أفكار وآراء

وهم إعادة التفاوض حول الاتفاق الإيراني

22 سبتمبر 2017
22 سبتمبر 2017

فيليب جوردون -

ترجمة قاسم مكي -

واشنطن بوست -

على الرغم من أن ترامب وعد أثناء حملته الانتخابية بأن تكون أولويته رقم واحد هي «تفكيك الاتفاق النووي مع إيران» إلا أنه امتنع حتى الآن عن فعل ذلك. بل في الحقيقة وخلال ما يقرب من 8 أشهر قضاها حتى الآن في سدة الرئاسة، أبلغ ترامب الكونجرس مرتين أن إيران ملتزمة بذلك الاتفاق، وواصل من جانبه وقف تطبيق العقوبات الاقتصادية التي سبق أن وافقت الولايات المتحدة على رفعها كجزء من الاتفاق. وفي 14 سبتمبر، وهو الموعد الذي مضت عليه عدة أيام للنظر في قرارات وقف هذه العقوبات، جدد الرئيس ترامب وقفها وأضاف أخرى. وإذا كان اتخذ موقفا مغايرا فان الولايات المتحدة ستتهم بتدمير اتفاق يجمع على نجاحه مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل وكل بلد آخر في العالم. ولكن في ذات الوقت يقال إن ترامب وبعض كبار مسؤوليه يفكرون الآن في خطة جديدة فحواها عدم تدمير الاتفاق، ولكن إعادة التفاوض على اتفاق أفضل منه من وجهة نظرهم . وبحسب الكاتب الصحفي بمؤسسة بلومبيرج إيلى ليك، يعتقد مسؤولو الإدارة الأمريكية أن ذلك يمكن تحقيقه بتمرير الموضوع الى الكونجرس لاتخاذ إجراء واستخدام التهديد بتجديد العقوبات كرافعة (وسيلة ضغط) لدفع الإيرانيين الى الموافقة على إجراء تغييرات جوهرية في الاتفاق. وستشمل مثل هذه المراجعات تعديلات في فترة سريان القيود المفروضة على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم وتشديد القيود على تطوير الصواريخ الباليستية وتوسيع نطاق السماح للمفتشين الدوليين بزيارة المواقع العسكرية الإيرانية. ورغم جاذبية النتائج التي يمكن أن تنشأ عن ذلك إلا أن الاعتقاد بأنها يمكن تحقيقها بهذه الطريقة ليس اكثر من وهم . عمليا لا توجد فرصة في أن توافق الأطراف الأخرى في خطة العمل الشاملة المشتركة (الدول الخمس الكبرى الأخرى) على الإصرار على مثل هذه التعديلات (حتى تحت التهديد بفرض «عقوبات ثانوية» من جانب الولايات المتحدة). كما لا توجد فرصة فعلية في أن توافق إيران على التعديلات حتى إذا جرت محادثات على نحو أو آخر. فبدلا عن التوصل الى اتفاق جديد وأفضل، سنعود بسرعة الى حيث كانت إيران تتقدم باتجاه امتلاك القدرة على تصنيع الأسلحة النووية. وسيكون على الولايات المتحدة حينها أن تقرر إما قبول ذلك (التقدم الإيراني الحثيث نحو القنبلة النووية- المترجم) أو منعه بالقوة العسكرية. ولكن هذه المرة لن يكون هنالك دعم دولي للولايات المتحدة فيما هي تواجه، في نفس الوقت، أزمة نووية ملحة في كوريا الشمالية. المقاربة المحتملة للإدارة الأمريكية والتي روَّج لها خبير العقوبات مارك دوبويتز بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية وأشارت إليها تلميحا في خطاب ألقته هذا الشهر نيكي هالي، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ستتضمن إخطار ترامب للكونجرس في منتصف أكتوبر القادم بأنه لم يعد في مقدوره الشهادة بالتزام إيران بالاتفاق. ويمكن أن يعزو هذا الامتناع عن الإدلاء بشهادته بالإشارة إلى بعض الانتهاكات «الفنية» البسيطة التي اتهمت بها إيران. وإذا بدا أن ذلك مبالغة منه (غير مبلوعة) بالنظر الى التقارير المتكررة التي تشير الى العكس من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكنه أن يعلن ببساطة أن الاتفاق ليس في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. وهذا معيار آخر ورد في تشريع الكونجرس الذي سمح بالمضي قدما في تنفيذ الاتفاق. وحينها سيجد الكونجرس نفسه حرا لإعداد العقوبات التي، بحسب الخطة، ستجبر الجميع على العودة الى طاولة المفاوضات. لكن ما لم يتم شرحه هو ما الذي سيحدث حين لا يتحقق ذلك السيناريو الوردي؟ ستعتبر الولايات المتحدة في هذه الحال، منتهكة لاتفاق كان ناجحا وسيشعر الإيرانيون بأنهم أحرار في استئناف أنشطتهم النووية وسيكون من المستحيل إعادة تشكيل التحالف الدولي القوي الذي أجبر إيران ابتداء على الجلوس الى طاولة المحادثات، وكذلك إعادة فرض العقوبات الدولية. يصعب القول إن المخاوف من تطوير إيران للصواريخ الباليستية ومن أنشطتها المقوضة للاستقرار حول الشرق الأوسط في غير محلها. وان العقوبات الدولية يمكن، بل يجب، استخدامها لمعاقبة ايران على مثل هذه الأنشطة- حسب وجهة النظر الأمريكية -. ولا يتضارب ذلك مع الاتفاق النووي. كما من المعقول أيضا الشروع في محادثات مع الشركاء الدوليين الرئيسيين حول كيفية التعامل مع إيران بعد انتهاء سريان بعض القيود النووية في الاتفاق الحالي. ولكن محاولة ابتداع اتفاق جديد تماما ومفاجئ يتناول كل جانب إشكالي في سياسة إيران الخارجية ويغلق الطريق أمامها نحو الحصول على السلاح النووي «وصفة» للفشل في تحقيق أي من هذه الأهداف. يحب منتقدو الاتفاق النووي الإيراني الإشارة الى كوريا الشمالية كحالة تستوجب معارضة الاتفاقات «المعيبة». من وجهة نظرهم، ولكن السابقة الكورية الشمالية تحمل في الواقع رسالة مختلفة. فبعد فترة ليست بالطويلة من تفاوض إدارة كلينتون حول اتفاق في عام 1994 لوقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية، سحبت أغلبية جمهورية في الكونجرس منتخبة لتوها مساندة الاتفاق وأصرت على وجوب سعي إدارة كلينتون للتفاوض حول «اتفاق أفضل». وليس من المفاجئ أن ذلك الموقف أدى، جزئيا، ليس فقط إلى عدم حصولنا على اتفاق أفضل ولكن على أي اتفاق آخر وإلى (أزمة) كوريا الشمالية المصابة برهاب الخوف والمسلحة نوويا التي نتعامل معها اليوم. يجب أن يضع الكونجرس والحكومة الأمريكية هذه السابقة في البال قبل أن يرتكبا نفس الخطأ مرة أخرى.

• الكاتب زميل أول «ماري وديفيد بويز» في السياسة الخارجية الأمريكية بمجلس العلاقات الخارجية. عمل منسقا لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الخليج بالبيت الأبيض في الفترة 2013- 2015