tahira
tahira
أعمدة

نبـض الــدار :التعليم والتطبيب وعود على بدء

25 ديسمبر 2017
25 ديسمبر 2017

د.طاهرة اللواتية -

[email protected] -

كان التعليم في الحضارة العربية الإسلامية يقوم على التدريس في الحلقات والحوزات العلمية التي تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين وقدرات وإمكانيات كل متعلم، وكان دور المعلم أن يبذل العلم لطلابه كل على حدة، فلكل طالب مسار دراسي وسرعة في الإنجاز؛ ولذا يتخرج الطالب بعد أن يكمل الدراسة حسب قدراته وإمكانياته، وهذه المرونة في التعليم أتاحت أفضل تعليم، وما تزال الحوزات العلمية الدينية تتبع هذه الطريقة لتخريج الفقهاء وعلماء الدين في العديد من الدول العربية والإسلامية.

وهذا ما اكتشفه العلم الحديث، فقد اكتشف أن هذه أنسب طريقة لبناء المناهج والتدريس والتقييم والتقويم وأفضلها وأكثرها توافقا مع المتعلمين وقدراتهم، ولم يعد للمدارس النظامية ذات المنهج الواحد والتقييم الواحد ذلك البريق، فقد أصبحت متهمة بأنها لا تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين، وأنها سبب التسرب والانقطاع والهدر التعليمي الكبير، فالبشر

ليسوا نسخا مكررة من بعضهم البعض.

وبدأت دول كالولايات المتحدة تتجه منذ الثمانينيات إلى التعليم الذي يراعي قدرات الطالب وإمكانياته من خلال تدريسه في منزله بشكل منفرد، وقد ازداد هذا النوع من الطلبة بشكل كبير جدا ولا يزال.

كان الطب إبان الحضارة العربية الإسلامية يتجه إلى التطبيب الذي يراعي الفرد وطبيعة جسده وتحمله الجسدي، فكانت الأمراض تشخص، ويوصف الدواء لكل مريض على حدة، وقد يكون المرض ظاهرا هو نفسه، ولكن تركيبة الدواء ونوعيته وجرعاته تتوقف على الاستعداد الجسدي لكل فرد، وأتى الطب الحديث واتجه إلى الدواء الواحد والجرعات الواحدة والنوعية الواحدة إذا كان المرض ظاهرا هو نفسه، دون الأخذ في البال الطبيعة الجسدية للفرد، وطبيعة أعراض المرض التي تختلف من شخص إلى آخر.

لكن مع انتشار تقنية التشخيص الطبي  بتطبيقات الهاتف الجوال، وتطور نظم التشخيص، فإن الطب يعود رويدا رويدا إلى تشخيص المرض ووصف الدواء المركب تركيبا خاصا لذلك الفرد، وسنشهد قريبا اختفاء الحبوب والأدوية التي تنتج بملايين الأطنان، ويتناولها جميع مرضى السكر مثلا بالجرعات والأسلوب نفسه سواء ناسبهم ذلك أم لم يناسبهم.

إنها قوة العلم والتجربة التي تثبت أن التنظير القديم لم يكن سيئا، بل بعض القديم الذي شاع كان الأفضل للإنسان.

وليس ببعيد أن نشهد التخلي عن المباني المدرسية المتشابهة والمكررة والمناهج المدرسية الواحدة، وأن نشهد انتهاء عصر إنتاج الأدوية بآلاف الأطنان وتوزيعها على العالم واحتكار أسرارها وأسعارها.