أعمدة

نوافـذ :رققوا قلوبكم بـ«الحـمــية»

15 ديسمبر 2017
15 ديسمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تصبح الـ «حمية» اليوم؛ أكثر من أي وقت مضى؛ مشروعا مزدوج التوجه والمعنى، ففي الوقت الذي يصبح عند البعض مشروعا صحيا؛ استشفائيا من كثير من الأمراض؛ يصبح عند آخرين مشروعا استثماريا يدر دخلا ماديا غير منكور عبر مشاريع متعددة، أقربها الأندية الصحية، أو صالات الـ «الحمية» كما يطلق عليها في أماكن أخرى، فعلى ما يبدو أن الناس قد «تورطوا» إن تجوز التسمية؛ اليوم بأجسامهم، فالكروش إن تعاظم حجمها؛ مثل البحار موجها لا يقهر، ويظن خطأ من يتوقع أن ينتصر على كرشه بعد أن يتقدم على قوامه الذي كان، وأصبح كومة متكورة أشبه ببالون منفوخ، مشكلا بذلك جسما عبر تعرجات وتموجات، تأخذ بالازدياد كلما مر عليها زمن، وتوسعت رقعت المعدة وأمعاؤها التي تضمها بين دفتيها.

هذا التكور المميز وسط الأجسام، وهو مزعج بالتأكيد، أصبح يشكل ظاهرة جسمانية عند أغلبية الناس، دون استثناء للنوع البشري (ذكرا كان أو أنثى) وأصبح الأمر مقلقا نفسيا، ومحرجا اجتماعيا، ومتعبا جسمانيا، وربما مرهقا ماديا، فكميات الطعام المطلوبة، لا شك أنها تتضاعف، لسد نهم هذه المعدة المتضخمة بأمعائها الغليظة والدقيقة، وفي المجتمعات التي يلبس أفرادها الخناجر؛ فالحالة لا تحتاج الى وصف أكثر.

لن نطيل شرحا في الأسباب التي أدت الى تكور الأجسام في أوساطها، بهذه الصورة، فهي معروفة وكلها تعود الى كثرة تناول الأطعمة الزائدة عن حاجة الجسم، وبإمكان الناس الذين يعانون من ذلك الحد منها من خلال الـ «حمية» والمواظبة على البرامج الرياضية الطبيعية، فحتى الصالات المنتشرة اليوم في كل حي؛ تقريبا؛ لا يحمد مرتادوها أثرها ودورها، وهناك الكثير ممن أغرتهم الدعاية الإعلانية، تراجعوا عنها الى حيث اتساع الطبيعة سواء عبر المشي والجري المنتظم، لأنهم لم يخرجوا بنتيجة مرضية، إلا من خلال برامج أخرى للتخسيس، ومنها ما يسمى بـ «الرجيم» وحتى هذا «الرجيم» كثيرا من الناس من أصيبوا من خلاله بأمراض أخرى ثانوية، بعد ما تداعى الجسم، وظهر ضمور تقسيمات الجسم؛ حتى غدت بعض الأجسام كأنها هياكل عظمية، فوقع البعض في أمراض أخرى غير متوقعة، وهناك من «تهرطل» جلده بعد الفراغ الذي تركته اللحوم التي كانت تملؤه.

يقال: «إن الحمية ترقرق القلب» ويقال: «إن التخمة تميت القلب» وما بين الحمية والتخمة ثمة مفارقة موضوعية في مسألة التعامل مع الطعام الذاهب كله الى المعدة، ويكفي دلالة الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» وكما روي عن الشافعي أيضا قوله: الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة» – حسب المصدر – خاصة اليوم في نظام الأكل ما يسمى بـ «البوفيه» حيث تعرض كل أصناف الأطعمة والحلويات، فيتهافت أغلب الناس على التهام ما مقدورهم التهامه في تلك اللحظة، فما يستهلك الجسم القليل جدا، وباقي الأطعمة تتحول الى شحوم وفضلات، ومع تراكم الممارسة الغذائية بهذه الطريقة تتضخم الأجسام، فلم تعد قادرة على حمل أوزنها.

أختم هنا بهذه المعلومة التي قرأتها عن العدس: «اشتهر العدس بأنه طعام الفقراء، ويقال عنه: «لحم الفقراء العدس» لكن من العيب أن تطعم ضيفك عدسا، وقد روي في التراث الإسلامي أن رجلا شكا الى نبي من الأنبياء قساوة القلب، فقال له: «عليك بالعدس فإنه يرق القلب، ويسرع الدمعة» ويحكى أن معاوية بن أبي سفيان كان مغرما بأكل العدس بنهم، وكان يأكل عدة أرطال منه يوميا ولا يشبع» – حسب المصدر -.