1166606
1166606
مرايا

أنا وأبي المسن وجلالة السلطان قابوس

22 نوفمبر 2017
22 نوفمبر 2017

في ديسمبر 2013 وصلتني دعوة كريمة من وزارة التراث والثقافة العمانية، للمشاركة كأستاذ معقب على العروض في فعاليات «المهرجان المسرحي العماني الخامس»، الذي أقيم في محافظة البريمي، وهي مدينة تقع على الحدود الإماراتية وتبعد بحوالي 400 كلم عن العاصمة مسقط. هذا المهرجان «متنقل» حيث يقام كل سنتين في مدينة عمانية، وهذه الاستراتيجية أعطت ثمارها للحركة المسرحية العمانية، لأنها توسع الدائرة الجغرافية للتعريف والاهتمام بالفنون المسرحية.

كان هذا المهرجان فرصة رائعة للتواصل مع المسرحيين العمانيين، وكنت قد تعرفت على الكثير منهم بحكم مشاركتي المستمرة في المهرجانات المسرحية العربية، خاصة مهرجان أيام الشارقة المسرحية بدولة الإمارات العربية، كان هذا المهرجان أيضا فرصة للتعرف على هذا الشعب الطيب والمثقف.

أذكر أنه بعد العرض المسرحي الافتتاحي، وخلال المناقشة تدخل أحد المسرحيين الشباب، وهو الكاتب والمخرج الشاب عبدالله البطاشي، محتجا على توظيف إحدى الشخصيات المسنة توظيفا كاريكاتوريا وغروتسكيا، وقال البطاشي: ان الشيخ «الشايب العماني» هو شخص سوي له مكانته الاجتماعية وليس موجود بالصورة المهتزة التي وردت في العرض، وهذه إهانة، وأعلن احتجاجي بشدة على هذا التوظيف المنافي للواقع».

قلت للصديق الدكتور أحسن المنيعي الذي كان بجانبي: «أعتقد أن ما ذهب إليه هذا المتدخل هو مجرد استعراض أمام ضيوف المهرجان العرب، ووطنية زائدة» وطويت الصفحة.

بعد ثلاثة أيام دعتنا إدارة المهرجان- في تقليد جميل- لتناول الغداء، حيث كنا نتلقى دعوة كل مرة من أحد الوجهاء لتكريم الضيوف بطريقة مختلفة، وتكون هذه الدعوة بمثابة سياحة وفرصة لمعرفة تقاليد الشعب العماني.

هذه المرة كانت الدعوة من طرف سعادة الدكتور سعيد بن خميس الكعبي رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك، في مزرعته التي تقع على مسافة غير بعيدة من البريمي. كان الاستقبال رائعا جدا من طرف الأستاذ سعيد وعائلته وبعض أعيان المدينة وسكان المنطقة، وقد لفت انتباهي وجود ثلاثة شيوخ أجلاء في مقدمة المستقبلين، وقلت في نفسي ربما هم من شيوخ القبائل أو من مشايخ التصوف.

كانت جلسة حميمية رائعة رفقة مضيفنا الدكتور سعيد بن خميس الكعبي، وسعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل وزارة التراث والثقافة للشؤون الثقافية رئيس اللجنة المنظمة للمهرجان، والصديق الرائع الدكتور عبدالكريم جواد مدير المهرجان والمستشار بمكتب وزير التراث والثقافة، والممثلة المصرية الكبيرة فردوس عبدالحميد، والنجم التلفزيوني السوري جمال سليمان.

سألت الأستاذ الكعبي عن هوية هؤلاء الشيوخ الأجلاء الذين كانوا في مقدمة مستقبلينا، فقال: «هم شيوخ المنطقة، ونحن نعتز بوجودهم، وهم مصدر افتخار لنا..»، وأضاف سعادة الشيخ حمد بن هلال المعمري معلقا: «ان الشيخ في السلطنة له مكانته الخاصة جدا ويتمتع بحظوة اجتماعية كبيرة من كل فئات المجتمع، لأنه كتاب تاريخ وحكمة ودليل المنطقة، ولو دخل أي شيخ الى مجلس صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم، فإن السلطان سيقف له تقديرا واحتراما ..».

وهنا أعدت شريط تدخل الشاب المسرحي العماني «الثائر» واكتشفت أن تدخله الناري لم يكن استعراضيا، بل هو جوهر الحقيقة وجدير بكل تقدير.

اكتب هذا الاعتراف وأنا والأسرة نحتفل بعيد ميلاد أبي (المولود 26 افريل 1915) وهو يدخل عامه الثالث بعد المائة (103)، تساءلت: لم فقدنا الاهتمام بهذه الفئة النادرة ؟

سنوات برفقة أبي تعلمت الكثير والكثير، تعلمت أن في الجزائر إبداع كبير هو «بيوت العجزة»، وهي مجرد مكان يشعر فيه الإنسان المسن بالكثير من الضجر، بحيث تسكنه الرغبة في الرحيل الى الضفة الأخرى في أقرب وقت، انه سجن مفتوح الأبواب يأوي مجموعة من العجزة الذين تخلت عنهم أسرهم ولفظهم المجتمع.

لا أحد من السياسيين والمسؤولين المهتمين بشؤون الأسرة والتضامن طرح في برنامجه إعادة الاعتبار لهذه الفئة المهمة، اين مكانة هؤلاء في السلم الاجتماعي؟، أغلبيتهم موجودون في زوايا معتمة ومعزولة، خاصة بعدما تفككت الأسر الكبيرة، لم يعد احد ينتبه إليهم إلا في مناسبات قليلة جدا، أو خلال فترات المرض، حيث تأخذ الزيارة طابع المجاملات لا غير، وتطوى الصفحة بعد رحليهم مباشرة.

لذا تمنيت أن يكون أبي مواطنا عمانيا، كي يقف له جلالة السلطان قابوس احتراما.

بقلم- عبدالناصر خلاف- الجزائر[email protected]