humdah
humdah
أعمدة

خبير عشريني

05 نوفمبر 2017
05 نوفمبر 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

تقدم إلي شاب يافع لم يبلغ الثلاثين من العمر بعد في إحدى الفعاليات، بعد حوار قصير استنكر عدم معرفتي بشخصه الكريم رغم كونه (مدربا معتمدا في التنمية البشرية) ومدربا في البرمجة اللغوية العصبية، لم أستطع إخفاء صدمتي بذلك التعريف - وهو عيب من عيوبي الكثيرة التي أبذل قصارى جهدي في التغلب عليها - ألا وهو منع مشاعري من الظهور على تعابير وجهي، التي تفضح سريعا ما أفكر فيه وأشعر به، خشية أن أجرح شعور الشاب بردة الفعل تلك، لكن مفاجأتي كانت أكبر لاكتشافي بأنها لم تؤثر فيه بتاتا، إذ لدى الشاب ثقة عالية بإمكانياته وقدراته كخبير حكيم.

ما هالني أن الصبي ما زال طالبا على مقاعد الدراسة، من أين اكتسب هذه الخبرة، والحكمة التي تؤهله لتدريب الآخرين على كيفية إدارة حياتهم، وحل مشاكلهم والتغلب على ضغوطات الحياة اليومية وهو بالكاد خطا أولى خطواته في الحياة.

شاءت الأقدار، التي أدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن لا وجود لها، فهذا الكون يسير بنظام فائق الدقة بشكل مذهل، بحيث أن كل إنسان يمر في حياتي إنما يأتي لتأدية دور ما سخره الكريم المنان لتأديته، فقد تلقيت دعوة لحضور محاضرة لأحد المدربين المعتمدين وخبراء التنمية البشرية العرب، الذي يتخذ من مسقط العاصمة مقرا لنشاطه التدريبي، قبلت الدعوة على مضض ليس تكبرا على المدرب ولكن بسبب ارتباط مسبق في الواقع، دخلت مقر انعقاد المحاضرة الذي اختير له فندق صغير لم أكن حتى أعرف بوجوده، تملكني شيء من الخوف والحرج أمانة، وأنا أترجل من سيارتي باتجاه الفندق، الذي انقبض صدري من اللحظة التي خطوت فيها باتجاهه لسبب أجهله..

صدمتي بالخبير العربي لم تكن أقل من صدمتي بالخبير العشريني، فقد فوجئت برجل ضخم الجثة تتدلى كرشه أمامه معرقلا حركته على المنصة، ومسببا تقطعا في نفسه وصوته، لم يشِ هندامه أيضا لي بكونه خبير تنمية بشرية، فإلى جانب اختياره للمكان كان يرتدي ملابس متواضعة، ويستعين بابنه الشاب في التنسيق للورشة فسرته لنفسي بأنه نوع من التقشف، وهو أمر بالطبع يتعارض مع عقلية خبير تنمية بشرية، يدرب الناس على الإيمان بالوفرة، وتطوير الذات، على تقنيات البرمجة اللغوية العصبية.

بالنسبة لي فإن مدرب التنمية البشرية، (المعلم) أو (الحكيم) كما كان يدعى في الماضي وفي حضارات بعض الأمم هو قدوة حية تعيش بيننا، يتطلب التدريب بأن يطبق المعلم ما يدعو الناس له، ولا يستثنى من ذلك حتى الرسل الذين علموا الناس بالقدوة، وكانوا عليهم السلام نماذج حية تمشي بين الناس على الرسالات التي جاؤوا للتبشير بها.

اليوم للأسف أصبحت أحد أخطر العلوم الإنسانية هي مهنة من لا مهنة له، فأصبح كل من قرأ عدة كتب وحضر عددا من البرامج التدريبية يسوق له على انه (معلم) فذ، ففقد الكثير من الشباب ثقتهم في أهم العلوم على الإطلاق وهو علم التنمية الذاتية، الذي ساهم في رقي أمم، وبناء ثروات، ونجاحات ساحقة لأفراد كان لهم تأثير ملموس على تطور الإنسانية.

أدرك تماما بأن معظم إن لم يكن جميع هؤلاء المدربين لديهم نوايا طيبة، ويسعون فعلا للمساهمة في جعل العالم أفضل، لكن حسن النوايا ليس كافيا لإحداث هذا التغيير، إن لم يكن مقرونا بتمكن من المادة، وخبرة عملية طويلة، وتجربة حقيقية، الاطلاع وحده لا يكفي، لأن المعرفة بدون تجربة لا تعدوا أن تكون معلومات، والخبرة بدون معرفة هي الجهل بعينه، إلا أنه عندما تجتمع المعرفة بالتجربة عندها فقط نحصل على الحكمة، والتي هي أساس النجاح في موضوع التنمية البشرية.

شخصيا قبل أن أتلقى درسا على يد (خبير) يهمني أن أرى هندامه، هيئته، وضعه المهني والمادي والتزامه الأخلاقي، فهذه هي بالنسبة لي ثمرة التنمية البشرية، ومن باب إيماني بأن فاقد الشيء لا يعطيه، لا يمكن لي أن أثق في شخص لم يستطع تطبيق ما يعلم على ذاته أولا، وهذا هو المعيار الأساسي في تقييم من آخذ على يده دروسي، أرني من تكون، ثم علمني.