abdullah
abdullah
أعمدة

نوافذ : خريف الصحافة

05 نوفمبر 2017
05 نوفمبر 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

ورقة جديدة سقطت في نوفمبر، بسقوطها تكون شجرة الصحافة العمانية قد خسرت ورقة اخرى ، ولم يبق في هذه الشجرة سوى بضع ورقات بعضها متآكل ينتظر هبوب رياح خريفية ليسقط، وبعضها يستند على جذر قوي يستقي قوته من معين لا ينضب قد يطول به الزمان قويًا وقد تعصف به رياح الخريف كما عصفت بغيره.

شكت التربيون التي تترجم إلى العربية بأنها «المنبر» من قلة مرتاديها، وصاح خطيبها من أن أوراقه ستطوى وأن منبره سيهجر وأنه سيضطر آسفًا إلى التخلي عن منبر حر من منابره بعد أن هجره الناس إلى منابر ومحاريب أخرى، لكن صدى صوت الخطيب ذهب بعيدًا ولم يرجع.

خريف الصحافة لم يزرنا وحدنا هنا في هذا البلد الذي يوصف بأنه لا يشهد خريفا أبدا فالفصول فيه اثنان إما حار صيفًا أو بارد شتاءً، لكن هذا الفصل الثالث جاء فقط ليسقط الأوراق ويطوي الصحف بعد ربيع دام طويلًا لتلك الصحائف أزهرت فيه، وأينعت، وحان موعد سقوط أوراقها، خريف مر على كل أوراق العالم وصحفه فهب عليها كلها، منها ما صمد أمام برودة رياحه، ومنها ما لم يستطع المقاومة فسقطت .

هذا الخريف عصف قبل الصحافة اليومية بالصحافة الأسبوعية فجعلها قاعًا صفصفًا فلم يبق منها باقية ولم يذر منها بقية إلا من رحم ربي، وقبل الصحافة عصفت هذه الريح بالمجلات التي كانت تتراص من كثرتها على واجهات المحلات والأكشاك والمكتبات وأيضًا لم يسلم من هذه الريح السموم إلا بضع مجلات ورقية تقاوم مترنحة هبوب الرياح التي لم يقو على الوقوف في وجهها إلا صحف يومية الصدور هي الأخرى تعاني من ضيق ذات اليد وقلة المورد وضعف الإمكانات وربما تسقط كما سقط ما قبلها.

هنالك من يلوم الصحف بأنها سبب شقاء نفسها بنفسها وأن علتها وعلاجها بيدها فهي من يحكم على نفسها بالموت أو الحياة بالاستمرار أو الوأد، هي من يجب أن يكون الفيصل في كل ما تتعرض له من نكبات وألا تلقي بالمسؤولية على الآخر، هؤلاء يلقون باللائمة على الصحافة كونها لم تغير أو تطور أو تحسن من إمكاناتها ولم تبحث عن بدائل كمصادر للدخل بل استمرت على جمودها أيام سيرتها الأولى.

التقيت في شجن صحفي زميل يعمل في صحيفة غربية عريقة، شكونا ذات الهم وذات الخريف، أخبرني بأنهم رغم عراقة صحيفتهم لم يسلموا من تهديد بإفلاس أو إغلاق لكنهم اليوم بعد أن قاموا بتعديل بعض سياساتهم الصحفية الورقية والإلكترونية وصلوا إلى مرحلة اللاربح ولكنها أيضا اللاخسارة، قائلا إنهم يتوقعون مستقبلًا مزهرًا للصحافة في بلادهم. لا أخفي سرًا من أنني ابتهجت لكلامه ولكنني في قرارة نفسي شككت في كلامه ورجوت الله أن يصدق ما قاله.

الحديث عن بقاء أو اختفاء الصحافة الورقية يتشكل كل صباح نعيشه نحن الصحفيين، لا ندري هل نستمر لشهر آخر أم نسقط كما سقط من قبلنا، بعضنا يقول إن العالم سيؤوب إلى رشده ويرجع إلينا وبعضنا الآخر ينفي ذلك والمتضرر من هذا كله من فقد وظيفته أو هدد بفقدها أو أنذر بتقليل راتبه أو نقله إلى قسم آخر أو قيل له بأن عمله لن يطول وأن عليه البحث عن مكان آخر، هموم ومتاعب لا أول لها ولا آخر تبدأ بهمِّ المهنة ومتاعبها وتنتهي بهم الحياة ومتاعبها ويبقى الخريف يبحث له عن ورقة أخرى ليسقطها.