randa2
randa2
أعمدة

عطر: جليد

25 أكتوبر 2017
25 أكتوبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

ماذا يحدث لنا حين يزحف الصقيع نحو أطرافنا ليسري في شرايننا؟ ماذا يحدث حين يتجمد الدم في عروقنا، وتشحب وجوهنا، وتقف نظراتنا معلقة بين السماء والأرض؟ ماذا يحدث لنا حين يتكسر الضوء ليصبح حالة من الفراغ الكلي، وتطبق الجدران على الزوايا فلا يبقى لنا من جهات نلوي إليها؟ انّها نقطة اللاعودة الى الحياة، اذا هل نموت وكأننا لم نكن أم تنسحب منا أحلامنا وتختفي آخر الوجوه في ذاكرتنا؟ هل حقا نبدأ ونحن نخرج من أجسادنا باستعراض شريط حياتنا، وتومض محطات بذاكرتنا وأسماء تقفز الى وعينا كنا نظن قد اعتلاها الصدأ وأصبحت هباء؟ هل نموت حين ندفن أم حين نَدفن وعينا نموت؟

حين أسير في الشارع وتقابلني الوجوه المختلفة أرى أمواتا تحمل أكفانها، أرى أن الموت الأصعب قد طال أعمارهم، أرى شيخوخة الإحساس أصابت معظمهم، وحين أقارنها بأعمارهم، أجد أنهم بأعمار الزمن أطفالا وشبابا وكهولا وعجائز،مازالت الحياة تليق بهم. اقف أحيانا لأتأمل ابتساماتهم فأجد وجوها نسيت ابتسامتها معلقة على مشجب الأيام، خرجت للضوء وهي ترتدي ملابس العتمة، اختفت تحت مظلة اللون الأسود، أمطرت موتا في قلب الحياة، وأرواحا قطبية تجمدت وتصخرت فسكنت أجسادها أشباح الرحيل حتى باتت تقف على ناصية حلم بفرح هاجر الى أرض الخيال، تنتظر الموت السريري فلا غد حقيقي في جعبتها ولا محطات انتقال وارتحال وأقدار، بل استسلام للموت، أناس يقفون في صف طويل بانتظار ان يدخلوا النعش ويواروا الثرى باحتفالية الانتقال: عويل وصريخ وندب وتعداد مزايا وطلب رحمة من الله عز وجل، مهلا تطلبون الرحمة للموت وهذا حق وكلنا نعيش ونموت بأمر الله سبحانه وتعالى، ولكن ماذا عن الحياة؟ ماذا عن الشمس ماذا عن الهواء ماذا عن النبض ماذا عن وعن ..؟

فمن المعروف انه على الإنسان بأن يعمل لحياته وكأنه يعيش أبدا، وأن يعمل لآخرته كأنه سيموت غدا، اذا هناك حياة علينا ان نعيشها، علينا ان نتمتع بها دون ان نخرج عن طاعة الله أو أن نغضب الله في أمر أنهانا عنه هو ورسوله عليه الصلاة والسلام، ومن وجهة نظري المتواضعة أجد أنّه علينا ان نحيا لا أن نعيش، فالعيش يرتبط بالبقاء على قيد الحياة ويرتبط بعناصر البقاء، اما أن نحيا فهي من “حياة “ اي نحيا بنبض، بتناقضات، بغرابة الحياة ومنطقها، بسريالية الأشياء ومصادرها، أن ننصت لصوت القلب وأن نتبع خط العقل العام، فلا نترك أنفسنا في جوع للحياة، نحن في رحلة خطها معروف لا يمكن استرداد العمر لا يمكن عكس الزمن، لكن يمكن تقبله، كل ما يمكننا أن نقوم به هو التطلع الى نقطة أرقى في مسيرة هذا القطار، فلم نخلق لنكون تعساء، نعاني الاكتئاب ونتصارع على الأشياء، فاغرب ما يمكن رصده أننا نخاف الضحك ونتبعه بجملة (الله يعطينا خير هذا الضحك ) نضحك بخوف، نتحرك بخوف، فيحتلنا الجليد، يأكلنا الخوف من الموت، ونحمل رقما ضبابيا ونصطف بصف لا نهاية له بانتظار المغادرة، فنغادر ونموت قبل أواننا.

متى يمكننا أن ندرك أن الحياة جميلة وسوية، ولكن نحن من نصنع القبح، نحن غير الأسوياء، نحن أولاد الطمع والجشع، صناع الشر بقالب الخير، نحن من أنجبنا الهم من رحم وعينا وتناسلنا الجهل على مر الحقبات والسنين، نحن من وضعنا أعمارنا في قوالب وعشنا ندعي رفضنا لتلك القوالب، نحن من تمسكنا بالأعراف وتجاهلنا وصايا الأنبياء والرسل لنا الذين طالبوا بأمر الله باعتدال يطال أداءنا في كل شيء بوسطية لا تحرمنا الحياة ولا تجعل الموت عسيرا، نحن نصلب انفسنا ونطالب بالخلاص، ولكن الخلاص ممن؟ لا احد قادر على التحديد.