيرة في ضمان توافر الفرصة لأكبر عدد من الناس كي يكونوا علماء ومخترعين ورواد أعمال. القضية هنا ليست قضية إنصاف فقط. فحرمان الأشخاص الموهوبين من الفرص يمكن أن يتضرر منه كل أحد. يشارك راج شيتي، الأستاذ بجامعة ستانفورد، في قيادة «مشروع الفرصة المتساوية» الذي أعتبره أهم مجهود بحثي في علم الاقتصاد اليوم. حصل شيتي وزملاؤه على الملايين من سجلات الضرائب الخاصة بأشخاص مُغْفَلَة أسماءهم. ثم قضوا سنوات في تحليلها. كان الباحثون في السابق يعتمدون على المسوحات. وهي مكلفة ولا يمكن الاعتماد على موثوقيتها.( هل تعرف كم كان يكسب والداك حين كنت في سن العاشرة؟) لكن السجلات الضريبية تسمح لهم بفهم مُؤسَّس على تفاصيل حديثة للمسارات التي تتخذها حياة الناس. نشرت آخر ورقة من أوراق هذا البحث مؤخرا. درست هذه الورقة من صاروا مخترعين ومن لم ينتهِ بهم المطاف إلى أن يكونوا كذلك. وكانت النتائج مزعجة. لقد جعلتني أفكر في قلق حول عدد الابتكارات الخارقة التي فقدناها بسبب الافتقار الحاد للمساواة (في الولايات المتحدة). كما دفعتني نتائج البحث الى الإحساس بالمزيد من الإحباط تجاه التشريع الضريبي الجديد الذي سيزيد من عدم المساواة. فالكونجرس الحالي يحلُّ مشاكل اقتصادية غير موجودة أصلا ويفاقم تلك الموجودة. «علماء من طراز آينشتاين فقدناهم». كانت تلك هي الجملة المفتاحية في ورقة البحث. (آلبيرت آينشتاين 1879-1955 عالم الفيزياء النظرية الألماني وصاحب نظرية النسبية التي تشكل إلى جانب ميكانيكا الكوانتم ركيزتي الفيزياء الحديثة، بحسب ويكيبيديا- المترجم.) تشير الورقة إلى أناس « كان في مقدورهم تحقيق ابتكارات كبيرة الأثر» لو أنهم حصلوا على الفرص التي يستحقونها. طبعا لا أحد يعلم بالضبط من هم هؤلاء العلماء المفقودون. لكن لا يوجد شك في أنهم موجودون. عمل الباحثون الذين أعدوا الورقة مع وزارة الخزانة الأمريكية لربط السجلات الضريبية بسجلات براءات الاختراع. ومكَّنَهم هذا الربط من دراسة خلفيات حاملي براءات الاختراع (ركزت الدراسة على البراءات الأكثر أهمية وتنويها). كما كان في مقدورهم (شيتي وزملاؤه) ربط هذه السجلات بنتائج الامتحانات المدرسية التي حققها بعض حاملي البراءات في المرحلة الابتدائية. لقد وجدوا نسبة احتمال كبيرة جدا في أن يكون الأطفال الذين امتازوا في مادة الرياضيات من بين المخترعين (عندما يكبرون). لكن التفوق في الرياضيات لم يكن كافيا في حد ذاته. فقط الطلاب المتميزون من الأسر مرتفعة الدخل توافرت لهم فرصة محترمة لأن يكونوا مخترعين. وربما أن الحقيقة الأشد سطوعا في البحث هي أن أبناء الأسر المنخفضة الدخل من بين نسبة الـ 5% من التلاميذ الأفضل أداء في مادة الرياضيات في الصف النهائي بالمرحلة الابتدائية أقل احتمالا في أن يكونوا مخترعين قياسا بأقرانهم من أبناء الأسر الغنية الذين تقل درجاتهم عن المتوسط. هذا التباين (بين الفئتين) خيانة للمبادئ المثالية الأمريكية. يقول شيتي « توجد اختلافات كبيرة في معدلات الابتكار. ولا يبدو أن تلك الاختلافات ناشئة عن قدرة فطرية على الابتكار». أو ربما أن « القدرة على الإبداع موزعة على نطاق واسع ولكن ليس الفرص»، حسبما ذكر لي ستيف كيس، رائد الأعمال الذي يستثمر الآن في مناطق يميل رأس المال المغامر إلى تجاهلها يوم زرته لمناقشة نتائج هذا البحث معه. تشكل الفجوة بين الأغنياء والفقراء جانبا واحدا فقط من بين النتائج المقلقة التي توصل لها البحث. فطلاب الطبقة الوسطى لديهم معدلات ابتكار تجعلهم أقرب إلى الطلاب الفقراء منهم إلى الأغنياء. ومن المستبعد أن يصبح التلاميذ في الجنوب الشرقي الأمريكي على وجه الخصوص مخترعين. كما أن معدلات الابتكار في الجنوب الأمريكي منخفضة حتى مع استبعاد أثر الدخل. وهي أيضا منخفضة وسط الأمريكيين من أصول إفريقية ولاتينية. وكذلك بين النساء. ومن جانبي أدعو إلى التأمل في حجم هذه الفجوات. فالاحتمال ضعيف جدا في توافر الفرصة لفئة الإناث والأطفال الأمريكيين السود واللاتينيين والجنوبيين في أن يصبحوا حاملي براءات اختراع . ويبدو أن مجتمعنا يخسر معظم المخترعين الواعدين وسط هذه الفئات التي تشكل في مجموعها أغلبية الأمريكيين.

وهي مجموعات توجد بينها اتجاهات يسارية ويمينية على السواء مما يذكِّرنا بأن الأمريكيين من مختلف القبائل (السياسية) لديهم مصلحة مشتركة في التصدي لانعدام المساواة. كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟ نستطيع أن نتوقف عن إغداق الإعفاءات الضريبية على الأثرياء وإعادة استثمار الأموال حيثما تكون هنالك حاجة لذلك. ويمكننا العمل على تقليص عدم المساواة في الفرص التعليمية. لكن هذا البحث الجديد يشير أيضا إلى مقاربة أبسط يمكن تجريبها. وهي حسبما يعتقد شيتي واحدة من النتائج الصارخة التي يمكن استمدادها من بيانات البحث . فالأطفال الذين يخالطون في أثناء نموهم نوعا معينا من الاختراع أو فئة محددة من المخترعين يرجح إلى حد بعيد أن يمضوا في ذلك الاتجاه. فإذا ترعرع هؤلاء الأطفال وسط حاملي براءات اختراع بعينهم سيجعل ذلك أحدهم، في الغالب، مخترعا في نفس مجال ذلك الاختراع. وعلى نحو مماثل ستصير الفتيات مخترعات إذا نشأن في مناطق بها عدد كبير من حاملات براءات الاختراع (مثل وسط نيوجيرزي وهو مركز لابتكارات التقنية الحيوية) أو هونولولو. لن تكون إعادة تأسيس مثل شبكات المخترعين الاجتماعية هذه والقدوات (التي يمكن التأسي بها) في أماكن أخرى ميسورة. لكن من المؤكد أنها تستحق المحاولة بالنظر إلى الرهانات المتعلقة بها. هنالك فرصة للمؤسسات الوقفية والجامعات والشركات لرعاية عباقرة (من طراز آينشتاين) وتحويلهم إلى مبتكرين واعدين. يقول كيس «نحن نُحسِنُ صُنعا بالتعرف على الأطفال الذين يجيدون قذف الكرة أو النفخ على آلة البوق . لكننا لسنا كذلك في تمييز الأطفال الذين لديهم استعداد لابتكار منتج أو خدمة أو اختراع غير عادي.» نحن نعاني كلنا بسبب هذا الفشل .