الملف السياسي

استراتيجية موحدة لوضع أولويات الاحتياجات الاجتماعية

27 نوفمبر 2017
27 نوفمبر 2017

الطيب الصادق -

,, بالنظر للفوائد المكتسبة جراء تطبيق الشركات المسؤولية الاجتماعية في سلطنة عمان نجد أن المجتمع هو الرابح الأكبر لأن هذه الشركات ستعمل على زيادة نسب التكافل الاجتماعي وتحقيق الاستقرار المجتمعي,,

أفرزت التغيرات العالمية توجها جديدا للشركات والمؤسسات المالية والاقتصادية من خلال المساهمة في حل المشكلات المجتمعية والبيئية وتطبيق مفاهيم المسؤولية الاجتماعية التي تتبلور حول العمل التطوعي الذي تقوم به شركات الأعمال الحكومي منها أو الخاص تجاه المجتمع ككل وليس موظفيها فقط للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية وبشكل مستديم، ولذلك أصبحت المسؤولية الاجتماعية أهم الأهداف التي تتبناها الشركات حاليا رغم ان هدفها الرئيسي الربحية ودر عائد مرتفع لأصحابها لكن من غير المقبول أن يكون تحقيق الربحية على حساب المبادئ والقيم الأخلاقية وعدم الالتزام بمبادئ المسؤولية الاجتماعية أو المساهمة في التأثير الإيجابي علي المجتمع الذي ينعكس بدوره على حياة المواطنين واستقرارهم الاجتماعي وهو ما جعل الشركات خاصة في منطقة الشرق الأوسط أن تتبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكله الشامل خصوصا بعد الإعلان عن الميثاق العالمي للأمم المتحدة في عام 2000 الخاص بهذا الموضوع الذي ساهم في زيادة وعي الشركات بأهمية المسؤولية الاجتماعية حتي أصبح تطبيق مبادئها من أهم الأدوار التي تقوم بها ليس شركات القطاع الخاص فقط بل الشركات الحكومية والشركات غير الهادفة للربح مما أدى إلى توسيع نطاق المؤسسات الملتزمة بتنفيذ المسؤولية الاجتماعية في أعمالها.

الشركات في سلطنة عمان لم تكن بمنأى عن ملاحقة ما يحدث من تطورات واتجاهات نحو تطبيق مبادئ المسؤولية الاجتماعية على المستوى العالمي بل سارعت للحاق بالركب ولتؤكد أنها ليست بمعزل عن الاهتمام بالمجتمع وتنبهت إلى ضرورة التركيز على هموم المجتمع والبيئة معا بجانب أنشطتها الإنتاجية ووضعت في اعتبارها أن تعمل تحت أضلاع التنمية المستدامة الثلاثة: وهي النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والحفاظ علي البيئة وحمايتها، ولذلك لعبت الشركات الرئيسية دورا كبيرا في مسؤولية المجتمع وتقديم الدعم المباشر وغير المباشر سواءً للعاملين فيها أو لأبناء المجتمع المحلي باعتبار أن هذا النوع من التواصل له مردود إيجابي على مستوى المؤسسات .

وهو ما عكسته العديد من المؤتمرات والمنتديات التي أكدت على ضرورة ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية داخل الشركات وتطبيق أفضل الممارسات وإيجاد الشراكة الحقيقية بين القطاعات الإنتاجية والمجتمع مما يدعم التنمية المستدامة وتحقيق الرخاء الاقتصادي وهو ما كان له أثر واضح في تبني العديد من الشركات العاملة في السلطنة مبادئ ومفاهيم المسؤولية الاجتماعية بل أيضا سعت هذه المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة إلي ابتكار وإطلاق مبادرات جديدة في هذا الإطار مما يساهم في تنمية المجتمع العماني لتصبح المسؤولية الاجتماعية من المسؤوليات الأساسية لهذه الشركات لتعزز دعم المجتمع في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والشبابية وغيرها وجاء ذلك من خلال الخبرات المتراكمة التي اكتسبتها الشركات على مدار السنوات الماضية في مجال المسؤولية الاجتماعية سواء من التجارب العالمية في دول أخري أو من خلال الاحتكاك بسوق العمل و مساهماتها المختلفة مما صقل مهارات العالمين في هذا المجال.

وبالنظر للفوائد المكتسبة جراء تطبيق الشركات المسؤولية الاجتماعية في سلطنة عمان نجد أن المجتمع هو الرابح الأكبر لأن هذه الشركات ستعمل على زيادة نسب التكافل الاجتماعي وتحقيق الاستقرار المجتمعي نتيجة لتوفر نوع من العدالة الاجتماعية وسيادة مبدأ تكافؤ الفرص فالمسؤولية الاجتماعية تعمل على الارتقاء بالتنمية انطلاقاً من زيادة التثقيف أو الوعي الاجتماعي على مستوى الأفراد أو من خلال تحسين حياة المجتمع سواء ماديا عبر الدعم المالي الذي تقدمه الشركات أو من خلال جودة الخدمات والسلع المقدمة، كما أن ذلك له أهمية كبيرة علي الشركات نفسها لأن الشركة التي تلتزم بتطبيق مبادئ المسؤولية الاجتماعية تكتسب سمعة طيبة وصورة جيدة عند الزبائن قبل العاملين فيها، وهو ما يجعل هذه الشركات جاذبة للزبائن وبالتالي تحقيق مزيد من الربحية وأيضا يعزز قدرتها على جذب رأس المال والشركاء التجاريين وتجد مجالاً واسعاً في سوق المنافسة العالمية..

كذلك فإن تطبيق الشركات للمسؤولية الاجتماعية يزيد من كفاءة العاملين فيها والحفاظ عليهم ويعمل علي جذب موظفين جدد من ذوي الكفاءات العالية ويؤدي ذلك إلى خفض تكاليف التوظيف والتدريب، كما أن الشركات التي تشارك في الجهود المبذولة لتحسين البيئة والمساهمة المجتمعية تحصل علي العديد من الامتيازات الحكومية كتخفيض نسب من الضرائب أو غيرها، كما ان الدولة تستفيد أيضا من قيام الشركات بتطبيق المسؤولية الاجتماعية حيث يتم تخفيف الأعباء التي تتحملها ويجعلها تقوم بتقديم مهامها وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها مما ينعكس في النهاية بشكل إيجابي علي الموطنين، كذلك يقلل الضغط علي الموازنة العامة للدولة لأنه يساهم في زيادة الإيرادات من ناحية وتخفيض الإنفاق من ناحية أخرى وإيجاد فرص عمل، وأن دعم المسؤولية الاجتماعية يجعلها تتفرغ لاستغلال الموارد الطبيعية ووعي الشركات بضرورة المساهمة العادلة في تحمل التكاليف والأعباء الاجتماعية باعتبارها شريكا أساسيا معها.

رغم أن الشركات في سلطنة عمان ملتزمة بمسؤولياتها وعملياتها الأخلاقية، وتواصل تقديم المبادرات الاجتماعية المختلفة سواء كان ذلك من خلال التعاون مع الجمعيات المحلية أو المنظمات المختلفة لكن هناك العديد من التحديات التي تواجه عملية المسؤولية الاجتماعية بشكل عام، فلكي تساهم في تعزيز التنمية المستدامة يجب ألا تقف المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات عند التبرعات التي تقدمها للمشاريع والبرامج التنموية والخيرية فقط.

فثمة مجالات أخرى للعمل يجب أن تلتزم بها المؤسسات لتعود بالفائدة على المجتمع وتوسيع مفهوم المسؤولية الاجتماعية إلى بُعد أكبر من العمل الخيري وتبنّي خطة استراتيجية لتفعيل علاقة أفضل بين برامج المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بهدف تحقيق تكامل أفضل لصالح التنمية البشرية، وهو ما أوصت به العديد من المؤتمرات التي طالبت بضرورة مراعاة خصوصية المجتمع العماني ومؤسساته المختلفة واحتياجاته من الدعم المقدم في هذا المجال بحيث لا يتعارض مع التوجه العالمي في هذا الجانب المهم، كما أكدت على ضرورة التفاعل والتواصل المستمر بين أطراف المسؤولية الاجتماعية كالجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني، وفتح خط للتواصل بين المؤسسات الداعمة والمؤسسات المتلقية للدعم عن طريق تقارير مرجعية تقدم من الجهات المستفيدة تبين أوجه الاستفادة من ذلك الدعم ومعرفة المجالات التي تحتاج إليه لكي يتم الوصول إلى الأهداف الحقيقية ومراعاة جميع المقاصد المرتبطة بمفهوم المسؤولية الاجتماعية.

كما يجب العمل على تشجيع الشركات لتأسيس مؤسسات «ريادة أعمال اجتماعية» تستثمر أرباحها لتقديم خدمات ومنتجات يحتاجها المجتمع، كما يجب علي المؤسسات البحثية القيام بدراسات علمية خاصة بتحقيق المسؤولية الاجتماعية في الشركات بشكل دوري وعقد مقارنات بين العديد من الشركات العاملة في البلاد ومدى تطبيقها لمفهوم المسؤولية الاجتماعية بشكله الكامل ورصد التجارب التي اكتسبتها تلك الشركات من تطبيق أفضل الممارسات والكشف عن المميزات التي حصلت عليها الشركات جراء تطبيق المسؤولية الاجتماعية.

ويجب التأكيد على أهمية إنشاء هيئة محددة تختص بوضع استراتيجية ورؤية موحدة للمسؤولية الاجتماعية لوضع الأولويات للاحتياجات الاجتماعية تصب فيها كل مخصصات الشركات الحكومية والخاصة التي تعمل بمفردها وفق رؤيتها الخاصة، ورغم وجود العديد من الإدارات العاملة في هذا الشأن ولكنها تفتقر إلى التنسيق فيما بينها، لكن هذه الاستراتيجية الموحدة تساهم في وضع الأولويات للاحتياجات الاجتماعية والتي تصب بشكل منظم في خدمة المجتمع ككل ويستفيد منه الجميع سواء الدولة أو الشركات أو أفراد المجتمع.