تقارير

تطوير التعليم في الصين

17 نوفمبر 2017
17 نوفمبر 2017

لينورا شُوْوُ - نيويورك تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

المقاربة الصينية التقليدية للتعليم عتيقة. فاستبداد المعلمين (في حجرة الدرس) لا يشجع على طرح الأسئلة. والتأكيد على الاختبارات القياسية يجعل التلاميذ ينشغلون بالدروس بدل الاستكشاف. والتعامل معهم كمجموعة (وليس كأفراد) يعزز الامتثال. أيضا، تمنح هذه السياسة التعليمية الأولوية للمكافآت الخارجية بدلا عن حب التعلم. (يقصد الكاتب بذلك أنها بدلا عن الاهتمام بتحريك الحافز الداخلي للتلميذ أو تنشيط رغبته الذاتية للتعلم تركز على الحافز الخارجي كالمكافأة بالمال أو درجات التقييم أو الجوائز أو حتى المكافأة السلبية كتهديده بالعقاب- المترجم.) كما يتسبب الضغط الأكاديمي في أعباء نفسية لا لزوم لها. لكن القيادة الصينية عازمة على تحسين النظام التعليمي. وكان وانغ فينغ وهو أحد المسؤولين بمركز البحث الوطني التابع لوزارة التعليم قد قال لي في عام 2015 «يجب ألا يبقى أي شيء دون تغيير حين يتعلق الأمر بإصلاح مؤسساتنا التعليمية.» لقد بدأت سياسة الحكومة بفضل تعاون الإداريين والمعلمين في تحقيق نتائج إيجابية. تتمحور حجرة الدرس في الصين عادة حول المعلم حيث يجلس التلاميذ في صفوف ويكون أفضلهم أداء في الصف الأمامي. أما المناهج الدراسية فتركز في السنوات الأولى على الرياضيات واللغة الصينية. ويتوقع من التلميذ اكتساب القدرة التامة على القراءة والكتابة (وتعني حفظ 3500 شكل كتابي أو حرف) في المدرسة الوسطى. أما في السنوات اللاحقة فيقضي التلاميذ ثماني ساعات في اليوم بالمدرسة بالإضافة إلى ساعات أخرى بعد نهاية الدوام في أداء الواجب المدرسي أو مراجعة الدروس استعدادا للاختبارات. (يقضي التلاميذ الأمريكيون عموما وقتا أقل بحوالي 90 دقيقة في المدرسة كل يوم وعدد أقل بثماني ساعات أسبوعيا في أداء الواجب المدرسي مقارنة بالتلاميذ في منطقة شانغهاي مثلا.) والنظام التعليمي الصيني تنافسي جدا. فمن بين 9 ملايين طالب يجلس للامتحان الوطني الذي يؤهل للمرحلة الجامعية يفشل حوالي مليونين إلى ثلاثة ملايين منهم في دخول الجامعة. ويمكن أن يؤدي التركيز على اجتياز الاختبارات إلى القضاء على الاهتمامات الطبيعية للطالب ومنعه من فرص الاستكشاف المعرفي والإبداع. ولكن خطة الإصلاح التعليمي العشرية التي طرحت في العام 2010 أعلنت أن على المدارس إيجاد بيئة ممتازة للتفكير المستقل.» لقد بدأت الحكومة في السماح لبعض المدارس بفرض ما يصل إلى 20% من منهجها الدراسي،حسبما يقول يانغ شياوي، الأستاذ بإحدى الجامعات الصينية. واختار بعض مديري المدارس استحداث فصول إبداع ترتكز على العلوم والرياضيات أو مشروعات تعلم تجريبي (مؤسس على التجربة) في حين فضَّل أحد الإداريين ببساطة إنهاء الدراسة في وقت مبكر يوما واحدا في الأسبوع لتشجيع التلاميذ على «استكشاف الأشياء.» يقول داي شونغ وهو مدرس في بيجينج أن على الطلاب «تطوير شخصياتهم.» وهو بذلك أفصح عن شيء كان «غير مفكر فيه» أو لم يكن يخطر على البال قبل عشرين عاما في بلد يرتكز التعلم فيه على الحفظ. وفيما كان داي يقودني عبر ردهات مدرسة العيد الوطني في بيجينج لاحظت ممارسات بدت أمريكية أكثر منها صينية.

فنتائج التلاميذ لا يعلقونها على الجدران. ويترك التلاميذ الكتب في المدرسة بدلا عن حملها إلى البيت لمراجعة دروسهم. وتم خفض أعداد التلاميذ في الفصل إلى 25 تلميذا كحد أقصى. كما يجري الإعلان عن نادٍ للصحة العقلية كوسيلة للتنفيس عن الضغط الأكاديمي. وتوجد أيضا قائمة بالخيارات. فالطلاب يمكنهم الانتقاء من بين أنشطة اختيارية مثل السباحة وتسلق الصخور ولعبة الطبق الطائر. يقول داي «لقد وجدنا أن التدريس الصيني التسلطي التقليدي له آثار سيئة عديدة. إنه ينحرف عن جوهر التعليم الذي يجب أن يخدم شخصية الفرد. فمعلمونا الآن مثل الأصدقاء.» حقا هذا تحول جذري لمدرسة كانت في الماضي لا توفر لتلاميذها ماء دافئا للاستحمام لأن الماء البارد يقوِّي «الإرادة والقدرة على التحمل.» كما يخفف الإصلاحيون أيضا من قيود امتحان الدخول للجامعات. فبعض الطلاب في شنغهاي ستكون لديهم فرصتان في الامتحان فيما بدأت الجامعات النظر في تضمين أنشطة التطوع التي يقوم بها الطلاب والمقابلات والاختبارات المنتظمة في المدرسة الثانوية كجزء من عملية القبول. فالنظام الصيني، على الرغم من كل علاته، به بعض المنافع التي يميل نقاده إلى التهوين من شأنها. فهو يمنح أساسا مبكرا للمعرفة يساهم في إعداد الطفل لتحقيق نجاحات لاحقة طوال حياته. ويقول علماء الإدراك إن التعلم الحقيقي لا يحدث ما لم تنطبع المعرفة في ذاكرة المدة الطويلة. فبمجرد أن يختزن الأطفال المعلومات الأساسية يمكنهم تفريغ الذاكرة النشطة للتفكير بعمق ولكي يكونوا مبدعين. كما يحقق النظام التعليمي نجاحات. ففي اختبار حل المشكلات لعام 2012 الذي ترعاه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أحرز طلاب في شنغهاي المركز السادس. (شنغهاي منطقة تجريبية لاختبار فعالية الإصلاحات التعليمية.) هذه النتيجة أعلى كثيرا من المتوسط في بلدان المنظمة. ومن الممكن أن ينجح الصينيون ذوو المهارات العالية في البيئات التي تشجع على الأصالة والريادة. فحين يهاجر مثل هؤلاء الصينيين المهرة تكون النتائج التي يحققونها مثيرة للإعجاب. والمهاجرون من أصول صينية يؤسسون شركات ناشئة في وادي السليكون ويؤمنون لأنفسهم براءات اختراع أمريكية بمعدل مدهش. كما أن الصين من بين البلدان القائدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وصناعة الطائرات الآلية وتسديد الفواتير والمدفوعات الأخرى عن طريق الهاتف الجوال. لقد أنتج قطاع الشركات الناشئة في الصين في هذا العام عددا من شركات «اليونيكورن» التقنية مساويا لنظيراتها في الولايات المتحدة ويفوق مثيلاتها في أوروبا. (اليونيكورن اسم لحيوان خرافي له قرن وحيد. وتلقب به الشركات الناشئة التي تفوق قيمتها بليون دولار– المترجم.) ولكن ثمة عوائق كبيرة في طريق الإصلاح. فنزعة التسلط المتجذرة بعمق وضغط الامتحانات يضعفان إرادة الفرد على نحو ما تفعل أجندة الحزب السياسية التي تتزايد وطأتها في حجرات الدرس. فكيف يمكن لقيادة الصين تطوير مهارات التفكير النقدي فيما هي تدفع قُدُمَا بالتلقين السياسي (في المدارس.) إلى ذلك، يقتصر التغيير إلى حد كبير على تلك المدارس الصينية الحضرية التي تملك الإرادة أو النفوذ للتجريب أو يتم اختيارها خصيصا لذلك. هذا في حين أن الطلاب الريفيين غالبا ما يتعثرون في نظام يؤبِّد عدم المساواة. وفي الأثناء، لاتزال الأسر التي لديها قدرات مادية تفضل التعليم الثانوي والجامعي في الخارج.