sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: في كل عـــام

27 ديسمبر 2017
27 ديسمبر 2017

شريفة بنت علي التوبية -

قبل كل شيء ورغم كل شيء ترى هل ما زال بالإمكان قول كل عام والجميع بخير، وقبل كل شيء هل قلوبكم بخير أيها الطيبون الأنقياء؟

ووسط كل هذه الأحداث في عالمنا النازف أحدثكم اليوم عن طقسي السنوي في نهاية كل عام، عن تلك التفاصيل الصغيرة التي أفعلها وأنا أختم عاما لأبدأ عاما جديدا، فوسط هذه الحماقة التي يعيشها العالم وكل هذا الخوف والرعب الذي يسكن قلوبنا، أطرق بوابة الذاكرة لأحتمي بها من وجع ما أنا فيه من ابتلاء البقاء على عالم ما عاد يشبهني ولست له وليس لي، لأعود لتلك اللحظات التي لم تمت في القلب رغم كل ما يموت في أعماقنا كل يوم، ففي نهاية كل عام أمارس لعبة الهروب من كل شيء اتجاها نحو نفسي وأبحث عن أقفال جديدة ملونة بلا حروف أو رموز، لا لأعلقها على جسر بأحد الأنهار في دولة أوروبية، بل لأحكم بها الإغلاق على تلك الأبواب التي يتسلل منها الخوف كل يوم إلى روحي، وأضع يدي على قلبي لأطمئن أنه ما زال نابضًا بالحب وقادرًا على العطاء دون أن يتشوه بالحقد والكره، لأولئك الذين أساؤوا وشوّهوا صورهم الجميلة في عيني، وفي كل عام ألوذ بعزلتي أكثر لأهرب بذاتي إلى ذاتي من جحيم هذا العالم.

من الأشياء الأخرى التي تكشفها لنا الأيام أن كل عام يتناقص عدد الأصدقاء ويرحل عدد من الأحبة، ونصبح أبعد عن أولئك الذين كنا نظنهم الأقرب إلينا من أنفسنا في يوم من الأيام، وتكبر الأيام في أعمارنا وتصغر الحكاية، حتى نعجز عن حكيها أو كتابتها، وتتلاشى تلك التفاصيل التي كانت تشغلنا وتتسع مساحة الفراغ في غياب من أحببنا حتى نكاد نضيع أو نغرق في دمعة حزن بلحظة اشتياق، وفي كل عام تتساقط الأقنعة كما تتساقط ذنوب التائب من ذنبه فيتناقص إيماننا بكل تلك الأشياء التي آمنا بها وصدقّناها، وتصغر تلك الأشياء التي كنا نراها كبيرة وتتقزّم، ويصبح البشر الذين منحناهم من التقدير والمكانة فوق ما يستحقون قد عادوا إلى أماكنهم المناسبة لأحجامهم الحقيقية، وفي كل عام نزداد يقينًا بأن الحياة غادرة مهما خدعتنا بفتنتها وجمالها، وأن الفُقد حكايتنا المرعبة التي لا نبوح بها، وأن القلق أصبح رفيقنا في عالم يسير بنا نحو الحزن والألم، لنحاول كل عام أن نهرب بـأنفسنا لنجرب لعبة النسيان كي ننسى ولا ننسى.