1165604
1165604
إشراقات

الفقهاء مطالبون بتهيئة المعايير الإسلامية العالمية الموحدة فيما يتعلق بالأغذية

16 نوفمبر 2017
16 نوفمبر 2017

الفقه الإسلامي تجديد الحياة أم تبرير الواقع «4» -

مساعد المفتي: كنوز فقهية إسلامية في عالم «التنمية المستدامة» لا يسوغ للمسلمين التأخر عن تقديمها للعالم -    متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

أوضح فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أن هناك كنوزا فقهية مما نعرفه اليوم بعالم التنمية المستدامة من الفقه الإسلامي لا يسوغ للمسلمين أن يتأخروا عن تقديمها للعالم في قضايا التعليم والبيئة ومواجهة الفقر والأمية ومواجهة ثقافة الاستهلاك واستغلال الموارد الطبيعية باعتدال دون ضرر أو إضرار والتوزيع العادل للثروات.

وقال: كل هذه قضايا حينما نفتح روائع فقهنا الإسلامي سنجد فيها كنوزا غنية لا يصح ادخارها وتركها مهملة في بطون الكتب وأمهات هذه المخطوطات وتراثنا الإسلامي دون أن تقدم إلى الناس.

منبها إلى أنه لا يسوغ لنا أن ننتظر أن يصوغ غيرنا نظريات في هذه المجالات، وإذا بنا بعد ذلك نترجمها ثم نضع عليها شيئا من الصبغة الإسلامية لكنها في حقيقتها وفي جوهرها لا تمت إلى فقهنا الإسلامي بصلة حقيقية.

ونبه إلى أن الفقهاء تأخروا في أبواب ومجالات عدة في وقتنا الحالي فيما يتعلق بحاجة الناس كمجالات الأغذية الحلال ومجالات السياحة وغيرها.

ودعا فضيلته الفقهاء إلى تهيئة المعايير الإسلامية العالمية الموحدة فيما يتعلق بالأغذية من أبسط ما يتناوله أطفال المسلمين إلى ما نعلم أن فيه أحكاما شرعية من اللحوم التي تحل للمسلمين ومما لا يحل لهم إلى الصناعات التحويلية إلى المشتقات. مشيرا إلى أنه ليست هناك أية معايير واضحة تضبط هذه الصناعة وليست هناك أي جهات إشرافية تقوم بفحص هذه المنتجات والتأكد من مطابقتها لهذه المعايير الشرعية الموحدة .. وإلى الجزء الرابع من حلقة سؤال أهل الذكر عن «الفقه الإسلامي تجديد الحياة أم تبرير الواقع؟».

ما التطبيقات الفقهية التي يمكن أن يطرحها الفقه الإسلامي ليجدد بها واقع الحياة ولينطلق بها الناس مرة أخرى مستعينين بهذه الكمية الكبيرة من التفصيلات الفقهية التي يمكن أن تنفعهم في حياتهم؟

إذا أردنا أن ننتقل من التنظير للفقه الإسلامي ودوره في واقع حياة الناس المتجددة إلى التطبيق والواقع فينبغي لنا أن نقدم بمقدمة بسيطة وفي صدارتها التذكير بقول الله تبارك وتعالى مبينا أهمية الفقه في حياة المسلمين «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»، ومع ما تقدم بيانه من دور الفقه الإسلامي في صياغة شخصية الفرد وتوجيهها نحو ما يريده لها ربها جل وعلا وفي إقامة نظام عادل شامل تتوازن فيه الحقوق والواجبات ويعين فيه هذا الواقع أي واقع هذا النظام الفرد على الالتزام والتعلم وحينئذ تتبين أيضا في هذا الواقع الأحكام المتعلقة بالقضايا المتجددة التي تحصل في حياة الناس فإن المسلم ينبغي له أن يوقن أن التزامه بأحكام دين الله تبارك وتعالى العملية التشريعية وهو ما يعرف بالفقه الإسلامي إنما هو أكبر عامل في تحديد هويته وفي تحقيق معنى استخلافه في هذه الأرض وتمكنه من عمارتها وإصلاحها ودفع الفساد عنها. ولأضرب لذلك مثالا عمليا فإن حرص المسلمين في باب واحد وهو قد يبدو في نظر الناس اليوم من الأبواب اليسيرة التي قد لا يشتغلون بها كثيرا وهو باب الغذاء باب الأطعمة والأشربة، فنحن نعلم أن لها في دين الله تعالى وفي الفقه الإسلامي أحكاما شرعية وضوابط وقيودا، وهي مع وضوحها إلا أن المطلوب منها أن تكون مطبّقة معمولا بها في واقع حياة الناس.

وقد قلت إن ما يتعلق بالأغذية الحلال على سبيل المثال مع وضوح الأحكام الشرعية في هذه القضية إلا أن الأثر عظيم لأنه يصوغ هوية الأمة بأسرها ويحقق الطمأنينة للأفراد ويزكي لهم عبادتهم لله تبارك وتعالى.

فحجم الأموال في عالم اليوم في الأغذية الحلال خلال هذا العام يتوقع أن يصل بعد سنتين من الآن إلى 2 و6 من عشرة تريليون دولار سنويا، فنحن نتحدث عن حجم تجارة هائل دعا الشركات العالمية التي لم تنشأ في بلاد المسلمين في بلاد أوروبا وفي البلاد الغربية وفي الصين إلى أن تتنافس على غذاء المسلمين، فما الذي دفع هذه الشركات الكبرى إلى هذا التسابق لتوفير الغذاء الحلال؟ مع أن الفقهاء والصناعة الفقهية المعاصرة لم تطرق هذا المجال بعد بالصورة التي ينبغي أن تتعرض لها؛ ومع أن التزام الناس من المسلمين اليوم في هذه القضايا المتعلقة بالأغذية الحلال فيها قدر كبير من التساهل، ولكن مع ذلك الواقع بهذه الأرقام – فنحن نتحدث عن تريليونات.

استهلاك البلاد الإسلامية من الغذاء يفوق اقتصاد ثلاث دول «الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان». فهذا في قضية واحدة تتعلق بالأغذية الحلال، وإذا بغيرنا يتنافس علينا ويتسابق لفتح أسواقنا له.

وما الذي ينبغي للفقه الإسلامي أن يقدمه لهذه الأغذية «الأغذية الحلال»؟

على الفقه أن يهيئ المعايير الإسلامية العالمية الموحدة فيما يتعلق بالأغذية من أبسط ما يتناوله أطفال المسلمين إلى ما نعلم أن فيه أحكاما شرعية من اللحوم التي تحل للمسلمين ومما لا يحل لهم إلى الصناعات التحويلية إلى المشتقات ليست هناك أية معايير واضحة تضبط هذه الصناعة فليست هناك أي جهات إشرافية تقوم بفحص هذه المنتجات والتأكد من مطابقتها لهذه المعايير الشرعية الموحدة، وليست هناك شركات ولا مصانع تقوم بتصنيع هذه المواد الغذائية والمشروبات لبلاد المسلمين. اليوم في قائمة شركات الأغذية التي يستورد منها المسلمون أغذيتهم الحلال شركة كبرى كشركة «نستله» على سبيل المثال في صدارة القائمة، وهناك محاولات لبعض بلاد المسلمين في ماليزيا وفي أندونيسيا وفي تركيا لكنها جميعا تفتقر إلى معايير واضحة محددة وإلى جهات إشرافية موثوق بها.

كما أننا نفتقر أيضا إلى الالتزام هذا الالتزام قد يحتاج إلى قدر كبير من التذكير والوعظ والإرشاد والتفقيه كما أنه يحتاج من المتلقين أيضا إلى أن يأخذوا به لأننا لا زلنا نجد أن طائفة من جماهير المسلمين لا زالت تستخف بهذا الموضوع لا زالت تدعو إلى التساهل فيه ولو على حساب النصوص الشرعية مما أنزله علينا ربنا تبارك وتعالى في كتابه الكريم أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. مع هذا الحال فإن هذه التجارة وصلت إلى تلك الأرقام الفلكية كما تقدم.

مثال آخر، وهذه مجرد أمثلة تثبت كيف أن التزام الفقه الإسلامي يورث المسلمين عزة يحقق لهم رخاء اقتصاديا يحقق بينهم الألفة والتكافل الاجتماعي ويحقق بينهم معاني المولاة الحقيقية بحيث تكون أسواقهم مفتوحة لبعضها يجمعون رؤوس أموالهم يشغّلون الباحثين عن العمل من الشباب ومن ذوي الكفاءات، ويوظفون القدرات العقلية من العلماء والباحثين والخريجين، ولا ريب أن السوق تستوعب هذه الأعداد لكن ليس هناك توجه، كم يهدر مما لا ينتفع به من لحوم الذبائح ولحوم الأضاحي ومن الإسراف أيضا في الأكل والشرب الذي يكون في بلاد الإسلامية بلا التزام في الأحكام الشرعية ولا بالأخلاق الضابطة لتصرفات المسلمين في مثل هذه القضايا.

هناك مثال آخر يتعلق بما يعرف بعالم السياحة السياحة الحلال أيضا ولا استخفاف بهذا الموضوع، فإنه بهذا القدر اليسير من الفقه والرغبة في الالتزام لدى جماهير المسلمين اليوم وجد أن نصيب السياحة الحلال لا تقل عن ثلاثمائة مليار دولار سنويا في البلاد الإسلامية هؤلاء يطلبون مرافق تحفظ لهم عفافهم وأخلاقهم وكرامتهم، وتبعدهم عن المحرمات من الخمور ونوادي القمار واللهو والمجون والرقص وغيرها مما لا تليق بالمسلم، أماكن تصلح للعائلات المسلمة تصلح للأطفال المسلمين أماكن لأداء عبادتهم لطهارتهم إلى غير ذلك من المرافق التي يحتاجون إليها وهناك توجه اليوم لدى كثير من المسلمين إلى العناية بما يعرف بـ«السياحة الحلال»، وهذا المصطلح أصبح شائعا أيضا في عالم السفر والسياحة، وبدأت بعض البلدان تتنافس في تقديم هذه الخدمات طالما أن فيها هذا القدر الهائل من الأموال.

لكننا إذا أتينا إلى الفقه الإسلامي سنجد أنه متأخر كثيرا عما يحتاجه هذا السائح لا فيما يتعلق بالتوعية والإرشاد ولا فيما يتعلق بما يحتاج إليه من أسس إيمانية أو ضوابط أخلاقية فيما يتعلق بالسفر نفسه بالإقامة بالتعامل مع أهل ثقافات أخرى بالتعامل مع من ينتسب إلى دينه لكنه قد يكون منتسبا إلى مذهب آخر أو إلى مدرسة أخرى أو بالتعرف على تاريخ هذه البلدان فيما يتعلق بإسهاماتها الحضارية الإسلامية وفي غير ذلك من المجالات، كم كانت ستكون النتائج إيجابية لو اعتنى المسلمون بهذه الأبواب وبهذه المجالات.

الآن لنرجع إلى صلب الموضوع الذي طرحتموه «التنمية المستدامة»؛ فهناك كنوز فقهية مما نعرفه اليوم بعالم التنمية المستدامة من الفقه الإسلامي لا يسوغ للمسلمين أن يتأخروا عن تقديمها للعالم في قضايا التعليم والبيئة ومواجهة الفقر والأمية ومواجهة ثقافة الاستهلاك واستغلال الموارد الطبيعية باعتدال دون ضرر أو إضرار والتوزيع العادل للثروات، كل هذه قضايا حينما نفتح روائع فقهنا الإسلامي سنجد فيها كنوزا غنية لا يصح ادخارها وتركها مهملة في بطون الكتب وأمهات هذه المخطوطات وتراثنا الإسلامي دون أن تقدم إلى الناس وإنما ننتظر أن يصوغ غيرنا نظريات في هذه المجالات، وإذا بنا بعد ذلك نترجمها ثم نضع عليها شيئا من الصبغة الإسلامية لكنها في حقيقتها وفي جوهرها لا تمت إلى فقهنا الإسلامي بصلة حقيقية.

أقف هنا عند مفردات التنمية المستدامة، فقد تكون بعض العناصر واضحة في الفقه الإسلامي مثل مكافحة الفقر أو التوزيع العادل للثروات، ولكن تحدثتم عن البيئة، فهل يمكن أن يقدم الفقه الإسلامي شيئا لموضوع ضخم مثل صيانة البيئة؟

خير ما يمكن أن تصان به البيئة في مكوناتها وعناصرها ما يشتمل عليه الفقه الإسلامي؛ ولذلك وجدت محاولات جادة من بعض الفقهاء المعاصرين لكنهم أفراد يقدمون فيها نظريات لما يتعلق بصون البيئة وحفظها بدءا من منع كافة مسببات التلوث من أسلحة الدمار الشامل ومن التجارب النووية والذرية ومن الملوثات الصناعية، وإذا كان الحال يصل في الفقه الإسلامي إلى ترشيد استهلاك الموارد الطبيعية حتى ولو كانت متاحة متوفرة «لا تسرف حتى ولو كانت على نهر جار» ومنع أسباب التلويث حتى من التصرفات الفردية فكيف لا يتسع إذا الفقه الإسلامي لصون البيئة وكيف لا يبادر المسلمون لتقديم ما يشتمل عليه فقههم وتراثهم الإسلامي إلى الهيئات والمنظمات التي تُعنى بالبيئة لا أن ينسخوا – لا مانع من الانتفاع- لكن أن يقدموا هم وأن يكونوا مبادرين.

ونحن لا نتحدث هنا عن طرح اجتماعي أو إنساني عام وإنما نتحدث عن طرح فقهي تشريعي يكون فيه خطان، الخط الأول يتعلق بسن التشريعات والأنظمة اللازمة لصون البيئة والخط الثاني يتعلق بغرس الالتزام الذاتي، لأن كل منطلقاتنا في فقهنا الإسلامي إنما تقوم على الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذه هي حقيقة ديننا فلسنا مضطرين إلى أن نقدم نسخة معدّلة لهذا الدين.

الحروب من أكثر المسببات لتلويث البيئة، سواء كانت ما يحصل في الحروب نفسها أو التجارب للأسلحة التي يراد استخدامها في الحروب. لا بد أن يقول المسلمون كلمتهم في هذا الشأن.

إهدار الموارد الطبيعية وتلويث البيئة بها: فكم من المنتوجات الزراعية والسمكية وغيرها من الصناعات مما يُتلف قصدا لحفظ الأسعار، تستهلك البيئة أولا ثم تتلف بعد ذلك.

إذن هناك مجالات فيما يتعلق بالتنمية المستدامة ينبغي للفقهاء اليوم أن يولوها عنايتهم.

قضية الفقر: وقد أشرتم إليها، فهناك ما يتعلق بجانب الفرائض الشرعية الزكاة ثم الأوقاف ثم الصدقات النفل ثم عموم الإحسان، هذه كلها تؤهل المسلمين لتقديم نظرية متكاملة يمكن أن يجتمع عليها عقلاء العالم –لنقل- من أفراد وهيئات ومؤسسات ودول يخففون به من لأواء الفقر والضنك الذي يصيب كثيرا من بلدان العالم ومن هذه البلدان بعض بلدان المسلمين.

ومما ينبغي أيضا أن يركز عليه، إذا كانت الحروب مسببة لاستنزاف البيئة والقضاء على العنصر البشري فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإن اللازم أيضا على المسلمين أن يقدموا ميثاقا خلقيا ضابطا للتدخل العسكري في حالة نشوب النزاعات والخلافات، ولا يصح أن يكون القرار متروكا لذوي القوة والاستبداد من ذوي المكنة والعدة الحربية بحيث يقررون هم متى يتدخلون في النزاعات سواء وجدت هذه النزاعات أو لم توجد أصلا، فليست هناك وثيقة لا على المستوى الإسلامي ولا على المستوى العالمي من باب أولى.