إشراقات

الوسطية والاعتدال منهج إسلامي يحقق المودة

02 نوفمبر 2017
02 نوفمبر 2017

المواطنة في الإسلام -

إعداد – نادر أبو الفتوح -

في لقائه معنا يؤكد الشيخ أحمد ترك من علماء وزارة الأوقاف المصرية، أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، والأمم والمجتمعات التي تعلي من هذه القيم، هي التي تنهض وتتقدم وتتجاوز المحن والأزمات، لذلك كان الاعتدال من أسس المواطنة في الإسلام، وقد سبقت الشريعة الإسلامية كل النظم الحديثة في الدعوة إليه، فيقول الله تعالي في كتابه العزيز: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، [الآية 143 - سورة البقرة]، وهذه الآية الكريمة تؤكد أن الوسطية والاعتدال منهج إسلامي، ويجب أن يلتزم المسلم بهذا المنهج في تعامله مع كل الناس أيا كانت دياناتهم، وكذلك ضرورة البعد عن التشدد والتطرف والتحلي بالوسطية، في كل الأمور والمعاملات، لأن الوسطية هي عنوان المسلم، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الشريف: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ)، وكل هذه النصوص تؤكد منهج الإسلام الوسطي المعتدل، في كل نواحي الحياة.

ويضيف الشيخ ترك، أن منهج الإسلام في الدعوة للوسطية والاعتدال، يقوم على حفظ العلاقات بين أبناء المجتمع، رغم أي اختلافات في الدين، بهدف أن يعيش الجميع من دون عنف، لأن هذه التصرفات التي تتناقض مع الوسطية، تؤدي لحالة من البلبلة في المجتمع، وتخلق نوعا من التشتت والقلق والتربص بين أبناء الوطن الواحد، لأن البعض قد يتشدد ويبتعد عن المنهج الوسطي المعتدل، فيتخذ سلوكاً عنيفًا مع ذوي العقائد المختلفة، وهذا يتنافي مع منهج الإسلام في تقوية الروابط بين أبناء المجتمع، بغض النظر عن الاختلاف في العقيدة، ولذلك أصبحت الوسطية أحد أسس المواطنة، فيتم التعامل بهذا المنهج مع غير المسلمين، لأن الروابط الوطنية والإنسانية، تتطلب ذلك حتى مع المخالفين في العقيدة، كي يعيش جميع أبناء الوطن في أمن وأمان، ويسود بينهم الحب والإخلاص، بغض النظر عن اختلاف الدين أو الجنس أو اللون.

ويوضح أن الشريعة الإسلامية، حذرت من التشدد والتطرف في التعامل مع الآخرين، فيقول نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الشريف: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ)، ويعني هذا أن اللين أمر مطلوب في التعامل مع جميع أفراد المجتمع، وأن أي تصرف يحمل الغلظة مرفوض، وفي هذا أيضا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ)، فكل هذه المعاني تؤكد على منهج الإسلام في تحقيق الوسطية، لأن التشدد والتطرف في الرأي والفكر لا يأتي بخير، وكثير من الأزمات والمشكلات التي تحدث بين أبناء المجتمع، تكون نتيجة التشدد والغضب والتصرف بعصبية، فتحدث خلافات ومشاكل كثيرة، تؤثر علي أمن وسلامة واستقرار الوطن، والإسلام يرفض كل هذه الممارسات التي تهدد الترابط المجتمعي.

ويؤكد الشيخ ترك، أن التطرف والتشدد يؤدي لانحراف في الفكر والسلوك، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)، وتأتي هذه الدعوة لأن البعد عن الوسطية، يؤدي لكثير من الأزمات التي تهدد كيان المجتمع، وبعض الأمم في الماضي تعرضت للزوال نتيجة التعصب، فالسلوك العدواني المتعصب لا يأتي بخير، لأننا نجد من ينحرف عن النهج الوسطي، فيبدع ويأتي بأمور تخالف الشريعة، ونجد علي الجانب الآخر من يتساهل ويفرط، فكل هذا مرفوض، لأن الوسطية والاعتدال هما العنوان الأمثل والحل النموذجي للتعامل بين المسلمين وغير المسلمين في وطن واحد.

وتأتي دعوة الإسلام للوسطية والاعتدال لإصلاح الأحوال، وتقوية العلاقات بين أبناء الوطن، فالإسلام يحرص على إصلاح العلاقات في المجتمع، وتقوية العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين على أساس المواطنة، والوسطية إحدى سبل تحقيق المواطنة، فعندما يطبق الإنسان هذه القيم والمعاني، فهو يلتزم بما حثت عليه الشريعة الإسلامية، ويتفق هذا مع ما قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا).

وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا)، ونجد في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ما يحث على الوسطية والاعتدال، فقد جاء ثلاثة أشخاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الأول: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني سأقوم الليل كله، وقال الثالث: وأنا لن أتزوج النساء، فرد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا: (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)، فإذا كان الإسلام يحث على الوسطية في العبادة، فإنه كذلك يحث على الوسطية والاعتدال في المعاملات، ويؤكد على ضرورة تطبيق هذا المنهج مع غير المسلمين، الذين يعيشون مع المسلمين في وطن واحد.