أفكار وآراء

كاتالونيا .. صعوبات وتحديات ما بعد الاستفتاء !!

04 أكتوبر 2017
04 أكتوبر 2017

عبد العزيز محمود -

بإعلان نتيجة الاستفتاء على استقلال كاتالونيا والذي انتهى بموافقة 90% ممن أدلوا بأصواتهم والذين يمثلون 42% ممن لهم حق التصويت أصبح انفصال الإقليم عن إسبانيا أمرا متوقعا، فنتيجة الاستفتاء الذي نُظم أول أكتوبر الجاري بمشاركة 2 مليون و260 ألف ناخب من أصل 5 ملايين و340 ألفا اعتمدها البرلمان الكاتالوني تمهيدا لإعلان الاستقلال من جانب واحد.

وهي خطوة ترفضها الحكومة الإسبانية باعتبار الاستفتاء وما قد يترتب عليه إجراء غير قانوني، فالدستور الأسباني يتعامل مع إسبانيا كدولة واحدة، ويحظر على أي إقليم فيها الانفصال. وفي المقابل تتمسك الحكومة الكاتالونية بزعم شرعية الاستفتاء، على أساس أنه تم في إطار القانون الدولي الذي يسمح لكل شعب بحق تقرير المصير، وهي هنا تفصل بين أبناء الشعب الإسباني الواحد.

وفي ظل أزمة دستورية هي الأعمق منذ نحو خمسين عاما تحاول كاتالونيا دفع الاتحاد الأوروبي للوساطة، لكن الاتحاد يؤكد احترامه للنظام الدستوري الإسباني، بينما تهدد الحكومة الإسبانية بإعادة فرض سيطرتها الإدارية الكاملة على كاتالونيا كأحد أقاليم الدولة الإسبانية .

وهو تهديد واجهته الأحزاب والقوى الانفصالية في كاتالونيا بتنظيم إضراب عام يوم الثلاثاء 3 أكتوبر الجاري، ملوحة بإعلان العصيان المدني في الإقليم الذي يمثل اقتصاده خُمس اقتصاد إسبانيا، وذلك في محاولة لإجبار الحكومة الإسبانية على قبول الأمر الواقع أو على الأقل الدخول في مفاوضات.

ووسط حالة من الشد والجذب تواصل الحكومة الإسبانية التصعيد، وسط محاولات لاقناعها بمنح كاتالونيا صلاحيات أوسع في إطار الحكم الذاتي، الذي تتمتع به منذ عام 1978، لكن الأحزاب القومية الكاتالونية ترى أن هذه الخطوة قد تم تجاوزها بتنظيم استفتاء على الاستقلال.

يذكر أن كاتالونيا تقع في الطرف الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة الإيبيرية وتتكون من أربع مقاطعات هي برشلونة (العاصمة) وجيرونا وليدا وتاراجونا، وتعد من اكبر المناطق الصناعية والحضرية والسياحية في الاتحاد الأوروبي، بعدد سكان يتجاوز 7.5 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يفوق 200 مليار يورو سنويا.

وظلت كاتالونيا تتمتع بالاستقلال الذاتي حتى ما قبل الحرب الأهلية الإسبانية ( 1936-1939)، ومع تولي الجنرال فرانكو الحكم بين عامي (1939 – 1975) تم إلغاء الحكم الذاتي في كاتالونيا، وحظر استخدام اللغة الكاتالونية وكافة الأنشطة المرتبطة بالقومية الكاتالونية .

وعقب رحيل فرانكو استعادت كاتالونيا نظام الحكم الذاتي بموجب دستور 1978 الذي أعاد الديمقراطية إلى إسبانيا، وتعزز نفوذها المالي بموجب قانون عام 2006 الذي منحها سلطات أكبر، لكن المحكمة الدستورية العليا الإسبانية قضت في عام 2010 بعدم دستورية بعض بنود نظام الحكم الذاتي.

وهكذا دعت القوى القومية في كاتالونيا للانفصال عن إسبانيا، وأجريت خلال الفترة من 2009 حتى عام 2014 عدة استفتاءات غير رسمية انتهت بموافقة 80% من المشاركين على الاستقلال، وفي نوفمبر عام 2015 اعتمد البرلمان الكاتالوني خطة للانفصال عن إسبانيا بحلول عام 2017 لكن المحكمة الدستورية العليا أوقفتها.

وفي تحد للمحكمة الدستورية أجرت الحكومة الكاتالونية الاستفتاء على الاستقلال في أول أكتوبر الجاري بموجب قانون أصدره البرلمان الكاتالوني، مما دفع الشرطة الإسبانية لمحاولة تعطيل الاستفتاء بالقوة، وهو ما تسبب في اشتباكات أدت إلى سقوط عدد من المصابين.

وجاء إجراء الاستفتاء نتيجة لتصميم الكتالونيين على الاستقلال باعتبارهم «أمة» لها ثقافة وتاريخ خاص بها، فالقومية الكاتالونية تم إحياؤها كفلسفة سياسية منذ عام 1880 ثم تبناها الحزب الوطني الكاتالوني (ليجا ريجيوناليستا) خلال النصف الأول من القرن العشرين، عبر المطالبة بكومنولث كاتالوني يضم المقاطعات الأربع للإقليم.

ومنذ عام 1980 تواجدت الأحزاب الداعمة للاستقلال في كل الحكومات الكاتالونية وأشهرها حزب الاتحاد الذي حكم كاتالونيا بين عامي 1980 و2003 ، وعاد إلى السلطة عقب انتخابات 2010 ، وكذلك الائتلاف القومي الحاكم والذي يتمتع بالأغلبية في البرلمان منذ انتخابات 2015 حتى الآن.

وتتبنى غالبية الأحزاب الكاتالونية قضية الانفصال عن إسبانيا وفي مقدمتها الحزب الجمهوري والديمقراطي الأوروبي الكاتالوني والتقارب الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي والنقابات العمالية، بينما ترفضها أحزاب غير قومية كالخضر والاشتراكيون، وهما يطالبان بالبقاء ضمن النموذج الفيدرالي الإسباني في إطار دولة متعددة القوميات.

وتعد قضية الهوية القومية الدافع الأول للمطالبة بالاستقلال، فضلا عن شعور معظم الكاتالونيين بوجود تمييز ما ضدهم بشكل أو بآخر، فكاتالونيا تسهم بنحو 19.49% من إيرادات الضرائب للحكومة المركزية بينما لا تتلقى سوى 14% من إنفاق الحكومة المركزية.

والحقيقة أن استقلال كاتالونيا يمثل قضية سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى قبل أن تكون قانونية، فإسبانيا سوف تخسر نحو 20% من إيراداتها التي تحصلها على شكل ضرائب من كاتالونيا، فضلا عن مواجهتها لمطالب محتملة بالانفصال من إقليمي الباسك وجاليسيا.

ويقع إقليم الباسك شمال شبه الجزيرة الإيبيرية ويخضع للحكم الذاتي بموجب دستور 1978 ، وشهد مواجهات مسلحة بين عناصر الأمن ومنظمة إيتا الانفصالية التي أعلنت وقف نشاطها المسلح في عام 2011، بينما تقع جاليسيا في شمال غرب شبه الجزيرة الإيبيرية وتخضع للحكم الذاتي منذ عام 1981، ويهدد انفصال كاتالونيا والباسك وجاليسيا في حالة حدوثه بتفكك إسبانيا علي غرار ما حدث للاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا.

من جهة أخرى فان الاستقلال المحتمل لكاتالونيا سوف يتجاوز حدود إسبانيا، ليؤجج مطالب الحركات الانفصالية في معظم دول أوروبا، وأشهرها الحركة الفلمنكية والتي تطالب باستقلال إقليم الفلاندرز عن بلجيكا، والحزب الوطني الذي يطالب باستقلال إسكتلنديا عن المملكة المتحدة، وحركات أخرى تطالب باستقلال صقلية وسردينيا وفينيسيا عن إيطاليا، وانفصال كورسيكا عن فرنسا، وبافاريا عن ألمانيا، وبريتاني ونورماندي عن فرنسا.

وهو تهديد دفع الحكومات الأوروبية لعدم التعاطف مع نتائج الاستفتاء على استقلال كاتالونيا، والذي لم يحظ إلا بتأييد إيرلندا الشمالية وإسكتلنديا والباسك، ومن جانبه أعلن الاتحاد الأوروبي أن كاتالونيا لن تصبح حال استقلالها عضوا فيه، بل ورفض حتى الآن كل محاولات كاتالونيا استدراج المفوضية الأوروبية باعتبارها الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي للقيام بدور الوساطة .

من ناحية أخرى فشل استفتاء كاتالونيا في الحصول على التأييد الدولي، فالأمم المتحدة رفضت المشاركة في الرقابة على عملية الاستفتاء، بينما اعتبرت الصين وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا وألمانيا والمملكة المتحدة والبرتغال ما جرى شأنا داخليا إسبانيا. وهكذا ومع تلويح الحكومة الكاتالونية بالعصيان المدني لإقرار استقلال من جانب واحد، وتهديد الحكومة الإسبانية باستخدام صلاحياتها الطارئة لبسط السيطرة الإدارية الكاملة على كاتالونيا، وبالتالي إلغاء تمتعها بالحكم الذاتي، يبدو أن الأزمة بين كاتالونيا وإسبانيا تتجه نحو تطورات يصعب التنبؤ بها حتى الآن على الأقل .