صحافة

تداعيات فشل مفاوضات «بريكست»

16 أكتوبر 2017
16 أكتوبر 2017

عقب انتهاء الجولة الخامسة من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي، عقد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، ونظيره البريطاني ديفيد دافيس مؤتمرًا صحفيًا، أعلنا فيه فشل تلك المفاوضات في الوصول إلى اتفاق مشترك يرضي الجانبين بسبب تعنت كل طرف وتمسكه بتحقيق رغباته أولا.

فالاتحاد الأوروبي يرغب في حل مشكلة فاتورة «بريكست»، وحقوق المواطنين الأوروبيين، والحدود الإيرلندية، قبل الانتقال إلى المحادثات التجارية، بينما يرغب الجانب البريطاني في البدء في المحادثات التجارية أولا. وأوصل هذا التعنت الطرفين إلى طريق مسدود، وامتد اثر فشل المفاوضات إلى دول الاتحاد الأوروبي، والى البرلمان البريطاني، وسوق النقد الدولي.

ففي الاتحاد الأوروبي ظهرت، للمرة الأولى، خلافات بين صفوفه حيث تدفع بعض الدول مثل هولندا نحو مقاربة تسمح بالبدء بالمحادثات التجارية مع بريطانيا، وإن كان بصورة غير رسمية، بينما تعارض دول أخرى، على رأسها ألمانيا، هذا الموقف، فيما تطالب بريطانيا بتوقيع اتفاقات مكتوبة تنص على التزاماتها المالية تجاه الاتحاد.

وحذّر أحد المسؤولين في بروكسل بأن عدم البدء بالمحادثات مع بريطانيا يؤدي إلى تصدع وحدة الاتحاد الأوروبي، حيث تسعى دول مثل هولندا وبلجيكا والدنمارك لتطمين قطاع الأعمال حول مستقبل التجارة، مع حلول العام المقبل، وهو ما دفع بارنييه إلى طلب المرونة من جانب دول الاتحاد لتجاوز أزمة المفاوضات بشأن خروج بريطانيا.

أما تأثير فشل المفاوضات على البرلمان البريطاني فظهر في تأجيل الحكومة مناقشة قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، والذي تم تمريره في البرلمان قبل نحو شهر، وجرى نقله للجان البرلمانية لكي تتم مناقشته وتعديله قبيل التصويت عليه مرة أخرى، بحسب صحيفة «الجارديان».

وتقول «الجارديان»: إن حكومة تيريزا ماي «تكافح من أجل الاستجابة» لما أطلقت عليه «طوفان التعديلات» التي تصل الآن إلى حوالي 300 تعديل على القانون. وتضيف: إن حجم الاستياء في البرلمان يبرز التحدي الذي يواجه رئيسة الوزراء بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما دفع بها إلى تأجيل مناقشة القانون نظرًا للازمات التي مرت بها حكومتها لتجنب الهزيمة البرلمانية أمام نواب حزب العمال «المعارض»، ونواب المحافظين المتمردين، خوفًا من انهيار الثقة في الحكومة الحالية كلية. وتقول صحيفة «ديلي تلغراف»: إن رئيسة الوزراء، تريزا ماي، قد أُجبرت على وضع خطط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قيد الانتظار بسبب ما أطلقت عليه الصحيفة «التمرد الكارثي المحتمل» لحزب المحافظين. وان الحكومة أرجأت التدقيق البرلماني في مشروع قانون الانسحاب من الاتحاد الاوروبي لأنها تواجه هزيمة تجاه أكثر من عشرة تعديلات في مشروع القانون. ومن جانبه حدد حزب العمال «المعارض» اثني عشر تعديلا من التعديلات الـ300 حصلت على تأييد سبعة أعضاء أو أكثر من أعضاء البرلمان، وهو ما يكفي من الناحية النظرية لهزيمة الحكومة. لذلك اقتنص حزب العمال تردّد ماي، لزرع الشكوك حول وحدة «المحافظين»، وتقويض الثقة بقانون الانسحاب من الاتحاد، لا سيما أنّهم يتهمون ماي بأنّها لا تستطيع التحكم في حزبها، وان خوفها من تمرّد المحافظين المؤيدين للاتحاد الأوروبي هو ما دفعها لتأجيل مناقشة قانون «بريكست». وقال كير ستارمر، وزير «بريكست» في حكومة الظل لـ«بي بي سي»: إنّ «قانون الانسحاب الخاص بالمحافظين غير مناسب. فهو يمنح سلطات كبيرة للوزراء من دون محاسبة، ويضع الحقوق الأساسية في خطر». وأضاف: «يجب أن تبدأ ماي بالاستماع إلى مخاوف حزب العمال وبعض من نواب حزبها، وأن تعمل على تغيير مقاربتها فورًا».

وعلّق ستارمر على وضع المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، بعد مطالبة «العمال» بمحادثات طارئة مع بروكسل، بأنّه «انعكاس لفشل المحافظين ودليل على أنّهم أضاعوا أشهرًا من المفاوضات». وفي رسالة بعث بها ستارمر لديفيس، بعد المؤتمر الصحفي الاخير مع بارنييه حول فشل الجولة الخامسة من المفاوضات، قال فيها: إنّ «الحكومة قد فشلت في تحقيق هدفها في هذه الجولة من المفاوضات.. وان الوزراء قد أهدروا أشهرًا من محادثات بريكست في خلافهم الداخلي، مما قد يؤدي إلى خروج بريطانيا من الاتحاد من دون صفقة، وهو ما سيكون كارثيًا للوظائف ومستوى الحياة ويجب رفضه كليًا. وذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» أن «وايتهول» تخطط لتوظيف 2000 موظف إضافي للتعامل مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إشارة إلى كيفية تحويل مواردها بشكل متزايد نحو تحديات مغادرة الاتحاد الأوروبي.

كما امتد أثر فشل المفاوضات إلى السوق المالية حيث تراجعت قيمة صرف الجنيه الاسترليني أمام اليورو بشكل حاد عقب المؤتمر الصحفي، بسبب التصريحات المتشائمة التي صدرت عن الطرفين. ودخل صندوق النقد الدولي على خط الأزمة، بعد مطالبة رئيسته كريستين لاجارد، المفاوضين من كلا الطرفين، بوضع اهتمامات المواطنين أمام مصالح الأعمال؛ «لأنّ المخاطر التي ستنجم عن عدم الاتفاق بين الطرفين لا يمكن تصوّرها»، بحسب قولها.

ومن ناحية أخرى تصاعدت المطالب وسط صفوف مؤيدي «بريكست»، بإقالة وزير المالية فيليب هاموند، في التعديل الحكومي المرتقب، بعد ما وصفوها «محاولة من طرف هاموند لتخريب جهود بريكست»، لرفضه تخصيص ميزانية سيناريو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، حتى إعلان فشل المفاوضات رسميا، رغم تصريحه بعكس ذلك أمام مجلس العموم البريطاني.