1198243
1198243
إشراقات

أهميــة الجـيـش فــي الإســـلام

21 ديسمبر 2017
21 ديسمبر 2017

أهمية تعلم الرماية والسباحة.. وغيرها -

د/‏ سعيد بن سليمان الوائلي -

كلية العلوم الشرعية - مسقط -

من منطلق اهتمام الدين الإسلامي بالمجال العسكري وما يخدم الأمة الإسلامية في ثباتها وإقامتها، وما يساعد الدولة في صد الاعتداء والعدوان عليها فتكون مدافعة عن ذاتها وكيانها، فقد أولى الإسلام عناية فائقة واهتماما بالغا بإنشاء القوة العسكرية لتقوم بدورها في ذلك، وكانت أهمية العسكر القائم بدوره في سلك الدفاع لا تخفى على أحد.

في هذا الإطار الواسع في مجاله، أتى الأمر بالنص القرآني بإعداد العدة وبناء القوة حسب الطاقة والاستطاعة حيث قال سبحانه وتعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)

وإذا ما قمنا بالبحث عن معاني القوة التي ذكرت في نص الآية الكريمة فإننا نجدها متعددة الجوانب والاتجاهات، لنا أن نتصور بعضها دون إغفال البعض الآخر. وانظروا إن شئتم إلى قوة الكلمة في قوله تعالى: (وأعدوا) بجانب كلمة (من قوة) ليتبين معنى التهيئة والإحضار المناسب لإرهاب العدو، ويدخل في عبارة: (ما استطعتم) كلّ ما يمكن تهيئته واتخاذه بحسب القدرة والاستطاعة في اتّخاذه من قوة في العدد وفي العُدّة المعنوية والعدة المادية المتمثلة في آليات القتال وما يستعان به في محاربة الأعداء.

وإذا ربطنا هذا النص بآية أخرى تبين لنا أثر القوة في الحياة الإنسانية في المجال العسكري، حيث حكى الله تعالى على لسان قوم ملكة سبأ جانب القوة والوصف بها فقال: (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)، وإظهارهم لهذه القوة في معنى العزة والهيبة لتحقيق الغلبة على غيرهم عند المقابلة والنزال.

وقد قال من قال من المفسرين: إن القوة تطلق مجازاً على شدّة تأثير شيء ذي أثر، وتطلق أيضاً على سبب شدّة التأثير، فقوة الجيش شدة وقعه على العدوّ، وقوته أيضاً سلاحه وعتاده. فلو نظرنا إلى المراد بالقوة في نص الآية القرآنية لوجدنا المعنى فيه سعة وشمولية لكل ما يمكن اتخاذه من القوى، بحيث لا يقتصر المعنى على القوة المؤثرة وآلة القوة في العصر القديم. بمعنى إن كان الخطاب موجها في أول الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه فيكون اتّخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة المناسبة في ذلك الزمان.. ولما يكون الخطاب قائما للمسلمين في كل زمان ومكان فتكون القوة متجددة في معناها بحسب ما يناسب وقت المكلفين بالأمر، فيكون من القوة في عصرنا: اتّخاذ الدبابات وإطلاق الرصاص بأنواعه، والقذف بالمدافع وغيرها والطائرات الحربية والصواريخ بأنواعها، وغير ذلك مما صار متنوعا في أساليب القتال الحديثة.

وإذا ما أردنا الوقوف عند بعض مقومات القوة وأنواعها، ليحسن أفراد الأمة الاستعداد بها في المواجهة، فلنا أن نحدد أصولها في ثلاثة أشياء، هي: الرماية، والسباحة، وركوب الخيل.

وقد جمعت هذه العناصر فيما روي من أثر عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل».. وبغض النظر عما قيل في صحة هذا الأثر، فإن الآية القرآنية داعية إلى إعداد القوة بكل ما يستطاع، ومن القوة هذه العناصر الثلاثة.

أما السباحة: فهي مبنية لقوة الجسد، حيث تبني جسد صاحبها في إعدادها للياقته الصحية من كل جانب، وقد أكد ذلك طرف من المتخصصين ببيان أن السباحة تجمع مجموعة من الرياضات لجسم الإنسان، وتحقق فوائد عديدة لصاحبها من كفاءة الدورة الدموية ورفع الروح المعنوية وغيرها..

لذلك من جعل هذه الرياضة ضمن ممارساته سوف يحقق جانبا من القوة التي يطلبها جسمه؛ ليتمكن بدوره من إعداد العدة بقوة أخرى يطلبها دينه ومجتمعه.

وأما الرماية فالكلام فيها يطول، حيث إن التصور الأولي لها يتوجه إلى رمي الرماح والسهام لتصيب مقتلا من العدو، وهذا يربطنا أولا بما أتى في الحديث النبوي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) على المنبر ثم قال: «ألاَ إنّ القوة الرمي» قالها ثلاثاً. أي أكمل أنواع القوة الرمي. ولكن الرمي في العصر الحديث يكون بحسب ما جاء به التطور والتكنولوجيا، من رمي بالرصاص والقذائف المتنوعة والصواريخ المختلفة والطائرات متعددة، كل ذلك بأشكال عديدة وأنواع متباينة.. فينبغي للأمة أن تعد ما تستطيع من قوة في مجال الإصابة بمختلف الأسلحة؛ لتكون لها قوة مهابة. ولا شك أن أفراد الجيش الذين يتمكنون من رياضة الرماية فيصيبون الهدف من قريب وبعيد، ويستطيعون التعامل مع مختلف الأسلحة التي تستخدم في مجال الرمي، وتكون لهم البنية الجسدية المناسبة للقيام بذلك.. سوف يحققون الهدف الذي ترمي إليه دولتهم من حسن إعداد لهذه القوة.

لكن ينبغي أن لا نغفل عن الجانب المعنوي في قوة الرمي وهو الذي أشار إليه النص القرآني في قوله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى) ليجعل المسلم أساس القوة الفعلية مرتبطا بالعون والتسديد من القوي العزيز.

ومن تلك العناصر: ركوب الخيل، وهي رياضة مهمة لإعداد القوة. والخيل من السلاح البالغ أثره، فالخيل في رباطها تشير إلى قوة في الاستعداد للمواجهة.. ولا شك أنه لا يراد بها مجردة عن قدرة صاحبها، ولذلك يكون في مقامها في العصر الحديث ما يقوم مقامها من قوة في استخدام آليات القتال من دبابات ومعدات أرضية وطائرات وصواريخ قتالية في مجال الجو، وأسلحة بحرية من سفن حربية وغواصات وغيرها، لتكون قوة الركوب للخيل مشيرة إلى قوة القتال في المدفعيات وسلاح الجو وسلاح البحرية، فيشمل بذلك القدرة في القوة من كل جوانبها.

وهذا بجانب القدرة على الفروسية الممكنة لقوة الفرد في ذاته، بما يهيئه ويعده لإرهاب العدو، فيمكن أن تستخدم الخيل في القتال حتى في العصر الحديث ولكن بآلية وهندسية قتالية مناسبة للتطور الحديث.

وبتكملة الآية القرآنية التي جعلناها أصلا في الموضوع، وهي: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) تبين أن تلك القوة الهدف منها إرهاب العدو وتخويفه حتى لا يغير ولا يعتدي على حقوق أصحاب القوة أو أولي القوة والمنعة، فلننظر بتأمل إلى ما جاء في قوله تعالى: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ).. ويكون الإرهاب للعدو بجعله راهباً، أي خائفاً، فإنّ العدوّ عندما يعلم باستعداد عدوّه لقتاله أوجس منه خيفة وتحققت في نفسه منه مهابة، ولن يتجرأ على الإغارة عليه، فكان ذلك هناء لأهل القوة المعدة وأصحاب الاستعداد المناسب والمتمكن، وأيضاً إذا رهبوهم تجنّبوا إعانة الأعداء من غيرهم عليهم، فيكون النصر حليفا وصاحبا لأهل القوة المهابة.

وهذه القوة المادية ينبغي أن تصاحبها المعاني الروحية، فإن الاستعانة بالله تعالى لا بد منها لتحقق القوة المرادة، ومن أجل ذلك أتت الآيات القرآنية مبينة أن القوة لله في أصلها ومبدئها، قال تعالى: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)، (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ)، ومما يعين على زيادة القوة بصفة عامة ما جاء في قوله تعالى على لسان نبي الله هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ).

وإن مما ينبغي الإشارة إليه أن هذه القوة من مكونات الشخصية لكل فرد بصورة خاصة، وتتضافر القوى لكل الأفراد في الجيش مكونة قوة كلية ملتحمة.

وعندما يهتم كل فرد بتحصيل القوى المختلفة عن طريق الرياضات مما ذكر عناصر منها، سوف يصقل جانبه ويهذب مهارته ويزكي قوته وينمي طاقته.. وإذا حدث ذلك فسيكون متأهلا للقيام بدوره المنوط به على أعلى مستوى.

ولما نتصور ذلك من كل فرد في الدولة، فسوف نعيش لحظات من التفكر في القوة الغالبة التي يطمح إليها كل غيور على دينه وعزيز في موطنه.

فأين الجهود المبذولة لتنشئة الأجيال على قوة الرماية، وتربيتهم على مبادئ القيادة وركوب الخيل، وتقوية أبدانهم بالسباحة وأنواع الرياضة؟!

نجد الاهتمام في تطبيق هذا الجانب في غير الجانب العسكري وعند غير القوى العسكرية في الجيش بأنواع أسلحته المختلفة اهتماما ضئيلا.

وإن كان كلامنا في هذا الموضع موجها إلى أفراد الجيش والعسكر على وجه الخصوص، لكن نجعله كذلك بصورة عامة، لأن من أبنائنا من يعد قوته في صباه ليلتحق بعسكر الجيش بعد ذلك في مرحلة شبابه وفتوته، فينبغي له أن يعد قوته التي تؤهله لمنصبه وموقفه في جيشه.

والأمل كبير بأن يكون التوجه لزيادة القوى بحسب القدرة في المجالات المختلفة لتتحقق للدولة قيادتها وللأمة ريادتها.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.