أفكار وآراء

تعزيز مفهوم مكافحة الاتجار بالبشر

21 أكتوبر 2017
21 أكتوبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تتواصل جهود ومساعي دول المنطقة مع الأسرة الدولية لتوعية المجتمع بمفهوم الاتجار بالبشر، وتنظّم سنويا عدد من المنتديات والمؤتمرات لتسليط الضوء على هذه القضية باعتبار أن المنطقة تعد واحدة من أكثر المناطق التي تصل إليها أفواج البشر بغرض العمل والسياحة في مختلف القطاعات الاقتصادية، ناهيك عن اللواتي يصلن من النساء من مختلف أنحاء العالم لغرض المتاجرة بالجنس وتهريب المخدرات ولأغراض أخرى.

ومن هذا المنطلق تحتفل دول العالم في الثلاثين من يوليو من كل عام باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر والذي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2013 اعتماده يوما عالميا لمناهضة هذه الجريمة التي لم تتوقف عند حدود زمان أو مكان. ويمثل هذا القرار إعلانا عالميا بضرورة زيادة الوعي بحالات الإتجار بالأشخاص والتوعية بمعاناة ضحايا الاتجار بالبشر وتعزيز حقوقهم وحمايتها وحشد الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة التي تنتهك كرامة الإنسان. فجريمة الاتجار بالبشر اليوم لا تقتصر على دولة معينة فحسب، بل تمتد لتشمل العديد من دول العالم، وتختلف صورها وأنماطها من دولة إلى أخرى، فمنها على سبيل المثال الاتجار بالنساء والأطفال، وبيع الأعضاء البشرية وعمالة السُخرة، واستغلال خدم المنازل، وبيع الأطفال لأغراض التبني، والزواج القسري، واستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة والاستغلال الجنسي للأطفال لأغراض تجارية، والاستغلال السيئ للمهاجرين بصفة غير شرعية، واستغلال أطفال الشوارع وغيرها من القضايا التي تنجم بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في العالم. كما تبذل جميع دول العالم مساعيها المشتركة مع المنظمات والأسرة الدولية لتوعية أفراد المجتمع بمفهوم الاتجار بالبشر وسبل حماية الضحايا منهم وكذلك حفظ حقوقهم. ومؤخرا دشنت السلطنة حملة جديدة برعاية سعادة حسين بن علي الهلالي المدعي العام - نائب رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار تحت عنوان (إحسان) تستمر لمدة ثلاثة أشهر لتوعية المجتمع بهذه القضية المهمة، والذي أوضح في كلمته بأن الساحة الدولية شهدت في السنوات العشرِ الأخيرة تصاعدًا غيرِ مسبوق في جرائم الاتجار بالبشر سيما المتعلقة منها بالاستغلال الجنسي والعمل القسري. وهذا الوضع بلا شك يمثل ارتدادًا خطيرًا لمسيرة تطور البشرية، الأمر الذي أدى بالأسرة الدولية أن تدرك خطورة هذه الظاهرة الإجرامية، وبات هناك وعيٌّ متزايدٌ بضرورةِ مُحاصرتها بالمزيد من التدابير التشريعية والتنفيذية، والحملات التوعوية. وفي هذا إن جريمة الاتجار بالبشر، كما تحدث عن المسؤول يطغى عليها في كثيرٍ من الحالات الطابع الدولي العابر للحدود الوطنية، مشيرا إلى أن المشرّع العُماني أدرك أنه لا يمكن بقاء السلطنة في منأى عمّا هو حاصل في الساحة الدولية، كما أدرك بأن مُحاصرة هذه الجريمة البشعة لا يكون بمجرد التجريم، وإنما بمساندةِ ضحايا الجريمة، ورعايتهم نفسيًا واجتماعيًا، وتأهيلهم لإعادة ثقتهم في أنفسهم ومجتمعاتهم، وحمايتهم بما يكفل منع تعرّضهم لامتهانٍ كهذا مُستقبلاً.

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010 خطة العمل العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر، وحثت الحكومات في جميع أنحاء العالم على اتخاذ تدابير منسقة لهزيمة هذه الآفة الاجتماعية. ولقد انضم العديد من الدول في العالم ومنها السلطنة إلى اتّفاقية الأُمم المُتّحدة لمُكافحةِ الجريمة المنظّمة عبرَ الوطنيّة والبروتوكولات المُلحقة بها لتصبح هذه الوثائق جُزءًا لا يتجزّأ من بعض قوانينها الوطنية. كما أصدرت دول أخرى قوانين خاصة بها في هذا الشأن لمُكافحة الاتجار بالبشر، مع تجريم مُختلف أشكال استغلال الغير، وليس الاستغلال الجنسي فقط، ومن ذلك استغلال كافة الأعمال التي تندرج تحت العمل القسري، والاسترقاق والممارسات الشبيهة بالرق، وكذا النزع غير المشروع للأعضاء. وهذا ما قامت به السلطنة في هذا الشأن حيث قامت عام 2012 بتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر برئاسة معالي أمين عام وزارة الخارجية وعضوية عدد من المسؤولين في الجهات المختصة، يعاونها فريق الخبراء لدراسة وبحث كل ما يتعلق بتلك القضايا، الأمر الذي يساعد على حماية الانسانية وحقوق الإنسان عامة.

وصدر العديد من القوانين في المنطقة خلال العقود الأربعة الماضية بهدف حماية العمال الوافدين القادمين للعمل هنا من حيث توفير سكنٍ مناسب لهم ومأكلٍ وتأمينٍ صحيّ، ودفع الأجر لهم في الاوقات المطلوبة، بجانب الالتزام بالأوقات المُحدّدة للعمل، مع حظر على صاحب العمل بفرض أيّ شكلٍ من أشكال العمل الجبري أو القسري على العمال بهدف حمايتهم من أي تجاوزٍ أو انتهاك، الأمر الذي يساعد على سدَّ الطريق أمام أيِّ جريمةٍ للنَّيلِ منه ضمن إطار مُكافحة جريمة الاتجار بالبشرـ إلا أن هذه القضايا تتطلب مزيد من تسليط الضوء عليها خلال الفترة القادمة.

الارقام التي تتحدث عنها المنظمات الدولية تشير إلى أن ما يقرب أكثر من واحد وعشرين مليون شخص يقعون ضحايا الاستغلال والعمل القسري والاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ما يقرب من مليون شخص في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفق تقديرات منظمة العمل الدولية، وخاصة النساء والأطفال منهم. وهذا ما أدى إلى انضمام مجموعة واسعة من الدول للاستفادة من خبرات بعضها البعض والعمل ضمن التخصص في هذا المجال، الأمر الذي يساعد في الثراء والتنوع في المفاهيم ويعزز من اتباع نهج متكامل لمكافحة هذه المشكلة التي تمثّل متعددة الأبعاد في الاتجار بالبشر في الكثير من دول العالم. وهناك اليوم آليات مستقلة لدى بعض المجموعات ومنها الاتحاد الأوروبي لمراقبة تنفيذ هذه الاتفاقية بمجلس أوروبا بشأن إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر، فيما تبذل الجهود الخاصة للأمم المتحدة في هذا الشأن لتعزيز الإجراءات لمكافحة الاتجار بالبشر في جميع دول العالم، والعمل بالمعايير العالمية التي تنشدها الأمم المتحدة في مجال حماية ضحايا هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. ولقد أبرز الخبراء في السنوات الأخيرة الحاجة إلى التنسيق الفعال لمختلف مبادرات مكافحة الاتجار بالبشر وتعزيز التعاون بين جميع الدول والجهات الفاعلة المعنية بمكافحة الاتجار من أجل تعظيم الموارد المتاحة وتقليل الازدواجية. وعلى الرغم من أن البيانات المستمدة من الهيئات الدولية لا تمكن وحدها من إدراك حجم تدفقات الاتجار بالبشر، فإنها قد تعطي فكرة عن بلدان المنشأ وبلدان المقصد، وعن المكان الذي تم فيه الإيقاع بالضحايا والمكان الذي نقلوا إليه، فمعظم نشاط الاتجار بالبشر يتم عبر الحدود بين بلدان من نفس المنطقة عموما، ولا سيما بين بلدان متجاورة، غير أن هناك أيضا أدلة على حدوث الاتجار بالبشر بين القارات. وفي سبتمبر عام 2015 اعتمد العالم جدول أعمال التنمية المستدامة 2030، بما فيها أهداف وغايات بشأن الاتجار بالأشخاص، وتدعو كل الأهداف إلى وضع حد للإتجار بالأطفال وممارسة العنف ضدهم، فضلا عن دعوتها إلى تدابير ضرورية ضد الاتجار بالبشر، كما تسعى هذه الأهداف إلى إنهاء كل أشكال العنف ضد المرأة والفتاة واستغلالهما، ومن التطورات المهمة التي تلت ذلك، انعقاد قمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين، التي خرجت بإعلان نيويورك. إن حركة النزوح الكبرى للاجـئين والمهاجرين في العالم تشكّل أرضية خصبة أحيانا في تحقيق جرائم الاتجار بالبشر، حيث وصل عدد اللاجئين والمهاجرين في جميع بلدان العالم في عام 2015 إلى أكثر من 244 مليون مهاجر، بمعدل زيادة أسرع من معدل زيادة سكان العالم، من بينهم قرابة 65 مليونا من النازحين قسرا ممن يجبرون، لأسباب خارجة عن إرادتهم، وهذا مخالف أيضا لشرائع الأديان أضا. فمن منظور مبدأ ترسيخ الكرامة الإنسانية المستمدة من الشريعة الإسلامية فانه يؤكد وبوضوح على أن المتاجرة بالبشر حرام شرعا، كما أن استخدام الرجال والنساء في ذلك حَرمتهُ الشريعة، كما أن التكسب من هذه الأعمال كالامتهان في الخدمة والأعمال الشاقة وغيرها هي من الممارسات التي حرمها الإسلام، وتوعد فاعلها بالعقاب.