أفكار وآراء

المشهد العربي والنموذج العماني !!

28 نوفمبر 2017
28 نوفمبر 2017

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

منذ عهد الاستقلال للدول العربية ومغادرة الاستعمار البريطاني والفرنسي بشكل خاص ونجاح حركات التحرير العربية وبداية الدولة القطرية كانت الآمال كبيرة في إيجاد منظومة عربية ذات تكامل اقتصادي واجتماعي ولا نقول وحدويا نظرا للفشل المبكر للوحدة بين مصر وسوريا في بداية عقد الستينات من القرن الماضي وكان المأمول ان تكون الجامعة العربية وهي المنظمة الاقليمية الاقدم في العالم ان تكون السياج الذي يحمي المصالح العربية ويخلق الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية في ظل المقومات وثروات طبيعية وبشرية فماذا حدث خلال النصف القرن الماضي؟

الصراع مع إسرائيل

كان التوجه العربي هو الصراع مع إسرائيل ومحاربتها حتى تتحقق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وتنسحب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1967 ولعل هذا الصراع الذي يجمع عليه العرب على الصعيدين الرسمي والشعبي حافزا للدول العربية ان تتحد وتشكل منظومة دفاعية وتكتلا اقتصاديا في إطار الدولة الوطنية وان يكون هناك اهتمام بالإنسان حتى يمكن مجابهة إسرائيل بشكل قوي وفرض هيبة العرب علي العالم فماذا حدث؟

لقد انشغل العرب للأسف بصراعات محلية أولا ومنافسة للظفر بالسلطة وهذا الأمر لا يزال متواصلا حتى اليوم في اكثر من بلد عربي . وثانيا تم اختزال القضية الفلسطينية من خلال مواقف الدول العربية من حركات التحرر الفلسطينية وكان آخر هذا المشهد الموقف من حركتي حماس وفتح وفقدت القضية الفلسطينية الكثير من خلال هذا الاحتراب العربي والمناكفة السياسية بين الانظمة العربية وبالتالي تم استدراج القضية الفلسطينية الى هذا التناقض العربي والحال ينطبق الى حد كبير على لبنان

فبعض الدول العربية تريد ان يكون لها النفوذ مما اوقع مشكلات بل وحروب ولعل الحرب الأهلية اللبنانية والتي استمرت اكثر من عقد(1975- 1989 ) هي نموذج صارخ على التناقضات العربية في لبنان

ولاشك ان الكيان الصهيوني استفاد كثيرا من هذا التبعثر في المواقف العربية والتي ازدادت سوءا بعد اندلاع الحروب في المنطقة واكثرها دموية بين العراق وايران والتي استمرت ثماني سنوات استنزف من خلالها البلدان الكثير من طاقاتهما البشرية والاقتصادية .

حروب المنطقة

وتوالت الحروب والمغامرات في المنطقة منذ عقد التسعينات وهي حروب الخليج بسبب اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت وبعد ذلك حرب تحرير الكويت والحرب ضد العراق واخيرا الغزو الامريكي للعراق واحتلالها عام 2003 والمشكلات والخراب الذي خلفه الغزو الامريكي للعراق وشعبه .

ان حروب المنطقة وصراعاتها والتي لاتزال متواصلة بعد ما سمي بالربيع العربي ونتائجه المدمرة في اكثر من بلد عربي طرح سؤالا محوريا حول المشهد العربي وغياب الحكمة السياسية التي أوجدت هذا المحيط العربي المفكك وأوجدت جامعة عربية ضعيفة ، ولم يعد لها الدور القومي الذي يلملم الوضع العربي المتدهور في ظل اشكالات وخطر التقسيم الذي يهدد اكثر من بلد عربي ويهدد الأمن القومي العربي وفي ظل بروز أزمة خليجية حادة لا تزال دون حل واقعي .

كل ذلك التخبط السياسي العربي اوجد فجوة بين الاجيال وضياع امال الملايين من الشباب واهدر طاقات كان يمكن ان تشكل النهضة العربية الحديثة وانتشر الإرهاب والطائفية وإقصاء الآخر وقنوات إعلامية تركز علي ثقافة الكراهية والتطرف ومن هنا فإن العالم العربي يعيش أوضاعا صعبة وأهدرت الطاقات ودخلت المنطقة في وضع كارثي حيث الحرب علي اليمن الشقيق وما أحدثته من دمار وانتشار الأمراض والمجاعة في أوساط الشعب اليمني الشقيق .

بل ان هناك مشكلات داخلية قد تعصف ببعض الانظمة العربية ومن هنا فإن حصيلة النصف قرن الماضية كانت كارثية على الأمة العربية رغم ان الانتصار على إسرائيل من قبل مصر وسوريا قد أوجد تضامنا عربيا نادرا كان بالإمكان البناء عليه والانطلاق نحو منظومة عربية قوية ولكن ذلك لم يحدث .

ان المشهد العربي الحالي يعد صعبا في ظل انقسامات وحروب اهلية وازمات خانقة وارتفاع بعض الاصوات للتطبيع مع الكيان الصهيوني والذي استغل هذا الانقسام والصراع العربي - العربي لصالحه ولعل الأمر المحير ان عبارات الامن القومي العربي والدفاع العربي المشترك والوحدة الاقتصادية العربية هي مصطلحات اختفت او تكاد من القاموس العربي

الاعلام العربي والدور السلبي

علاوة على فقدان الحكمة السياسية على الصعيد القيادي احيانا ، ومحاولة بعض الدول العربية للاستئثار بأدوار دون حسابات دقيقة والصراع حول هذه الادوار وضياع عشرات المليارات في تلك الصراعات الوهمية على النفوذ ، فإن الإعلام العربي كان عاملا سلبيا وخطيرا في تغذية الطائفية والفتنة علاوة علي دوره التحريضي للأسف ، ومن هنا شكل هذا الاعلام بؤرة انطلاق نحو تكريس تلك الصراعات وغاب الانضباط والمهنية من هذا القطاع المهم وهذا يقودنا الى اهمية المبادئ التي تقود الاعلام ، والتي لا بد ان تكرس المصداقية والمهنية والحرص علي تخفيض التوتر واطلاق مفاهيم التعاون والحوار بما ينسجم مع الدبلوماسية التي ينبغي ان تكون الملاذ الاوحد لحل أي خلاف عربي-عربي ومن هنا ساهم هذا الإعلام او بعضه على الأقل في تأجيج الصراعات والخلافات ولعل الأزمة الخليجية هي نموذج واضح في هذا الإطار .

ان دور الاعلام دور خطير ومن هنا فإن الحكمة تقتضي ان يوجه هذا الاعلام التقليدي او الرقمي نحو توجهات إيجابية تخدم المصالح الجماعية وتبرز الوجه الحضاري من خلال تبني الأفكار التي تساعد على توثيق الأخوة العربية - الاسلامية والدعوة الصادقة الى التكتل العربي ضد أعداء الأمة وعلى رأسهم الكيان الإسرائيلي .

لقد كرس الإعلامي العربي بصحفه وقنواته وإذاعاته ، الفرقة واشعل الصراعات من خلال منهجية غير صحيحة واحيانا غير أخلاقية، تخالف مواثيق الشرف الإعلامية والتي كانت السياج المهني الذي ينطلق منه زملاء المهنة نحو اعلام واع وصادق ، يقوم على اصلاح ذات البين ولكن من خلال المشهدين السياسي والاعلامي في الاعلام العربي فإن الصورة تبدو قاتمة وخطيرة ولها تأثيرها على الأجيال الجديدة ، وعلى استنهاض الهمم واكثر من ذلك زرع الكراهية والأحقاد للأسف في ظل الضبابية وغياب الحكمة والتروي في اتخاذ القرارات. ومن هنا فإن المشهد الحالي يدعو للسخرية من العالم تجاه العرب وما وصلوا اليه من انحدار في الخطاب الاعلامي اولا ومن الخصومة السياسية بين دولهم ثانيا .

النموذج المشرق

وفي ظل العوامل التي ادت الى هذه المرحلة الصعبة في العلاقات العربية والحروب التي سادت وهي غياب الحكمة يبرز النموذج العماني كنموذج مشرق على مدى خمسة عقود تقريبا وهي نفس الفترة الزمنية التي تحدثنا عنها مع ظهور الدول الوطنية في مرحلة ما بعد انسحاب الاستعمار البريطاني والفرنسي خاصة علي صعيد المنطقة ونحن هنا لا نتحيز للوطن بقدر ماهو حقيقة واقعة يلمسها الجميع . فالسلطنة ومن خلال قيادة حكيمة ابتعدت وبوعي عن تلك العوامل السلبية التي تحدثنا عنها وقدمت نموذجا في التعايش السلمي والتسامح والحوار والسلام للجميع مواطنين ومقيمين وانتهج جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - سياسة ثابتة لا حياد عنها وهي تحقق النجاحات الواضحة طوال 47 عاما منذ فجر النهضة المباركة ، ومن هنا فإن النموذج العماني هو نموذج واضح وناجح بارز للعيان في ملفات ومحطات عديدة عربية وإقليمية ودولية أيضا .

إذن هي المرتكزات والثوابت التي اختطها جلالة القائد - حفظه الله ورعاه - حيث تعيش السلطنة حالة فريدة من التعايش والسلم الاجتماعي وعلاقات واسعة مع دول وشعوب الارض ، مما يجعل هذا النموذج جديرا بالمتابعة والتحليل والدراسة وسط هذا الهيجان السياسي والإعلامي الذي يلف العالم العربي شرقه وغربه . إنها الحكمة التي جاءت منسجمة مع التوجه العماني الذي رسم منهجا موضوعيا ومتزنا للعلاقات الدولية وايضا من خلال سياسة اعلامية موضوعية، ومن هنا تأتي النتائج منسجمة مع الثوابت الوطنية .

ان النموذج العماني هو نموذج مشرق وكل المؤشرات الدولية تتحدث عن ذلك في اطار السلام والحوار وثقافة اساسها التاريخ والحضارة العمانية الضاربة في جذور التاريخ ، ومن هنا فان النموذج العماني استمد قيمه من الماضي العريق والحاضر المشرق ، وهاهي قيادتنا الحكيمة تقود الوطن في ظل آفاق الوحدة الوطنية التي تحققت منذ بزوغ النهضة العمانيه الحديثة حيث الرؤية السديدة لجلالة السلطان المعظم الذي رسم هذا النموذج الفريد والذي اصبح واقعا ملموسا يحتذي .

ان الأمة العربية بحاجة ماسة الى تغيير المفاهيم والمرتكزات بعيدا عن لغة الصراع والكراهية، وعلى الاعلام العربي ان يراجع توجهاته السلبية وان يغير من مساراته التي تضر بمصالح الامة، فالاختلاف بين الاشقاء هو امر وارد كما يحدث في الغرب والشرق ، ولكن ينبغي للإعلام ان يكون رسول سلام وحكمة ويطفئ النيران لا ان يشعلها .