الملف السياسي

قطاع التوعية الأهم

30 أكتوبر 2017
30 أكتوبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

لا يمكن حصر الوسائل التي تحسب على الإعلام والعالم في بواكير سنين الألفية الثالثة. فلم يعد الإعلام يشمل الصحف الورقية والإذاعات المسموعة ومحطات البث التلفزيوني المحلية. وذلك بعد أن تجاوزت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية الحدود المحلية للدول لتتسع عددا وتتنوع بثاً. وبحلول البث الفضائي لوسائل الإعلام كافة فلا حصر لأعدادها اليوم.

بل إن البعض يضيف للإعلام وسائل أخرى. تلك هي مواقع البث عبر الكمبيوتر وشبكات التواصل الاجتماعي. إنها اليوم تُعَدُ بالملايين متوفرة لمستخدميها على صعيد العالم. فَصَدَقَ من قال « العالم صار قرية صغيرة».

جدير بالذكر أن الجمهور العربي يشاهد ويسمع وربما يقرأ ويتابع وسائل الأعلام الأجنبية أكثر من اهتمامه بالإعلام العربي. فمطربة الحي لا تطرب. وإن استعرضنا دور الإعلام العربي قبل ثورة وسائل النقل الإلكتروني ــ الفضائي كان جُله حكوميا. لذا اقتصر دوره على اسناد الأداء الحكومي إن أخطأ أو إن أصاب.

فساهم في تعميق التناقضات السياسية بين الدول العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وبقي دور الاعلام العربي محدودا في النقد البناء والتوجيه الهادف إذ أن خبرات وأهلية رموزه تتجاوز الحكومات الثورية بين خمسينات إلى تسعينات القرن الماضي. بل إن النظم العربية في تلك الفترة أخضعت معظم المثقفين من الكتاب والصحفيين لسياستها فتقلص دور الإعلام الحر المسؤول والملتزم.

وعندما وصل البث التلفزيوني الفضائي تراجع دور الإعلام المقروء والمسموع ، وتعاظم دوره المرئي في اتجاهين. الأول الحكومي الذي بقي دوره الحكومي يساهم في تعميق التناقضات السياسية بين الدول العربية.

أما الاتجاه الآخر فهو قطاع الإعلام الخاص الذي اما ان يسير في فلك الإعلام الحكومي أم أن يتجه للتكسب التجاري. وبالرغم من الكثير من الانحراف عما يجب أن يكون عليه دور الإعلام العربي ، في المرحلة الراهنة ، إلا أن هناك صحفا وإذاعات وفضائيات تلفزيونية ملتزمة بالموضوعية ، والنقد البناء والتوجيه لما يوحد كلمة العرب.

وللحديث عن المهام التي يمكن أن يتبناها الاعلام العربي وينفذها بأمانة تتلخص فيما يلي :

ـــــ توضيح الأخطار التي تهدد الوطن العربي ودعم الوحدة العربية. وما أكثر ما يتهدد الدول العربية اليوم. ولعل مهمة الإعلام العربي التأكيد على وحدة الصف العربي والتمسك بالثوابت المشتركة وغرسها في نفوس النشء الجديد من الشباب.

ــــ التنبيه بخطورة الفرقة داخل الوطن الواحد. واحتواء التوتر الاجتماعي وتنمية روح المشاركة والمواطنة داخل كل بلد عربي بالتوعية بمخاطر التطير والانحراف وتعريض الأمن الاجتماعي للخطر

ـــ الاهتمام بالقضايا المصيرية للإنسان العربي ومناقشها في ضوء إسناد العمل العربي المشترك. فكتابنا وصحفيونا مدعوون للإسهام في بناء الشخصية العربية على أسس الثوابت العربية.

ــــ الإسهام الحقيقي الفاعل في إسناد العمل الحكومي في برامج تنمية الاقتصادات الوطنية لكل دولة عربية. والتأكيد على تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية.

ـــ كشف التدابير الأجنبية المغرضة التي تبث الفرقة بين الدول العربية.

ـــ تقوية أواصر العلاقات العربية ــ العربية في مهن الإعلام وتعزيز العمل المشترك بين الجمعيات والنقابات العربية.

ــــ لعب دور الرقيب والناقد الملتزم في شؤون الاقتصاد والسياسة والمجتمع بما يعزز روح التعاون العربي.

أما مسؤوليات الإعلام العربي فإنها تتسع لدوره ومهامه وأهدافه المهنية الوطنية والقومية. فإن استعرضنا الواقع السياسي العربي فان المسؤولية تنصب على فهم المرحلة التي تضاءل فيها الاهتمام بالقضايا العربية المصيرية كالقضية الفلسطينية ، ودعم وتقوية دور جامعة الدول العربية ، وحل التوترات العربية العابرة. فمسؤولية الاعلام العربي سياسيا تنصب على التنبيه بأخطار الفرقة والتأكيد على وحدة الصف والموقف والكلمة في المحافل الدولية.

وعلى الصعيد الاقتصاد فإن مسؤولية الاعلام العربي ربما تكون الأيسر التي يمكن أن تحدث تغييرا إيجابيا يؤدي إلى المزيد من التقارب العربي في ضوء هدف التكامل الاقتصادي . فمقومات الوطن العربي الاقتصادية لو أحسن استغلالها يمكن ان تكون قوة اقتصادية ذات موقع إيجابي مؤثر في الاقتصاد العالمي. في الوطن العربي العديد من المقومات الأساسية لقيام التكامل الاقتصادي وإيجاد بنية ملائمة لعملية التنمية الشاملة. فتتميز الدول العربية بموارد طبيعية عديدة من اراضٍ زراعية شاسعة ، من شأنها ان تشكل ارضية صالحة لقيام صناعة متطورة ضرورية للدول العربية لتحسين وضعها الاقتصادي. لذا فمسؤولية الإعلام العربي في هذا القطاع أيسر لكنها متراجعة .

إذ يلاحظ قصور في الإعلام العربي للتوعية بأهمية الاقتصاد كعامل موحد يتجاوز التناقضات السياسية. والملاحظ أن ما يقرأ ويذاع ويبث عبر الفضائيات يركز على تطورات الأسواق بالصيغة الخبرية يوما بيوم. أما الندوات والمقابلات فالموضوعات والإحداث السياسية تأخذ القسط الأكبر من معظم وسائل الإعلام.

ولعل المسؤولية الاجتماعية هي الأقل اهتماما من جانب الإعلام العربي. التي تتلخص بعدد من المعايير المهنية للإعلام ، مثل الصدق والموضوعية والتوازن والدقة، ويجب على وسائل الإعلام ، في إطار قبولها بهذه الالتزامات ، أن تتولى تنظيم أمورها ذاتيا ضمن القانون والمؤسسات القائمة للدول العربية. فالمسؤولية الاجتماعية للإعلام تلتزم بالحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعيين للمجتمع، وتوخي الحذر من الخوض في المواضيع التي قد تعرض المجتمع لعدم الاستقرار. ولا بد من الالتزام بمقومات الأمن الاجتماعي.