أفكار وآراء

الطفولة .. المهد الأول لبناء المجتمعات

26 نوفمبر 2017
26 نوفمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

نشرت صحيفة عمان يوم امس الأول السبت خبرا من العاصمة الصينية بكين نقلته وكالة الأنباء الفرنسية جاء فيه ان (الشرطة الصينية فتحت تحقيقا في حضانة خاصة في بكين بعد ورود شكاوى عن وجود آثار لوخزات إبر على أجسام أطفال فيها، وتجمع أهالي الأطفال أمام مبنى الحضانة «آر آي بي إدوكايشن نيو وورلد» احتجاجا على ما جرى لأطفالهم ومطالبين بكشف حقيقة الأمر، بحسب ما أظهرت مشاهد بثها التلفزيون الحكومي).

تأتي مثل هذه الأخبار وغيرها؛ وهي الأخبار المتعلقة كلها بالطفولة، بفلذات الأكباد، كما يوصفون، بصورة شبه يومية، ومن كثير من دول العالم، وهي بلا شك تربك شيئا من هدوئنا، وتماسكنا الاجتماعي الذي نكون عليه؛ وتضيء إشارة حمراء ساطعة محذرة من التفريط في العلاقة القائمة بين هذه الفئات الصغيرة جدا، والفئات الأعلى منها سنا، ذلك أن مستوى القلق على هذه الفئة يفوق كل مستويات القلق على أي فئة أخرى قادرة - ربما - على تجاوز مظان الإخفاقات التي تتعرض لها من الفئات الأكبر منها، نظرا للمساحة العريضة والعميقة للاهتمام الذي نبديه ونقتطعها لهم من جملة اهتماماتنا لأشياء كثيرة في حياتنا اليومية، وهذا حقهم علينا، ليس فقط لأنهم امتداد لنا كجنس بشري يجب أن يبقى ويستمر فقط، ولكن لأنهم؛ أيضا؛ أسس لمجتمعات قادمة ويجب أن يكونوا رجالات زمانهم، و أعمدة أمكنتهم وحيواتهم القادمة لأهمية الدور الذي ينتظرهم للمساهمة في هذه الحياة، ولذلك يحرص الأفراد على تأسيس أعمدة صلبة وقوية من أطفال اليوم الذين هم رجالات الغد، ويبذلون الغالي والنفيس لتحقيق هذه الغاية عبر وسائل كثيرة: من خلال تجذير القيم السلوكية، والمعرفية، والتدريب والتأهيل، وفوق ذلك المحافظة الدقيقة على مخزونهم النفسي والعقلي، حتى ينشأون أفرادا صالحين لأوطانهم التي يعيشون فيها؛ ويعمرونها، ولأمتهم التي يعتزون بالانتماء إليها؛ حيث هويتهم الجامعة.

يدرك الجميع أن العقد النفسية التي يتعرض لها الأطفال، وهي الناتجة من مجموعة الممارسات التي يقوم بها الكبار تجاه هؤلاء الأطفال، هي من أهم معاول الهدم في اتجاه حقن السلوك الإيجابي للأطفال، ولذلك يأتي الحرص هنا أكثر بالنأي بهذه الفئة عن الوقوع في هذا المأزق، وهو وقوع له مسببات كثيرة، وأقربها أثرا هو ما يتعرض له الطفل من تربية قاسية في محيط الأسرة، وهذه القسوة لا تكون فقط في المعاملة الجافة من قبل ولي الأمر، أي كان مسماه (أب، أم، أخ، أخت، عم، عمه، خال، خالة) فكل هؤلاء وغيرهم من أبناء المجتمع المحيط بهذا الطفل الذي يستقي منهم مبادئ تربية الأولى لهم الفضل، او لهم خيبات الأمل في نتائج السلوك التي سوف تخرج من هذه التربية لهذا الطفل او ذاك فيما بعد، عندما ينتقل هذا الطفل من توظيف سلوكه من خارج البيت الى محيط المجتمع الكبير، حيث يصطدم بسلوكيات كثيرة، لا أول لها، ولا آخر، من قبل هذا الامتداد العريض من البشر، وهنا ترتبك التربية أكثر من أي وقت آخر، أو أي مكان آخر، حيث يختلط «الحابل بالنابل» كما يقال، وبالتالي، وفي سط هذا الزخم المتنوع من البشر، فإما أن يكون هذا الفرد، الذي كان طفلا، فردا سويا لا يعاني أية عقد نفسية تعرضه لهزات كثيرة، وتكبو خطواته في انطلاقاته العديدة، وإما أن يكون فردا متعثرا، غير متأقلم، ينزوي بعيدا عن الآخر، حيث يفقد المجتمع فردا كان يعول عليه الكثير من الآمال، وبالتالي متى نما هذا النوع من أبناء المجتمع نموا عدديا، تعرض المجتمع، في المقابل، لخطوات اكثر خطورة، وتأخر البناء فيه، وعد مجتمعا متخلفا، او متأخرا، وإن استطاع المجتمع تجاوز هذه الصورة المخلة في حق الطفولة، كان له فضل السبق في كثير من مجالات الحياة، ولكن من المعايشة العامة، نجد كل المجتمعات الإنسانية؛ بلا استثناء؛ تعيش مأزق الإساءة الى الأطفال في صور كثيرة، وفي المقابل تسعى هذه المجتمعات الى التقليل من آثار هذه الإساءات عبر منطلقات كثيرة، وفق ضروريات كل مجتمع على حدة.

تقتضي الضرورة هنا الوقوف عند نقاط ثلاث؛ أراها على درجة كبيرة من الأهمية في تعزيز هذه المناقشة، فإما الأولى؛ فهي دراسة قامت بها وزارة التنمية الاجتماعية في السلطنة عن جنوح الأحداث، وقد نشرت نتائجها في أواخر سنة 2015م، والتي أكدت على: «أن نسبة جنوح الأحداث لدى الذكور فقد بلغت (78%) والإناث (22%) بواقع (86%) من عينة البحث يقعون في الفئة العمرية من (13-18) سنة، وقد أوضحت نتائج الدراسة أن غالبية أفراد العينة من أسر ذات مجتمع اقتصادي متواضع ، حيث تركزت معظم جرائم الاحداث في جريمة السرقة فقد بلغت نسبتهم (60.9%) إضافة الى سوء المعاملة في المنزل والتفرقة في المعاملة بين الأبناء، وفقدان لغة الحوار، وأن الحدث فاقد للعاطفة الأبوية، وفاقد للتوجيه والإرشاد» - حسب النص - المنشور في جريدة عمان، أغسطس 2015م – طبعا والدراسة أوصت بالكثير مما يجب القيام به سواء من قبل الأسر، او أبناء المجتمع، او الجهات المعنية بصورة مباشرة: كوسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها من المؤسسات الرسمية ذات العلاقة.

اما النقطة الثانية، وبها مؤشر أكثر تأثيرا ، ويبعث على القلق فعلا، وهو ما نشرته الصحف المحلية في شهر يناير من هذا العام 2017م، وهنا اقتطف جزءا يسيرا من هذا المنشور؛ الذي نص على: «أكدت مؤشرات صادرة من دائرة الحماية الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية أن عدد حالات الأطفال المعرضين للإساءة التي تعاملت معهم لجان حماية الطفل بالسلطنة بلغت (299) حالة في العام 2016م، ما نسبته (53%) من الذكور، وما نسبته (47%) من الإناث، وأن ما نسبته (43%) منهم يمثلون فئة الأطفال من عمر (5) سنوات فأقل، حيث تنوعت هذه الإساءة بين الإهمال، والإساءة الجسدية، وغيرها ، الى جانب الإساءة النفسية، مما استدعى الوزارة الى فتح خط «حماية الطفل» لتلقي البلاغات على مدار (24) ساعة على الرقم (1100) للاتصال به عند تعرض الأطفال للعنف والإساءة، وذلك لتسجيلها ورصدها، للمساهمة في حماية الطفل من جميع أنواع العنف والإساءة» - انتهى النص -. وتشير النقطة الثالثة الى تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016م الذي حمل عنوان: «الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير» والصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/‏‏ المكتب الإقليمي للدول العربية، حيث جاء في مقدمة التقرير النص التالي: «يدعو - أي التقرير- الدول العربية الى الاستثمار في شبابها، وتمكينهم من الانخراط في عمليات التنمية، كأولوية حاسمة وملحة في حد ذاتها، وشرط أساسي لتحقيق تقدم ملموس ومستدام في التنمية والاستقرار للمنطقة بأسرها» ويشير التقرير الى:«أن ما يقارب ثلث سكان المنطقة هم من الشباب في أعمار (15-29) سنة، وهناك ثلث آخر يقل عمرهم عن (15) عاما، وهو ما يضمن استمرار هذا؛ الزخم السكاني؛ الى العقدين القادمين على أقل تقدير، ويوفر فرصة تاريخية يتحتم على البلدان العربية اغتنامها» - انتهى النص -.

أتصور أن الجميع يدرك أن ما يحدو بمؤسسات معنية ان تذهب هذا المذهب من الاهتمام بهذه الفئة؛ من حيث إجراء الدراسات، وتخصيص خطوط ساخنة لتلقي بلاغات الإساءة الى الأطفال، كما هو الحال لدى وزارة التنمية الاجتماعية في السلطنة، والى إجراء تقرير شامل يستقصي مسارات هذه الفئة في أعمارها المختلفة، ويجند له عشرات الباحثين والمهتمين من مختلف الدولة العربية - مثالا - كما هو تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016م، إنما هو الخوف على هذه الفئة من أبناء المجتمع، بغض النظر عن الانتماء الجغرافي لهذا المجتمع، بخلاف الأمثلة المذكورة، لأن قضية الطفولة قضية عالمية، والحرص على الاهتمام بها حرص عالمي، وهناك اتفاقية حقوق الطفل الموقعة عليها معظم دول العالم، بما فيها السلطنة، والمهم هنا أكثر هو مجموعة السلوكيات التي يقوم بها أو يؤمن بها أبناء المجتمع تجاه هذه الفئة من أبنائه، فهذه هي المعول عليها أكثر في وجود طفولة آمنة مستقرة تنعم بالكثير من الأمان، ومن النمو السليم، وبخلاف ذلك؛ يقينا؛ ستظل تداعياته خطيرة، وسينتج المجتمع أفرادا مشوهين وغير قادرين على التعاطي مع أبناء المجتمعات الأخرى، وعن القيام بالأدوار الموكولة إليهم، مع الإيمان اليوم أن جل الأسر في المجتمعات تعي هذه المسألة وتحرص على أن تظل طفولتها في مأمن من كثير مما قد يشوه هذه الأنفس، وذلك بفعل نمو الوعي المعرفي، وإن بقيت بعض الخانات المظلمة في هذه العلاقة، فإن مثل هذا الاهتمام العالمي سوف يقلص من تأثيراتها المباشرة على نفوس هؤلاء الأطفال.