abdullah
abdullah
أعمدة

رماد: نصف الظِّل

06 ديسمبر 2017
06 ديسمبر 2017

عبدالله بن محمد المعمري -

[email protected] -

ضوء خافت، وستارة مفتوحة، وجدران مطلية باللون الأبيض، كل شيء في المكان هادئ، السكون وحده فقط من يحدث، وبين الحين والآخر يتحدث معه أنين ألم شارف على الانتهاء. أما لون الستارة وغطاء السرير ووسادته فكان أخصر قاتما، يريح ناظر العين، يشعرها بالشفاء بعد حُقن وريد لم تكن مؤلمة.

خلف ذلك الستار، وعلى مسرى نظري نحو الأرض، كان يظهر لي نصفُ ظل، يقف بلا حراك، التحديق فيه أنساني ما تبقى بي من ألم، أتحدث معه بلا صوت، في سريرتي فقط، ربما كنت بحاجة إلى رفيق يكسر ذلك الصمت القاتم الذي كان يلفني، حتى كدتُ أن أصرخ منه، تحدثتُ مع نصف الظل عن كل شيء يهوّن عليّ ما أنا به، ربما كان الحديث فضفضة عن كومة مشاعر مكبوتة، أو لربما عن ضغوطات العمل المتلاحقة، أو عن بعض تفاصيل حياة أحدهم سمعتها وفكرت بها لأتعلم منها شيئا من دروس الحياة.

ليس فقط الحديث مع نصف الظل ذاك هو ما كان يشغلني حينها، بل محاولة الكشف عن هوية صاحبه أو تحديد جنسه ذكرا أم أنثى، مع أن هذا الكشف او التحديد ليس له أهمية، بقدر أهمية الوقت الذي أشغله بالثرثرة عوضا عن الصمت، ونسيان ما تبقى من ألم، هي محاولة لشغل حيز من الذاكرة المكتظة بمشاهد تزيد الصمت شدّة، وحتى أتحرر من تلك الذاكرة، كان حديث النفس مع نصف الظل خير علاج.

انقضت ساعة تقريبا، ونصف الظل باقٍ في مكانه، لم يتحرك، زاد من الدهشة، وحرك الفكر بالتفكير، والانشغال بالتحري عنه بات أهم من معنى وجودي على هذا السرير، ومراقبة العلاج الوريدي الذي يمتد من يدي إلى مصدره، الذهول يرافق تلك الدهشة، حتى انكشف الستار، واكتمل الظل، لأرفع بصري لأعرف من يكون صاحبه، فما هو غير شماعة معلق عليها معطف طويل، الضوء في أعلاه جعل ظله يتكون على تلك الهيئة، فتبسمت، لتدخل من يُسمونها ملاك الرحمة، وتنهي وجودي في تلك الغرفة بنزع أنبوب العلاج الملتصق بوريدي، وأغادر المكان بسرور من ذلك الموقف الذي أشغل تفكيري وأنساني الألم.