khalili
khalili
إشراقات

الخليلي: القرآن الكريم أهم مصادر اللغة.. ودراسة الشعر الجاهلي وكتابات أساطين أئمة العربية مراجع مهمة للدارسين

21 ديسمبر 2017
21 ديسمبر 2017

الفصل بين المضاف والمضاف إليه في النعت من غير الاضطرار من أهم الأخطاء الشائعة -

«أثرى - مدراء - تواجد - المطار - الثانوية - استجواب».. ألفاظ شاذة شاع استعمالها -

متابعة : سالم بن حمدان الحسيني -

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن هناك الكثير من الأخطاء الشائعة في اللغة العربية التي أصبحت الآن تدور على ألسن الكتّاب وتسطرها أقلامهم، حتى أصبح البعض منها من الصعب تداركه الآن لأنها شاعت شيوعا عجيبا حتى يمكن اعتبارها من الأشياء الشاذة.. وحث سماحته الدارسين في مجال الأدب أن يولوا اللغة العربية اهتمامهم وذلك بالرجوع إلى مصادر اللغة العربية وفي مقدمة ذلك القرآن الكريم الذي هو منارة في التعبير كما أنه منارة في التعبّد إلى جانب دراسة الشعر الجاهلي وتأمل الشواهد التي نقلها أئمة اللغة والرجوع إلى الكتابات العربية التي كتبها أساطين أئمة العربية.. جاء ذلك في محاضرة لسماحته تحت عنوان « أخطاء لغوية شائعة في اللغة العربية» وهنا الجزء الثاني والأخير من هذه المحاضرة القيمة :

«كتاب العين» و«شرح القاموس» و«لسان العرب» و«صحاح الجوهري» وكتاب ابن دريد .. أهم المراجع اللغوية -

يستكمل سماحة الشيخ الحديث فيقول: كذلك من الأخطاء الرسمية الشائعة، بل الرسمية والشعبية الفصل بين المضاف والمضاف إليه في النعت من غير الاضطرار.. كما يقول ابن مالك:

فصلَ مضافٍ شبهِ فعلٍ ما نصبْ

مفعولاً أو ظرفاً أجِزْ ، ولمْ يُعبْ

فصل يمين واضطرارا وجدا

بأجنبي أو بنعت أو ندا

فلا يكون الفصل بين المضاف والمضاف إليه إلا في حالات معينة وقد يكون هذا الفصل في الضرورة الشعرية، ومن الفصل بالنعت في الضرورة الشعرية البيت الذي ينسب الى معاوية:

نجوت وقد بلّ المرادي سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

حيث وسّط النعت الذي هو «شيخ الأباطح» بين المضاف والمضاف إليه، لكن لديه ضرورة شعرية، مضيفا: ان الناس الآن يقولون: أمين عام كذا، مدير عام كذا، مدير عام المؤسسة الفلانية، أمين عام المؤسسة الفلانية بدلا من أن يقولوا «الأمين العام للمؤسسة الفلانية»، والمدير العام للمؤسسة الفلانية يوسطون النعت وهم يقعون في ذلك في خطأين: الخطأ الأول هذا الفصل من غير اضطرار والخطأ الثاني هو أنهم يأتون بالنعت «منكّرا» مع أنه نعت لـ«معرّف بالإضافة إلى معرفة»، فكلمة عام هنا كلمة «منكّرة» والنعت يتبع منعوته كما قالوا في رفعه ونصبه وجره وتعريفه وتنكيره، لا يكون النعت مخالفا للمنعوت فهذه من الأمور الشائعة، من الأمور التي يتعلمها الإنسان من أول ما يتعلم العربية.

وأشار الى أن من الأخطاء الشائعة التي أصبحت الآن مع الأسف الشديد تدور على ألسن الكتّاب وتسطرها أقلامهم أنهم عندما يريدون العطف بـ «ثم» يأتون قبلها بـ«من» الجارة مع أن حرف الجر - بل مطلق الجر- لا يدخل على حرف إنما هو من اختصاص الاسم. ومن أبرز علامات الأسماء دخول الجر عليها سواء أكان الجر بالحرف الجار أو كان الجر بالإضافة ولكن الآن يقولون: «من ثُمَّ»، ومنهم من يقرأ: «من ثَمَّ» وكلا الأمرين خطأ. أفلا يقرأون القرآن؟ كيف لا يتدبرون القرآن؟ (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)، أما ينظرون العطف بـ «ثم» في القرآن؟ هل وجد هذا العطف مقرونا بـ«من» الجارة؟ وفي أي موضع من المواضع؟ فالحق سبحانه وتعالى يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ)، وقال سبحانه: (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا، فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا) فـ«ثم» نفسها حرف، والحرف الجار لا يدخل إلا على الاسم، فكيف تدخل الحرف الجار على حرف عطف؟ فلا يمكن أن يوجد هذا الحرف الجار مقرونا بـ «ثم» لأن «ثم» حرف والحرف لا يقترن بالجر، فإذن الجر من اختصاص الأسماء، فلا يمكن أن يوجد هذا الحرف الجار مقرونا بـ«ثم» لأن «ثم» حرف، والحرف لا يقترن بالجر، فالجر من اختصاص الأسماء، فعندما يقرأونها «ثَم» يجمعون خطأ الى خطأ لأن «ثَم» بمعنى «هناك» وليست هي بمعنى العطف، نعم هي اسم وقد تدخل عليها «من» في بعض المواضع لكن ليست في مقام العطف إنما العطف له حروف و«ثَم» ليست حرفا رأسا فضلا عن أن تكون حرف عطف، وإنما هي بمعنى «هناك»، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)، ويقول سبحانه: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، أي فهناك وجه الله، ويمكن أن تدخل «من» حرف الجار على «ثم» ليس في هذا المقام وإنما يكون ذلك عندما تكون «ثَم» في بداية الجملة بمثابة تعليل لجملة سابقة عليها، كما يقول إمامنا السالمي - رحمه الله:

ونحن الأولون لم يشرع لنا

نجل إباض مذهبا يحملنا

من ثم لا تلقى له في المذهب

مسألة يرسمها في الكتب

وأضاف: كذلك قد يستعملون كما ذكرت من قبل الفعل اللازم معدى على كره، ويعدونه كرها، ومن ذلك «أثرى» كما يقال: أثرى فلان المكتبة الإسلامية بكتبه، موضحا أن كلمة «اثرى» هذه خطأ كبير لأن «اثرى» فعل لازم وليس فعلا متعديا أي صار «ذا ثراء» ومقابل «اثرى» «اقتر» فـ«اثرى فلان» أي صار ثريا، و«اقتر فلان» أي صار «مقترا» أي صار غير ذي مال، فلو قال كلمة «اغنى» لكانت مستعملة في موضعها لأن الفعل «اغنى» هو فعل متعد، أما «اثرى» فهو فعل لازم بمعنى صار ذا ثراء، كما يقال «امشى» أي بمعنى صار ذا ماشية، و«أمال» بمعنى صار ذا مال. ومنه قول الشاعر كشاهد في «امشى»:

فان الموت يلحق كل حي

بلا شك، وان أمشى وعالا

أي وان كثرت ماشيته وكثرت عياله، وهذا الفعل الذي هو «عال» جاء بمعنى «كثرة العيال» ذكره ابن الأعرابي والكسائي وبعض أئمة اللغة الآخرين، والشائع ان يكون «أعال» بزيادة الهمزة ولكن جاء هنا «عال» بغير زيادة الهمزة، على انه مما ينبغي أن ندركه أن دخول الهمزة لا يلزم أن يكون بمعنى التعدية فهو يكون همزة ويكون لمعاني متعددة، بل أحيانا يكون التعدي بإزالة هذه الهمزة.. موضحا أن من الأخطاء الشائعة أيضا انهم يستعملون الهمزة أحيانا في موضع قد يكون دخولها يدل على عكس المدلول الذي يستعملون الفعل من أجله، فهم يقولون: هذا شيء «مُفضح» اخذا من «افضح يُفضح»، وليس ذلك بصحيح لأن النطق الصحيح «فَضح يَفضح» وأنا أظن ان «مُفضحا» قد يأتي من «افضح» بمعنى أزال الفضيحة عنه لأن الهمزة تستعمل للإزالة أحيانا، كما يقال «قذيت العين وأقذيتها» بمعنى ألقيت فيها القذى و«أقذيتها» بمعنى «أزلت منها القذى» و«أحمأت البئر» و«حمأتها» فحمأتها جعلت فيه الحمأ و«أحمأتها» أزلت منها الحمأ، فهذه الأخطاء تؤدي الى قلب المعاني رأسا على عقب.

وقال سماحته: كذلك نجدهم الآن يقولون: استضفت فلانا بمعنى أضَفْته وضَيَّفْته وهذا ليس بصحيح إنما النطق الصحيح: ضَيَّفْته أو أضَفْتهُ. كما يقول الله تعالى: (فأبوا أن يُضَيِّفُوهما) ففي هذه الآية قراءتان (فأبوا أن يُضَيِّفُوهما) و(فأبوا أن يُضيْفُوهما) وكلا اللفظين يدل على نفس المعنى.. أَضَاف يُضِيْفُ وضَيَّفَ يُضَيِّفُ، أما استضاف فهو الرجل الذي يطلب منك أن تضيفه هذا هو المستضيف لأن استفعل للطلب. لا يلزم أن يكون هذا الفعل للطلب يأتي لمعاني متعددة ولكن في هذا المقام إنما هو للطلب كاستعان بمعنى طلب المعونة واستنجد بمعنى طلب النجدة واستعار بمعنى طلب العاريّة واستغفر بمعنى طلب المغفرة وكذلك استضاف طلب أن يضاف.

فالذي ينزل عليك ويطلب أن يحلّ ضيفا عليك هو المستضيف وإنما أنت تُضِيْفُه أو تُضَيِّفه وعندما ينزل هو يكون قد ضاف. يقال: ضَافَ يَضيفُ. عندما ينزل هو يكون ضائفا وليس مستضيفا. أنت مُضِيْف وهو ضائف وإنما يكون مستضيفا عندما يطلب منك أن تنزله بذلك المكان ونحن نسمع الآن في المؤتمرات: ونشكر هذه الدولة على استضافتها لهذا المؤتمر أو استضافتها لهذه الندوة إلى آخر ما يقولونه.. كذلك نجدهم الأهم يقولون: «وقد علم ذلك مسبقا» فهم يظنون ان الفعل الذي هو «سبق يسبق» يعدّى بدخول الهمزة عليه فهم لا يعرفون أن الهمزة لا يلزم أن تكون في كل مكان للتعدية، فالفعل الذي هو «اسبق» لازم وليس بمتعد يقال «اسبق» القوم و«تسابقوا» بمعنى واحد، والصحيح: «وقد علم ذلك سابقا» لا داعي أن يقال «مسبقا»، ومن الأخطاء التي أدت ببعض الناس حسب ما سمعت من بعض علماء العصر إلى تصور بعيد عن الحقيقة أنهم لا يتصورون كلمة «زوج» إلا أنها بمعنى الرجل الذي يتزوج المرأة. لا يتصورون بأن المرأة نفسها «زوج» فهم يقولون في المرأة «زوجة» وهذا ليس بخطأ هي لغة وإن كانت ضعيفة لكن هي ليست اللغة الفصيحة وإنما - وكما يقول الإمام ابن عاشور- استعملها الفقهاء في مؤلفاتهم لأجل التمييز بين الرجل والمرأة في إعطاء كل واحد منهما الحكم الخاص به، و إلا فلغة القرآن «الزوج» يطلق على المرأة كما يطلق على الرجل كما يطلق على الرجل، يقول الله تعالى: (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة)، ويقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، وقد تكررت هذه الكلمة في القرآن الكريم في أكثر من موضع، مشيرا الى أن كلمة «زوجة» وردت شاذة في كلام الفرزدق عندما يقول:

وأن الذي يسعى ليفسد زوجتي

كساع إلى أسد الشرى يستبيدها

وقد روي ذلك في حديث عمار - رضي الله تعالى عنه - انه قال: «انا لنعلم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة»، فلا بأس استعمال كلمة «زوجة» بمعنى امرأة للتمييز بينها وبين الرجل، لكن لا على أساس تخطئة استعمال القرآن الكريم، فالذي سمعته من أحد العلماء أن بعض الناس يحتج بأن حواء خلقت قبل آدم استدلالا بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) وهو لا يعلم أن هذا من الاستعمال الشائع وهو مبني على لغة وإن كانت هذه اللغة ضعيفة لكن لا على أساس ان تحمّل معاني القرآن عليها، فمعاني القرآن بمشيئة الله تعالى ظاهرة بينة، فالله تبارك وتعالى يقول: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) ولذلك عندما يذكر أمهات المؤمنين لا يسميهن «زوجات النبي» وإنما يسميهن «أزواج النبي»، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ).. مشيرا سماحته الى انه مما وقع الناس فيه اليوم في التعبير كذلك انهم عندما يذكرون طلب وجود الناس في موضع معين يقولون: (يرجى تواجدهم) مع ان «التواجد» هو «التمايل» فعندما يقال: «تواجد الصوفية» أي يتمايل الإنسان ذات اليمين وذات الشمال من الطرب الذي يداخله، كذلك قولهم: «نرجو إخطارهم بهذا، فذلك خطأ، فلو قالوا: «إخبارهم أو إشعارهم» لكان ذلك معنى صحيح، كذاك هم يعاملون كثيرا الاسم المعتل معاملة الصحيح فيقولون مثلا: «مَصْيَدة» و«مَضْيَعَة للوقت» وهذا أيضا خطأ وإنما هي «مَصِيدة» كـ«مَكِيدة» «كاد يكيد مكيدة» و«صاد يصيد مصيدة» و«سار يسير مسيرة»، ومن الأخطاء التي سمعتها عندما كنت في قاعدة عسكرية وكان احد العسكريين يشرح لي بعض الأنشطة العسكرية التي تقوم بها القاعدة فيقول: «الأفعال العملياتية»، فالجمع لا ينسب إليه إلا عندما يكون بمثابة العَلَم كـ«الأنصار»، وإلا فالنسب الى المفرد، ولا يكون النسب الى الجمع، ثم نفس الاسم هو منسوب، والمنسوب لا يزاد نسبا لأنه منسوب الى عمل، فكيف يزاد نسبا آخر؟!، والنسب لا يكون الى المنسوب إلا بلفظه فالشافعي مثلا عندما ينسب إليه إنما يقال شافعي، يقال فلان الشافعي أي منسوب الى الإمام الشافعي مع أن الإمام الشافعي هو منسوب الى جده شافع فالمنسوب الى المنسوب لا يزاد شيئا، وإنما ينسب بحسب لفظ من نسب إليه، ومن الأخطاء الشائعة الآن كلمة «الحياتية» إدخال تاء التأنيث في النسب مع ان العرب عندما تنسب الى المؤنث تحذف تاء التأنيث لا تدخل تاء التأنيث في النسب فعندما ينسب الى مكة لا يقال: «مكتي» وإنما يقال: «مكي» وعندما ينسب الى المدينة لا يقال: «مدينتي» وإنما يقال: «المدني» وعندما ينسب الى البصرة لا يقال: «البصرتي» وإنما يقال «البصري» وهكذا عندما ينسب الى أي شيء فيه تاء تأنيث سواء كان بلدا أو كان جدا، لا تبقى تاء التأنيث، ولو كان الأمر كذلك فـ«حياة» على وزن «حماة» بالنسبة الى «حماة» يقال: «الحموي» ولا يقال: «الحماتي» وكذلك بالنسبة الى «حياة» يقال: «الحيوي» ولا يقال فيه: «الحياتي» فلا معنى لإدخال تاء التأنيث في هذا النسب، كذلك نسمع الناس كثيرا يقولون: «ينبغي عليه أن يفعل كذا» مع أن الفعل الذي هو «ينبغي» لا يتعدى بـ«على» وإنما يتعدى باللام وهذا صار أمرا شائعا حتى عند الكتاب المرموقين، وهم لو تأملوا تأملا يسيرا في القرآن الكريم لأدركوا انه تبارك وتعالى يقول: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ)، ويقول سبحانه: (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا)، ومن ذلك النسب الى «الثاني» «الثانوي» كما يقال: مدرسة ثانوية، الإتيان بزيادة الواو، لا ادري من أين جاءوا بهذه «الواو» مع أن النسب الى الاسم المنقوص يكون بحذف ياء المنقوص والاستغناء بياء النسب، ومن ذلك نسبة أبي علي القالي، فكلمة «القالي» نسبة الى «قالٍ» ولم يقولوا فيه «القالوي» فالثاني هو اسم منقوص كقاض لو نسب الى «قاض» لقيل «القاضي» لا يقال فيه: «القاضوي»، وقد زاد الناس الآن الطين بلة عندما ادخلوا هذه «الواو» على كثير من الكلمات المستعملة في النسب كقولهم بالنسبة الى «النهضة» «النهضوي»، والنسبة الى «الوحدة» «الوحدوي»، فالنهضة كالبصرة، هل يقال في المنسوب الى البصرة «البصروي».

وأضاف سماحته قائلا: ومن الأخطاء أيضا التي من الصعب تداركها الآن لأنها شاعت شيوعا عجيبا حتى يمكننا أن نعتبرها من الأشياء الشاذة ونسلم الأمر فيها: «المطار»، المطار هو مصدر ميمي، والمصدر الميمي مما كان على وزن (فَـعَـلَ يَـفْـعِـل) يأتي على وزن (مَـفْـعِـل).

فقد كان القياس أن يقال: (المطير) كالمسير لأنه من طار يطير. ولكن اصبح ذلك امرا شائعا عند الجميع في وقت هذا. كذلك سمعت الكثير يجمع «الوفاة» على «وفيات» وهذا خطأ بيّن فان «الوفاة» كـ«الفتاة» تجمع على «فتيات»، فـ«الوفيات» جمع «وفية»، كذلك من الأمور التي شاع استعمال الخطأ فيها أنهم عندما يضيفون غير إلى معرف ينقلون أداة التعريف من المضاف إليه إليها، فيقولون: «الغير بَالغين» ومنهم من يدخل أداة التعريف على المضاف والمضاف إليه كليهما. فيقول: «الغير البَالغين» وكل ذلك خطأ إنما هو «غير البالغين» والشاهد في سورة الفاتحة، وكلنا يقرأها في الصلاة لماذا لا نتدبرها؟ الله تبارك وتعالى قال فيها :(غير المغضوب عليهم)، ولم يقل: (الغير مغضوب عليهم) أو (الغير المغضوب عليهم)، وإنما قال: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) مع ان ذلك وصف لمعرفة ولكن مع ذلك جردت «غير» من «ال» فلا معنى إدخال «ال» عليها بل قالوا ان «غير» لا تدخل عليها «ال» التعريفية إلا عندما تكون مقطوعة عن الإضافة، عندما يقال: «مررت بالغير» من غير إضافة.

وأشار الخليلي الى أن كذلك كلمة «استجواب» كذلك هي من الخطأ بمكان فهي معنى لها في العربية لأن الكلمة تستعمل بمعنى المناقشة وطلب الجواب ولكن لو كان الأمر كذلك فان الفعل المعتل الذي يكون على وزن «استفعل» أو الذي يكون على «افعل» تبدل ياؤه ان كان معتلا بالواو أو ياؤه ان كان معتلا بالياء تستبدل «الفا» في الفعل الماضي وكذلك في المصدر مع إدخال تاء التأنيث في مصدريهما كـ«استعاذ يستعيذ استعاذة» فلا يقال: استعوذ يستعوذ استعواذا، و«استعار يستعير استعارة» و«استعان يستعين استعانة» و«استجار يستجير استجارة»، وكذلك «أعاد يعيد إعادة» و«أقام يقيم إقامة» لا يقال: «اعوذ يعوذ إعواذا» و«أقوم يُقوم إقواما»، ومن حيث تركيب الكلمة خطأ اللهم هناك كلمات شذت وجاءت على اصلها وهي لا يقاس عليها، وفي مقدمة هذه الكلمات: استحوذ يستحوذ استحواذا، فهي كلمات شاذة ليست لها نظائر، ومن حيث المعنى لو استعملنا هذا الاستعمال فان «استجاب» بمعنى أجاب فاذن لنعدل عن هذه الكلمة رأسا ولنستعمل بدلا منها كلمة «ناقش يناقش مناقشة» أو «استفسر يستفسر استفسارا» أو بما يدل على هذا المعنى فاللغة العربية لا تضيق بالاستعمال فلا داعي لاستعمال الخطأ بدلا من الاستعمال الصحيح.

واختتم حديثه قائلا: هناك الكثير الكثير من الأخطاء الشائعة في استعمال الناس لا يمكنني في هذه المحاضرة القصيرة أن أستحضرها حيث إنني لم أعد لهذه المحاضرة إعدادا كما ينبغي، ولكن الذي أقترحه على الدارسين في مجال الأدب أن يولوا هذا الجانب اهتمامهم وأن يعتنوا قبل كل شيء بتأمل التعبير القرآني فإن القرآن الكريم هو منارة في التعبير كما أنه منارة في التعبّد وينبغي لنا أن نقتفي أثر القرآن في التعبير. ثم بجانب ذلك لا بد من الرجوع إلى مصادر اللغة ، ولا بد من الرجوع إلى الشعر الجاهلي كالمعلقات السبع وغيرها وتأمل الشواهد التي نقلها أئمة اللغة والرجوع إلى الكتابات العربية التي كتبها أساطين أئمة العربية الذين اعتنوا عناية بالغة بهذه اللغة وتلقوها من مصادرها بحيث كان أحدهم يبحث عن الكلمة الواحدة فتخب به المطايا شهرا كاملا أو يبحث عن شاهد واحد في العربية ويسير هذا السير من أجل البحث عنه. وهناك كتب العربية بحمد الله فيها الكثير الكثير من الفوائد. هناك كتب اللغة هناك «كتاب العين» للإمام الخليل وكتاب ابن دريد والقاموس وشرح القاموس ولسان العرب وصحاح الجوهري وغيرها من الكتب التي تفيدنا فائدة كبيرة عندما نرجع إليها .