أعمدة

رماد: الواسطة المُقيتة

20 سبتمبر 2017
20 سبتمبر 2017

حميد بن فاضل الشبلي -

com.‏humaid.fadhil@yahoo‏ -

الواسطة هي إحدى الأسلحة الفتاكة في حياة أي مجتمع، ولذلك تُعتبر من ضمن السلوكيات الممنوعة والمحظورة دوليا وقانونيا وأخلاقيا، ولا تقل شأناً عن خطر الأسلحة الفتاكة المستخدمة في المعارك والحروب، وعندما تتواجد هذه الآفة المقيتة في تعامل أي مجتمع، فإن طائلة التخلف والظلم وظهور الكفاءات الضعيفة تبدو ظاهرة للعيان في حياة وسلوك ذلك المجتمع .

إن أبسط تعريف لمفهوم الواسطة هو أنها (تُحرم المستحق)، وكذلك هي تجاوز للأنظمة واعتداء على الحقوق ومنحها لمن لا يستحقها، كما يعرفها البعض على أنها أخطر أنواع الفساد الخفي، الذي يُدمر ويُهلك المجتمعات ويُدخلها في عاصفة الفساد الإداري والمالي، وبسبب هذه الواسطة المحرمة شرعا وعرفا، تمت استباحة الأنظمة والاعتداء على القوانين، ولذلك سنجد فئة يطبق عليها القانون، وأخرى لا تهتم ولا تكترث ولا تضع أي احترام لأي حكم أو قانون، كما يفسرها المثل المحلي (حد ولد سبعة وحد ولد تسعة)، وبسبب هذا المرض الخبيث قُتلت أحلام كثير من المجيدين، وصعدت أسماء المطبلين والمقربين وأتباع وحاشية أولئك الفاسدين، كم من موهبة مبدعة وكفاءة مخلصة دُفنت وطُمست من مواصلة مشوار تألقها وتميزها، واستُبدلت بفئة امتلكت ما لم تمتلكه تلك الفئة الكادحة من دعم ومساندة أصحاب الواسطة الخفية، كثير من المؤسسات كانت في حاجة ماسة لإبداع وإخلاص أبنائها، وذلك لما تمتلكه من طاقة ومعارف ستساعد على التطوير والتعمير، ولكن تلك المؤسسات ظُلمت قبل أن يُظلم أولئك المبدعين، حينها لا عجب عندما تقل الإنتاجية ويسود بين العاملين التذمر والحقد والعدوانية.

في عالم الحياة المدنية الحديثة تكثر الشعارات والنداءات التي تدعو إلى العدالة الاجتماعية، لأنها إن فقدت هذه الخاصية فإن ذلك سيترتب عليه فقدان تطور ونمو ذلك المجتمع، ولكن عندما يشعر جميع الأفراد بالمساواة وأن الأنظمة والقوانين مطبقة سواء على الجميع، عندها لن يجرؤ أي فرد على أي تجاوز أو اعتداء.

إن الرسالة التوعوية التي نأمل أن نوجهها للمجتمع ومؤسساته حول ظاهرة الواسطة المُقيتة، هو توعية الجميع حول العواقب المستقبلية التي ستورثها تلك الظاهرة عندما تسود في حياة أي مجتمع، ولعل أبرزها هو مدى الإحباط الذي سيتولد للأجيال القادمة، والتي سترى أنه لا فائدة من الجد والاجتهاد في العمل إذا لم تكن مدعوماً عبر أطراف خفية، وبالتالي سيقل الإنتاج والإبداع في عمل أي مؤسسة، وسيلجأ الناس إلى التعامل المادي والرشوة والتحايل، وكذلك الأمر عندما يضعف تطبيق القوانين في عمل أي مؤسسة، فإن ذلك سيزيد من عدد المتهاونين والمتخاذلين والمتجاوزين لأي نظام أو قانون صادر من تلك المؤسسة، وعليه يتطلب من الجميع أن يكون القدوة في تطبيق الأنظمة والقوانين، وأن لا يكون التعامل مع طرف يختلف عن بقية الأطراف، وكذلك الأمر يتطلب دعم المواهب المجيدة في عمل كل مؤسسة، لتكون مثال للمواهب والإبداعات القادمة، كما تتضمن رسالتنا التوعوية نصيحة لأولئك المُنتعشين بنتائج الواسطة السقيمة، إن فرحتكم بسلب حقوق المظلومين، لن تغفلها عين الله السميع العليم، الذي توعد بنصرة المظلوم ولو بعد حين، كما نذكرهم بأن باب التوبة مفتوح عند الله الغفور الرحيم، اللهم هل بلغت .. اللهم فأشهد.