إشراقات

ربط الولد بالقرآن الكريم

26 أكتوبر 2017
26 أكتوبر 2017

سلوك طفل مسلم -

القاهرة / أمانى أحمد -

إن الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يؤدى إلى الحياة الحقيقية، الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، والسعادة التي ليس بعدها سعادة في الآخرة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} سورة الأنفال الآية24. والله سبحانه أمر أهل الإيمان أن يتقوه في جميع حياتهم حتى يموتوا على ذلك، وأمرهم بالاعتصام بحبله وهو دينه الذي بعث به نبيه صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام وهو التمسك بالقرآن والسنة ونهى عن التفرق في ذلك، لما يفضي إليه التفرق من ضياع الحق وسوء العاقبة واختلال القلوب، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} سورة آل عمران الآيتان102و103.

ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن الهداية في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع ما جاء به، قال تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} سورة النساء الآية59. ولا شك أن طاعته صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل واتباع لكتابه العظيم، كما قال سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب} سورة الحشر الآية7. وورد أحاديث صحيحة في فضل تلاوة القرآن الكريم: روى مسلم عن أبى أمامة- رضى الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه». وروى البخاري عن عثمان رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». وروى الترمذي عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»

وربط الولد بالقرآن الكريم يكون كما يقول الدكتور عبدالله ناصح علوان أستاذ الدراسات الإسلامية في كتابه «تربية الأولاد في الإسلام»: روى الطبراني عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أدبو أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه».

وأشار ابن خلدون في مقدمته إلى أهمية تعليم القرآن الكريم للأطفال وتحفيظه، وأوضح أن تعليم القرآن الكريم هو أساس التعليم في جميع المناهج الدراسية في مختلف البلاد الإسلامية لأنه شعار من شعائر الدين يؤدي إلى تثبيت العقيدة، ورسوخ الإيمان.

ونصح ابن سينا في كتاب السياسة بالبدء بتعليم الولد بالقرآن الكريم بمجرد استعداده جسميا وعقليا لهذا التعليم، ليرضع منذ الصغر اللغة العربية الأصيلة وترسخ في نفسه معالم الإيمان.

وأوصى الإمام الغزالي في إحيائه: «بتعليم الطفل القرآن الكريم وأحاديث الأخبار، وحكايات الأبرار، ثم بعض الأحكام الدينية». وكان الآباء الأولون من سلفنا الصالح الواعي يدفعوا أبناءهم إلى المؤدب؟ فأول شيء كانوا ينصحون به ويشيرون إليه.. تعليم أولادهم القرآن الكريم، وتحفيظهم إياه.. حتى تتقوم ألسنتهم، وتسمو أرواحهم، وتخشع قلوبهم، وتدمع عيونهم، ويترسخ الإيمان والإسلام في نفوسهم ، ثم بالتالي لا يعرفون سوى القرآن والإسلام دستورا ومنهاجا وتشريعا!!

ومن المؤكد لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها فإذا كان صلاح أول هذه الأمة بالقرآن تلاوة وعملا وتطبيقا، وعزتها بالإسلام فكرة وسلوكا وتحقيقا .. فآخر هذه الأمة لا تصل إلى مراتب الصلاح, ولا تتحقق بظاهرة العزة إلا أن نربط أولادنا بهذا القرآن الكريم فهما وحفظا وتلاوة وتفسيرا وتخشعا وعملا وسلوكا وأحكاما.. وبهذا نكون قد كونا في عصرنا الحاضر جيلا قرآنيا مؤمنا صالحا تقيا.. على يديه تقوم عزة الإسلام، وبفضل همته العالية الجبارة يرتفع في العالمين صرح الدولة الإسلامية لتناهض الأمم في عزتها وقوتها وحضارتها.

فيجب على الآباء أن تهيئ لأولادها من يعلمهم القرآن الكريم سواء أكان التعليم لهم في البيت، أو في المسجد، أو في مراكز تعليم القرآن الكريم. وبذلك فقد يتم ربطهم بالقرآن روحا وفكرا وتلاوة وعملا وأحكاما .

وعلى هذا فالولد حين يفتح عينيه فلا يعرف مبدأ يعتقده سوى مبادئ القرآن الكريم، ولا يعرف تشريعا يستقى منه سوى تشريع القرآن، ولا يعرف بلسما لروحه وشفاه لنفسه سوى التخشع بآيات القرآن.. فعندئذ تصل إلى الغاية المرجوة في تكوين الولد روحيا وإعداده إيمانيا وخلقيا، بل يكون ولدك من الذين يشار إليهم بالبنان لأنه على الهدى والحق والصراط المستقيم.

ومن جهة أخرى يقول الأستاذ فوزي محمد أبو زيد في كتابه «تربية القرآن لجيل الإيمان»: قال سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله يزع بالقرآن ما لا يزع بالسلطان» فنور القرآن هو الذي يستطيع أن يمنعني من العصيان، لكن أمر السلطان أستطيع أن أفر منه أو أتنصل، بل أستطيع أن أضيع كل ملابسات الجريمة، حتى ولو كان هناك شاهد ملموس على كالبصمة على الإصبع، فالبعض يبتر إصبعه حتى تاهت آثار جريمته، لكن من الذي يستطيع ان يمحو آثار جريمته ممن يقول للشيء كن فيكون؟ إنه عز وجل يقول: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} سورة التوبة الآية105.

فالمؤمن الذي يشعر بداخله أن الله عز وجل يراه، يرى حركاته وسكناته، ويطلع على خواطره وعلى توجهاته وعلى نياته، كيف يعصاه؟ إنه لا يستطيع عصيانه عز وجل حتى ولو كان في خلاء من الناس، لأنه تيقن بقلبه أن الله عز وجل لا يخلو منه زمان ولا مكان، وإن كانت عيون الحس لقصورها وضعفها لا تراه، لكن عيون القلب تشهد صفات الله وجمالات الله وكمالات الله ظاهرة في كل مظهر في هذه الحياة.

إذن ما الذي يسوق الناس إلى البر وفعل الخيرات، ويجعلهم يتمسكون بالفضائل كالهدى والعفاف، ويبتعدون عن الرذائل والمنكرات؟ جهاد النفس على نهج شريعة الله وليس هذا الكلام الذي نقوله نظريا، ولكن هناك التجربة العملية الناجحة التي خاضها محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والذين معه. وكلنا نعلم ما كان عليه القوم من أخلاق جاهلية، ونزعات إبليسية ، فقد كان بينهم من هو أشد من الشياطين فسادا وإضلالا، ولذلك قدم الله عز وجل ذكرهم في الآية لخطورتهم على شياطين الجن وذلك في قوله سبحانه: {شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} سورة الأنعام الآية112.

وكان بعضهم في أفعاله وأحواله أضل من الأنعام ولذلك يقول الله عز وجل في شأنهم: {أولئك كالأنعام بل هم أضل}، فلم يكن عندهم معاني ولا فضائل تليق بتكريم الله للإنسان، أو تناسب الكمال الذي أعد الله له الإنسان.

ولكن حدث التغير على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصبحوا بعد السفاهة حلماء، وبعد الجهالة علماء، وبعد الضلالة هداة حتى قال فيهم صلى الله عليه وسلم: «علماء حكماء فقهاء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء» لقد طهرهم صلى الله عليه وسلم من صفات الجاهلية، وخلقهم بعد جهادهم أنفسهم بالصفات الربانية من الرحمة والشفقة والعطف والبذل والإيثار والعفو والصفح وغيرها وكذلك الأخلاق القرآنية من التواضع والخشوع والإخبات والابتهال والتبتل وغيرها فلما نصروا الله عز وجل بإقامة شريعته، وحفظ كتابه، والعمل بأحكام دينه، والحرص على وصاياه وتوجيهاته، نصرهم الله عز وجل على أعدائهم تنفيذا لقوله عز وجل: {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} سورة محمد الآية7.

وأخيرا يجب على الآباء والأبناء المداومة على تلاوة آيات يسيرات في كل يوم، وخير العمل أدومه وإن قل.