أفكار وآراء

الملف النووي الإيراني والاستراتيجية الأمريكية

21 أكتوبر 2017
21 أكتوبر 2017

عوض بن سعيد باقوير /صحفي ومحلل سياسي -

في الوقت الذي ظهر التوتر والتصريحات الصاخبة بين إدارة الرئيس الأمريكي ترامب والقيادة في كوريا الشمالية حول التجارب النووية والصاروخية وما شكله ذلك التوتر من ارتباك دولي خوفا من اندلاع حرب مدمرة في شبه الجزيرة الكورية، فتحت واشنطن صراعا سياسيا على الطرف الآخر، وبالتحديد في منطقة الخليج من خلال استراتيجية جديدة تجاه إيران وملفها النووي الذي تم التوقيع عليه من قبل القوي الدولية أو ما يعرف بمصطلح مجموعة ( 5 1) التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا. والسؤال الهام الآن، وفي ظل المعطيات في منطقة الخليج، وفي ظل التوتر في أكثر من منطقه في العالم،هو مالذي تستهدفه الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران ؟.

خلط الأوراق ومشاكل الداخل الأمريكي

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى سدة الرئاسة في يناير الماضي والرجل يواجه مشاكل داخلية عديدة سواء على صعيد إشكالات الانتخابات الرئاسية، والمزاعم التي تحدثت عن تدخلات روسية، وقضايا التحقيقات مع عدد من المسؤولين في الحملة الانتخابية للرئيس ترامب علاوة على بعض الانقسامات في الرؤى داخل الكونجرس والمواجهات المباشرة بين الصحافة الأمريكية والرئيس ترامب. كما ان المشكلات الاقتصادية أضافت بعدا آخر لمشكلات الرئيس ترامب مما يعطي انطباعا ان كل تلك المواجهات والتوتر بين واشنطن وبيونج يانج، وأيضا التوتر مع إيران وملفها النووي، إنما تهدف، في جانب منها على الاقل، الى الخروج من الإشكالات الداخلية، ومواجهة تدني شعبية الرئيس الأمريكي الى أدنى درجة يشهدها رئيس أمريكي في بداية حكمه.

الملف النووي الإيراني تم التوقيع عليه من قبل دول وليس من قبل الولايات المتحدة وحدها، فهناك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ومن هنا فالانسحاب من الاتفاق من قبل واشنطن لا يعني الكثير في ظل التمسك الأوروبي والروسي المعلن بالاتفاق من ناحية، وخاصة مع تأكيد الوكالة الدولية للطاقه الذرية بأن إيران ملتزمة ببنود الاتفاق. ومن هنا فإن واشنطن وضعت نفسها في عزلة، من خلال عدة خطوات أولها الانسحاب من اتفاقية المناخ الموقع عليها في باريس، من قبل اكثر من مائة دولة، ثم جاء إعلانها عن انسحابها من منظمة اليونسكو وأيضا نيتها الانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية مع دول أمريكا الشمالية، وأخيرا تهديد الرئيس ترامب بإمكانية الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في أية لحظة. أن إيجاد التوتر في عدد من مناطق العالم، ولأسباب أحيانا غير مفهومة هي أسلوب أمريكي قديم، انتهى بعضه الى حروب مدمرة، كالحرب الكورية من عام 1950 الى عام 1953، ومن ثم الحرب في فيتنام، في إطار الصراع على النفوذ مع الاتحاد السوفييتي السابق، ومن هنا فإن إيجاد أزمة مع إيران يدخل في إطار تحضير المنطقة الى مزيد من الصراعات، رغم ان المحللين في الولايات المتحدة يرون بأن الرئيس ترامب لا يستطيع المغامرة بدخول حروب جديدة، خاصة وانه يأتي من خلفية اقتصادية ويدرك الأبعاد الاقتصادية والتكلفة المالية لأية حرب محتملة.

المنطقة تحتاج إلى رؤية موضوعية

سباق التسلح الحالي في المنطقة، هو بسبب تلك التوترات التي تخلقها واشنطن، حيث ان مبيعات الأسلحة وبمليارات الدولارات، هو جزء من استراتيجية واشنطن لجعل الآخرين يشعرون بالتوتر فتنهال الطلبات على شراء السلاح الأمريكي وغيره، كما ان منطقة الخليج تعيش توترا من خلال استمرار الأزمة الخليجية بين دول المجلس كما ان الحرب في اليمن أضافت بعدا آخر للوضع المتوتر في المنطقة، ومن هنا فاستراتيجية واشنطن هي إيجاد توترات ليس بالضرورة تنتج حروبا ولكنها تحقق مصالح لواشنطن والأمثلة عديدة. المنطقة في مجملها تحتاج الى رؤية حكيمة تبعدها عن شبح الحروب والصراعات ولا شك ان الرؤية العمانية والتي ثبتت مصداقيتها على مدار السنوات الماضية، هي الطريق الصحيح لإنقاذ المنطقة من هذا التخبط السياسي، وخلق التوتر الذي يهدد السلم والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة، ولعل كلمة السلطنة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الشهر الماضي كانت واضحة وشفافة، حول أهمية تطبيق معايير جديدة لحل النزاعات والصراعات في العالم، من خلال لغة الحوار والتعاون والتسامح بعيدا عن لغة التهديد والوعيد. ان التوتر الذي خلقته واشنطن مع كوريا الشمالية وايران ليس في صالح السلام والاستقرار في العالم، حيث كان العالم ينتظر حل الملف الكوري الشمالي، من خلال نموذج حل الملف النووي الإيراني، والذي كان للديبلوماسية العمانية دور وجهد كبيرين بالنسبة للتوصل لاتفاق بشأنه، لكن واشنطن لها أهداف أخرى، من خلال فتح ملف العداء مع ايران وكوريا الشمالية. ولا شك ان الخلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس قد ابطل جزءا من استراتيجية الرئيس ترامب تجاه ايران وادخل الولايات المتحدة مع المجتمع الدولي في جدل حول التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه الأزمات التي تواجه العالم ومنها قضية الاحتباس الحراري حيث أعلنت ادارة الرئيس الأمريكي انسحاب واشنطن من الاتفاق الذي وقعته الولايات خلال رئاسة باراك اوباما كما ان الانسحاب من منظمة ثقافية وتعليمية مهمة كاليونسكو يعد خطوة غير مفهومة وتعطي الانطباع بان الولايات المتحدة قد تدخل في عزلة دولية من خلال تلك الانسحابات المتوالية من اتفاقيات دولية ومن منظمات فكرية لها دورها في خدمة الإنسانية مما يعطي رسائل سلبية حول الدور الأمريكي ومدي تعاطيه مع قضايا دولية متعددة. ان الملف النووي الإيراني وبعد التوقيع عليه اصبح اتفاقا دوليا وتعد الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي المشرفة على مدى التزام إيران بتعهداتها أمام المجتمع الدولي . وقد أعلنت الوكالة اكثر من مرة ان ايران ملتزمة بكل بنود الاتفاق، وبالتالي فان التراجع والتشكيك الأمريكي في الاتفاق يهدف الى خلط الاوراق والى تأزيم المنطقة، ولا شك ان ذلك يوجد توترا ومزيدا من مناخ عدم الاستقرار في منطقة الخليج وهذا يتطلب من دول الخليج ان تكون اكثر حذرا في كل خطواتها، لان الضرر سوف يكون مدمرا، كما حدث في نماذج عديدة ولعل النموذج العراقي ليس ببعيد، حيث تم تدمير العراق، ولا يزال يعاني منذ عام 2003 وحتى الآن، كما ان إقليم كردستان العراقي يريد الانفصال عن الدولة العراقية . ان منطقة الخليج ودولها تحتاج الى رؤية منطقية في التعامل مع الملفات السائدة ولابد من إعادة الحوار مع الجارة إيران حيث ان الجغرافيا لا يمكن تغييرها وان التعايش بين الدول والشعوب هي مسألة حتمية ولن ينفع المنطقة، في المحصلة الأخيرة، واشنطن وسياساتها الصدامية، والتي أوجدت كثيرا من الشك بين دول الخليج وإيران، ومن هنا فإن الموقف الأوروبي تجاه بقاء الاتفاق النووي الإيراني كان مهما وحازما، مما كان له الأثر في تخفيف آثار الاستراتيجية الامريكية التي اعلن عنها الرئيس ترامب تجاه إيران، على الأقل مؤقتا.

منطقة الخليج وحتى شبه الجزيرة الكورية بحاجة الى حوار موضوعي يحل كل القضايا العالقة ويمهد لإيجاد منظومة سلمية تعيش فيها الشعوب بكل اطمئنان بعيدا عن لغة الحروب وإيجاد التوتر وهو الأمر الذي لا تريده الشعوب بعد التجارب المريرة التي نتجت عن الحروب خلال العقود الماضية.