مرايا

الحصري.. الشيخ الذي علم الملايين ترتيل القرآن

29 نوفمبر 2017
29 نوفمبر 2017

الشيخ محمود خليل الحصري واحد من أشهر قارئي القرآن وأحد أقطاب التلاوة والترتيل، ليس في مصر وحدها ولكن في العالم الإسلامي كله، شهد له الكثيرون بأنه أفضل من جود القرآن ورتله، فلم يكن مجرد قارئ أو صاحب صوت يهز الوجدان بل كان رجلا يعيش القرآن فيعيشه معه من يسمعه.

ولد الشيخ محمود خليل الحصري في غرة ذي الحجة سنة 1335هـ، وهو يوافق 17 من سبتمبر عام 1917م، بقرية شبرا النملة، مركز طنطا بمحافظة الغربية بمصر.

وبحسب ما جاء عن سيرته بموقع “قصة الإسلام” فقد حفظ الشيخ الحصري القرآن الكريم وسنه ثماني سنوات، ودرس بالأزهر، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن، وحصل على شهادة في القراءات العشر، تقدم الشيخ الحصري لامتحان الإذاعة ليقرأ في إذاعة القرآن الكريم المصرية سنة (1364هـ = 1944م) فكان ترتيبه الأول بين المتقدمين، وانطلق صوته عبر الأثير إلى المسلمين في كل مكان.

وفي عام 1957م عين مفتشًا للمقارئ المصرية، وفي عام 1959م رقي وكيلا لها، وبعد عام عين مراجعًا ومصححًا للمصاحف بالأزهر الشريف بلجنة القرآن والحديث بمجمع البحوث الإسلامية. وفي عام 1960م صدر قرار جمهوري باختيار الشيخ محمود خليل الحصري شيخًا لعموم المقارئ المصرية، وفي نفس الوقت اختارته وزارة الأوقاف مستشارًا فنيًا لشؤون القرآن الكريم. وفي حدود عام 1961م كان الشيخ الحصري أول من سجل المصحف المرتل كاملاً للإذاعة المصرية، وظل يصدح به وحيدًا لمدة عشر سنوات، ثم سجل القرآن برواية ورش عن نافع ثم قالون عن نافع ثم الدوري عن أبي عمرو ومازال الناس إلى يومنا هذا ينتفعون بذلك التراث العظيم والخير العميم.

قضى الشيخ محمود خليل الحصري جانبًا طويلاً من حياته متنقلاً بين بلدان العالم الإسلامي يسمعهم كلام الله تعالى ويشنف آذان المسلمين بسماع آيات الذكر الحكيم. والشيخ الحصري رحمه الله تعالى أول من رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي، وأذن لصلاة الظهر في مقر الأمم المتحدة، وقرأ القرآن بقاعة الملوك والرؤساء الكبرى بلندن أثناء زيارته لانجلترا. وأيضًا زار إندونيسيا والفلبين والصين والهند وسنغافورة وغيرها من بلدان العالم.

ومن عجيب ما حدث أنه أسلم على يديه عشرات من الناس في أنحاء العالم وكان لسماعهم القرآن منه الأثر الأكبر والسبب الأول في إسلامهم: ففي فرنسا أعلن الإسلام على يديه عشرة فرنسيين وذلك في زيارته لبلادهم سنة 1965م، وفي أمريكا قام بتلقين الشهادة لثمانية عشر شخصًا رجالا ونساء ليعلنوا إسلامهم على يديه رحمه الله. وكان للشيخ الحصري في شهر رمضان المعظم من كل عام رحلات للدول الإفريقية والعربية والآسيوية لقراءة القرآن.

وإلى جانب القراءة كان الشيخ الحصري يحاضر في كثير من الجامعات المصرية والعربية والإسلامية في علوم القرآن، فقد كان عالمًا ذا رسالة نبيلة بل هي أعظم رسالة في دنيا العلوم والمعارف لتعلقها بأفضل كلام وهو كلام الله عز وجل. وكان الشيخ أيضًا مراجعًا لكتاب الله سواء في الإذاعة مختبرًا للقراء الجدد أو مراجعًا لكتابة المصحف ضمن لجنة مراجعة المصاحف، كذلك ظل شيخًا لقراء العالم الإسلامي طيلة عشرين عامًا إضافة إلى كونه عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.

رغم أن الشيخ كان كثير الأسفار وأنه كان نادرًا ما يجلس مع أبنائه لكثرة انشغاله بالقرآن ورسالة تلاوته وقراءته وإعداد الكتب الخاصة؛ إلا إنه - رغم كل ذلك- كان يهتم بإعداد الأبناء وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة دينية أو بالأخص قرآنية؛ فقد كان يولي تحفيظ أبنائه القرآن عناية خاصة كما يحكي ذلك عنه أحد أبنائه فيقول: “لقد كان أبي أبًا حنونًا جدًا، وكان يهتم اهتمامًا شديدًا بحفظ القرآن، وقد استطعنا جميعًا حفظ القرآن كاملاً والحمد لله، وقد كان يعطي كل من حفظ سطرًا قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن؟ فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه. وقد كانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد دائمًا على حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضا الله علينا ثم رضا الوالدين فنكافأ بزيادة في المصروف وكانت النتيجة أن التزم كل أبنائه بالحفظ. وأذكر أنه في عام 1960م كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشاً وعشرة جنيهات عن كل جزء من القرآن نحفظه، وكان يتابع ذلك كثيرًا إلى أن حفظ كل أبنائه ذكورًا وإناثًا القرآن الكريم كاملاً والحمد لله”.

كان الشيخ محمود خليل الحصري قد بنى مجمعًا دينيًا يضم معهدًا أزهريًا ومسجدًا بقريته (شبرا النملة) وبنى مسجدًا بالقاهرة، وأوصى قبل وفاته بثلث أمواله لخدمة القرآن الكريم.

وكانت بداية المرض في عام 1980م عندما عاد من رحلة من السعودية مريضا (كما يحكي أحد أبنائه) وقد زاد عناء السفر وإجهاده من مرض القلب الذي كان يعاني منه، إلا أن المرض اشتد عليه بعد ثلاثة أيام من عودته ونصح الأطباء بضرورة نقله إلى معهد القلب، وقد تحسنت صحته بحمد الله فعاد إلى البيت مرة أخرى حتى ظننا أنه شفي تماما وظن هو كذلك، إلا أنه في يوم الاثنين الموافق 24 نوفمبر عام 1980م وبعد أن أدى صلاة العشاء مباشرة فاضت روحه إلى باريها، وأسلم النفس إلى خالقها بعد أن ملأ الدنيا قرآنا يتلى بصوته ويتعلم منه في أرجاء العالم أجمع إلى يوم الدين إن شاء الله.