أعمدة

نوافـذ :نحن .. «ما نسامحش»

22 سبتمبر 2017
22 سبتمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

جملة «ما نسامحش» هي ردّ على مشروع قانون في إحدى الدول العربية التي جرى فيها الحراك الشعبي والذي أدى إلى تغيير رئيس تلك الدولة، وتفيد التقارير التي استمعت إليها – من إحدى الإذاعات - أكثر من أنني قرأتها أن مشروع القانون معروض على البرلمان في تلك الدولة، وأن أعضاء البرلمان بين موافق ورافض له، والقانون يسعى إلى إعفاء كل المتورطين في قضايا الفساد في العهد السابق، خاصة الذين يثبتون أن ممارستهم للفساد الإداري والمالي لم يكن بمحض إرادتهم، وإنما كانوا في موقع المأمور، وفي النص المعروف: «رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه».

هذه الصورة برمتها هي نفسها التي تمر على الإنسان في حالات الرخاء، واقصد به الرخاء النفسي، حيث هدأت العواطف، وسكنت الانفعالات، ولم يبق إلا صوت العقل، والعقل معروف عنه حياديته التامة في الحكم على الأمور، ولذلك يقال : عندما تكون في حالة غضب؛ إن كنت واقفا؛ فاجلس، وإن كانت جالسا فاتكئ، لأنه في تبدل الهيئة من حالة إلى حالة يدخل العقل كمنقذ للموقف؛ بعد تهيج العاطفة في لحظة الانفعال، حيث يدخل هنا العقل فيفتت جملة الانفعالات القائمة في لحظة الغصب، وفي حالة الغضب معروف أن الإنسان يكون في حالة من عدم التوازن النفسي، والخلقي، ولذلك يأتي بتصرفات لا تعبر عن ما عرف عنه من سمو الخلق، ومن توازن في التعاطي مع أي طرف كان، فـ «المرء في المحنة عي» كما هو المثل، ولذلك قيل أيضا: «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

نعيش كلنا حالات من التصادم مع الطرف الآخر، وتحدث في تلك المصادمات الكثير من المواقف، وأغلبها مواقف يزداد فيها سقف الانفعالات، وتكون نتائجها مؤلمة على النفس إلى حد كبير، وعندما تكون المراجعة بعد الهدوء المرتقب الذي يأتي بعد العاصفة، كما هو الحال دائما، تتسلسل مجموعة «النفس اللوامة»، لتزيد عبئا نفسيا آخر على الإنسان، لأن الطبيعة البشرية «الفطرة» هي الالتفاف والتقارب والالتحام، وهي الصورة المعبرة عن «اجتماعية» الإنسان السوي، أما عندما تكون هناك صورة مغايرة لهذا الواقع، فإن هناك طرفا آخر يلعب بمقدرات مشاعر الإنسان وعواطفه، ويذهب به إلى تلبس حالة من اللاإنسانية، وهو الطرف المسؤول عن مختلف الممارسات الـ «شيطانية» التي تقذف بسكون هذا الإنسان وهدوئه إلى مصاف المظان الصعبة، والتي غالبا ما يدفع فيها الإنسان ثمنا غاليا، دون أن تكون هناك فائدة توازي هذا الثمن المدفوع.

أقرأ شخصيا من مشروع (نحن .. «ما نسامحش») مراجعة في غاية الإنسانية، فبعد مرور أكثر من سبع سنوات على ما حدث، يأتي تبني هذا المشروع اليوم ليعيد إلى الأنفس نوعا من الأمل أن الوطن كبير وقادر على استيعاب أبنائه مهما أخطأوا في حقه، وأن الأوطان لا تنتصر إلا بأبنائها، مهما غالى هؤلاء الأبناء في تقزيم العلاقة بينهم وبين أوطانهم في لحظات الضعف، وما أكثرها، خاصة عندما تمر على الإنسان ضائقة مادية، أو نفسية، أو اجتماعية، حيث لا يقدره المجتمع؛ ولا يستمع إلى صوته وبوحه، ويجد أرضية خصبة من الاحتقان تروج له مجموعة حمقى؛ ينجر عندها إلى المسالك المهلكة له ولوطنه، وهذا كثير ما يحدث، وليست حالات شاذة في حيوات الأوطان، وهي ذات المراجعة التي يمكن إسقاطها على الإنسان الفرد، عندما يصطدم بآخر: أخ، صديق، قريب، جار، تجمع بينهما مصلحة ما، أي شخص آخر في السوق، في الطريق، حيث يؤدي هذا الاصطدام إلى إرباك مجموعة القيم التي يحملها كل طرف، فتنهار من شدة الانفعال، ويصبح صوت القوة والتهديد والوعيد هو السائد، ولكن بعد ما تهدأ العواطف، إلا وترى الطرفين يحضن بعضهما بعضا؛ في حالة من الذهول، هذا هو الإنسان في فطرته.