الملف السياسي

تصاعد دور القطاع الخاص .. وتدفق الاستثمارات الأجنبية

20 نوفمبر 2017
20 نوفمبر 2017

د.أحمد سيد أحمد -

,, يعد الثامن عشر من نوفمبر من كل عام محطة جديدة في محطات قطار النهضة والازدهار والتنمية العمانية الشاملة، ليمثل مناسبة لإعادة مراجعة ما تم إنجازه والاستعداد لقطع محطات جديدة أكثر ازدهارا وتقدما,,

ولذلك يمثل العيد الوطني السابع والأربعين المجيد علامة فارقة في محطات النهضة والتنمية العمانية والتي قطعت أشواطا ضخمة تعكسها الأرقام والطفرات والإنجازات على كافة الأصعدة والمسارات في إطار تحقيق الغاية الأسمى وهي الارتقاء بسلطنة عمان، ووضعها في ضمن الدول المتقدمة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، والارتقاء بالمواطن العماني في كافة المجالات. النموذج العماني الرائد في التنمية تقف وراءه العديد من العوامل ومقومات النجاح أبرزها:

أولا: التلاحم بين القيادة والشعب، فجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه - قطع العهد على نفسه من أول يوم لتوليه المسؤولية على الارتقاء والنهوض بالدولة العمانية وعبر المشاركة المجتمعية ودور المواطن العماني الذي أكد مرارا أنه الغاية من التنمية وأداتها في الوقت ذاته، ولذلك تأتي كل قراراته ومراسيمه السامية في إطار تحقيق النهوض بالمواطن العماني، وهو ما يجعل عمان، على خلاف الدول الأخرى، تشهد حالة فريدة من التلاحم والمشاركة بين القيادة والشعب، يضاف إليها الإرادة السياسية الحقيقية للقيادة في العمل على توظيف كل الموارد الطبيعية والبشرية من أجل أن تتبوأ عمان مكانتها بين الأمم.

ثانيا: تتسم سياسة جلالة السلطان قابوس المعظم - أعزه الله - بالحكمة في اتخاذ القرارات والحزم في المحاسبة ومعالجة أوجه التقصير وإحداث المراجعة الدورية لإزالة أي عقبات أو تحديات تواجه عملية التنمية أو الأداء الحكومي ودوره في استهداف الارتقاء بالمواطن، كما تتسم فلسفة جلالته بأهمية تعظيم دور المواطن في المشاركة وصنع القرار، ولذلك جاء مراسيمه السامية بإنشاء مجلس عمان (مجلس الدولة ومجلس الشورى) ليكون معبرا عن نبض المواطن ومتطلباته وطموحاته في إطار من التناغم والتكامل مع السلطة التنفيذية لإصدار التشريعات والقوانين التي تعزز خطط التنمية والنهوض بالخدمات المقدمة للمواطنين.

ثالثا: تتسم عملية التنمية والنهضة العمانية الحديثة بالتخطيط على أسس علمية ومنهجية ووفق جداول زمنية محددة وفى إطار تراكمي، بحيث إن كل خطة تبنى على ما سبقتها، وهو ما تعكسه خطط التنمية الخمسية التي تتشهد عمان ومنها الخطة الخمسية التاسعة الحالية (2016-2020 ) في إطار رؤية أشمل واستراتيجية أوسع تتمثل في رؤية 2040 التي يبدأ تطبيقها مع خطة التنمية العاشرة، كما تتسم عملية التنمية بالمسارات المتكاملة، أي النهوض بكافة المجالات بشكل متزامن ومتكامل، فعملية التنمية تستهدف تنويع مصادر الدخل القومى وتقليل الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي، ولذلك اتجهت السلطنة إلى التوسع في المصادر غير النفطية خاصة في الصناعة والزراعة والسياحة والثروة السمكية، والتوسع في المشروعات العملاقة كما في صلالة وصحار والدقم وغيرها من الفرص الواعدة التي تحمل أفاقا أوسع أمام الاقتصاد العماني والتوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومشروعات ريادة الأعمال وغيرها.

رابعا: تساهم السياسة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - والدبلوماسية العمانية في إنجاز النهضة والازدهار العماني في مختلف المجالات، فالسياسة العمانية تقوم على تعظيم مبادئ الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي في احترام سيادة الدول الأخرى وعدم التدخل في شؤونها وإعلاء قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والحضارات والأديان وبين الشعوب وبعضها البعض ومواجهة كل أشكال الإرهاب والتعصب، وترتكز على حل المشكلات والصراعات بطريقة سلمية ونبذ الوسائل العسكرية التي تقود الدول والبشرية إلى الهلاك وتعيق التنمية وتزيد من تفاقم المعاناة الإنسانية وتؤدى إلى تدمير الدول، ولذلك حظيت عمان بالمصداقية والعلاقات الممتازة مع كافة الدول ومع كل أطراف الأزمات لارتكاز وساطتها ودورها على الحيادية والموضوعية والانحياز للسلام والتنمية.

وتساهم السياسة العمانية الحكيمة والعلاقات القوية بين جلالة السلطان قابوس المعظم وكافة قيادات العالم في تعظيم الدور العماني على الساحتين الإقليمية والدولية، وأصبحت مرجعا يلجأ إليه الجميع وقت الأزمات والصراعات ، كما تساهم تلك العلاقة في دعم عملية التنمية بالداخل . ونجحت عمان بما تتمتع به من استقرار سياسي وأمني واجتماعي وتسامح ومجالات واعدة في الاقتصاد في جذب الاستثمارات الأجنبية ومقصد الزائرين وتدفق السائحين إليها. ولا شك أن التنمية والتقدم عملية متواصلة ولا نهاية لها وما زالت هناك طموحات عديدة وأحلام كبيرة لدى القيادة والشعب العماني في مواصلة مسيرة التقدم والازدهار والتنمية ومواكبة كل متغيرات العصر الحديث والأخذ بكل الوسائل والآليات والعزم في مواجهة التحديات، وتحقيق المزيد من الإنجازات على كافة الأصعدة، وتتمثل الآفاق الرحبة أمام النهضة العمانية في العديد من المجالات:

أولها: ترشيد الإنفاق للتغلب على العجز في الموازنة العامة خاصة مع استمرار تراجع أسعار النفط، وزيادة الموارد لتمويل المشروعات الجديدة خاصة في المناطق الحرة في صلالة وصحار والتي تحتاج إلى بعض الوقت لجني ثمار تلك المشروعات، والتوسع في القطاعات التي تحقق عوائد مالية سريعة مثل السياحة والقطاع الزراعي والثروة السمكية. ثانيها: استكمال مشروعات وأهداف خطة التنمية التاسعة الحالية فيما يتعلق بالتوسع في الصناعات المتوسطة والصغيرة ومشروعات ريادة الأعمال، وكذلك المشروعات في قطاعات الثروة السمكية والسياحة، والتوسع في المشروعات القائمة على اقتصاد المعرفة خاصة في ظل المهارات العالية التي يمتع بها المواطن العماني نتيجة للاستثمار الكبير من جانب الدولة في قطاع التعليم وخاصة في إنشاء جامعات جديدة أو التوسع في التخصصات العملية المرتبطة بسوق العمل.

ثالثها: إنجاز المراحل المتبقية في منطقة الدقم الاقتصادية الخاصة بإقامة مطار وميناء والعديد من المشروعات العملاقة المحلية والعالمية، وهذا يتطلب القيام بحملات ترويجية ودعائية عمانية في الخارج للتعريف بتلك الفرص والإمكانيات الواعدة وبناء شراكات اقتصادية مع الشركات الكبرى في العالم، كذلك الاستفادة من تجارب وخبرات النماذج التنموية في دول شرق وجنوب آسيا والتي تتشابه اقتصادياتها مع الاقتصاد العماني.

ثالثها: التوسع في سياسات التعمين وإحلال الأيدي العاملة الوطنية محلا الأيدي العاملة الوافدة، وذلك عبر استكمال منظومة تطوير مهارات الأيدي العاملة العمانية، والتوسع في نسبة توظيف العمانيين لدى القطاع الخاص والمشروعات الجديدة، وعدم استقدام أيد عاملة وافدة من الخارج إلا في أضيق الظروف ولتلبية التخصصات النادرة التي يفتقدها السوق العماني، مع التوسع في البعثات الدراسية العمانية إلى الخارج وإرسال الأيدي العاملة العمانية للتدريب في الدول المتقدمة لاكتساب المهارات اللازمة لمواكبة التطورات الكبيرة في المشروعات خاصة القائمة على اقتصاد المعرفة.

رابعها: استكمال مشروعات البنية الأساسية سواء في الطرق الداخلية التي تربط كل مناطق السلطنة وتوفر بيئة أساسية للاستثمار والمشروعات الجديدة، كذلك الانتهاء من مشروع القطار الذي يربط دول مجلس التعاون بعضها ببعض، وبدأ في مطلع عام 2013، ويتضمن المشروع تسيير قطارات للمسافرين وقطارات للشحن ونقل البضائع، والذي يساهم بعد تشغيله في السنوات القادمة في ربط مختلف الموانئ العمانية وهو ما يجعل السلطنة بوابة ومركزا إقليميا للنقل .

يرتبط به أيضا مشروع الحزام والطريق الذي تنفذه الصين وتقع السلطنة في نطاقه مما يجعلها بوابة للنقل البري والبحري عالميا.

خامسها: على المستوى السياسي، هناك آفاق رحبة للتحرك والازدهار العماني سواء على المستوى الداخلي من خلال الدور الكبير الذي يقوم به مجلس عمان في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة فاعلية المجالس المحلية في التعبير عن مشكلات وهموم المواطنين والتواصل مع السلطة التشريعية حتى تراعى المشروعات الجديدة والخدمات المقدمة، احتياجات المواطنين المستقبلية. وعلى المستوى الخارجي تفعيل الخطط الترويج لمناخ الاستقرار السياسي والأمني في عمان لجذب الاستثمارات وتوظيف مكانة عمان الإقليمية والدولية في تعظيم التعاون الاقتصادي مع كافة دول العالم ومع التكتلات الاقتصادية الكبرى، كذلك الإسهام العماني في حل مشكلات المنطقة خاصة الأزمة السورية ومواجهة الإرهاب بعد هزيمة واندحار تنظيم داعش الإرهابي.

وبالتالي يمثل الاحتفال بالعيد الوطني السابع والأربعين فرصة مهمة لإعادة مراجعة ما تم إنجازه ومعالجة التحديات والعقبات التي تطرأ بين الحين والآخر، واختراق مجالات وآفاق جديدة واعدة للاستثمار وبناء الشراكات الاقتصادية مع العالم الخارجي، لتصب في النهاية في استمرارية وتراكم النهضة والتقدم والازدهار في عمان وعلى كافة المستويات.