إشراقات

علمني القرآن كيف يكون حب الأوطان

12 أكتوبر 2017
12 أكتوبر 2017

مسعود بن محمد المقبالي -

كلنا ذاك المتغني بحب الوطن المترنم باسمه الممجد له المعبر عن انتمائه له.. فالناظم والكاتب والأديب والخطيب كل في ميدانه وبلسان حاله أو مقاله يعبر عن حب الوطن والإشادة به .. ولكنني عندما عدت الى كتاب الله ليخبرني عن حقيقة حب الأوطان والمحب لوطنه بحق أراني لونا آخر من الحب والحرص والغيرة والانتماء .. بعيد غاية البعد عما نراه ونشهده في واقعنا من أهازيج وترانيم يظن أصحابها أنهم بذلك يرفعون منارات أوطانهم .. علمني القرآن الكريم أن حب الوطن ليس عزفا على أنغام جميلة شادية بمفاخره وأمجاده، وإنما هو عمل دؤوب على تمكينه وإسعاده ووقايته من كل أسباب الويلات والشرور، وأعظم تلك الويلات سخط الله ونقمته وغضبه.. لقد قص علينا الحق سبحانه أنباء أمم قبلنا وقال لنا (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).. وأخبرنا أنه أباد أمما وأهلك قرى إن أخذه أليم شديد .. وعندما تصفحنا أسباب أخذ الله لتلك الأمم والقرى وجدنا أن من أسباب أخذها؛ الظلم ، قال سبحانه (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

كذلك العتو عن أمر الله ورسوله، أي الإعراض عنه وعصيانه، قال سبحانه (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ، فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا).

ثم التعرض لأسباب غضب الله وسخطه، قال سبحانه (فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) وآسفونا أي أغضبونا.

وأيضا الكفر بنعم الله والإعراض عن شكرها بحمد الله وصرفها فيما يحبه ويرضاه (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، هي قرية كانت تنعم بالأمان والاستقرار والرخاء غير أن إعراضها عن شكر الله يدل سعتها جوعا ورخاءها خوفا وهو على كل شيء قدير. ومن بينها الترف والبذخ والتوسع الزائد في المعيشة وأسباب الدعة، (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ، لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ، فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ).

وكذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قص الله علينا قصة أصحاب السبت وكيف أن الله لما نهاهم عن الصيد يوم السبت تحايلوا على الصيد حتى وقعوا فيه، فكان الناس بين منكر لهذا المنكر ناصح وواعظ عنه وبين ممسك عن الاصطياد وغير ناصح ولا واعظ ، فلما جاء أخذ الله الأليم أنجى الذين ينهون عن السوء فقط وأهلك الباقين، قال سبحانه: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)..

هكذا وجدت الله يرشد عباده في كتابه، فمن كان حريصا على وطنه حقا فعليه أن يعمل على تأمينه من نقمة الله وأخذه وعقابه وأليم عذابه، وإلا فلن يجدي كل التزويق والتنميق الذي يبهرجه من قصر نظره عن هذه الحقيقة الدقيقة العميقة، فاعملوا على سلامة أوطانكم بالعمل على صيانة أديانكم «فما لكم بعد خذل الدين أوطان» فإذا ما استقمنا على منهاج الله فلنبشر بالأمن والاستقرار (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا)، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰـكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

ثبتنا الله على ما يحبه ويرضاه وأعاننا على طاعته وتقواه..