أفكار وآراء

تطرف «الخيارات».. في مواجهة جموح «التصرفات»!

16 سبتمبر 2017
16 سبتمبر 2017

محمد حسن داود -

،،أغلب الظن أن أجهزة المخابرات الأمريكية والمؤسسات العسكرية المعنية سواء في الولايات المتحدة أو في حلف «الناتو» لديها تصور كامل بالأهداف الاستراتيجية التي يمكن أن تقدم على مهاجمتها وتدميرها على الأراضي الكورية الشمالية وسحقها في غضون ساعات،،

وأغلب الظن أيضا أن الخطط العسكرية المحكمة والدقيقة لتنفيذ مثل هذا السيناريو موجودة بالفعل وربما منذ سنوات ليست بالقليلة، ولكن من المؤكد أن مثل هذا الخيار سيظل مؤجلا إلى أبعد مدى زمني ممكن ولن يطرح كخيار للتنفيذ العملي إلا في حالات معينة من بينها بلوغ درجة عالية جدا من اليأس في معالجة الملف الكوري الشمالي، فضلا عن ضرورة بروز خطر حقيقي من جانب البرامج النووية والصاروخية لبيونج يانج على منظومة الدول الغربية متمثلة في الولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا، والخطر المقصود هنا يتمثل في ظهور نوايا مؤكدة للنظام الكوري الشمالي لاستخدام ما يمتلك من صواريخ باليستية وأسلحة نووية ضد خصومه وأعدائه، وليس خافيا أن الأوضاع الآن لا تزال تحت السيطرة وكل ما تمارسه بيونج يانج حاليا يتم داخل حدودها وفي إطار حق السيادة برغم ما يمثله من خطورة حقيقية في ضوء التداعيات والنتائج المرتقبة لمثل تلك التصرفات التي تزداد مساحة الإدانة الدولية لها يوما بعد آخر. وفرضية استبعاد العمل العسكري الشامل ضد كوريا الشمالية قائمة منذ سنوات بعيدة لعديد من الأسباب المعروفة والمعلنة، على رأسها بالتأكيد أن هذه الخطوة في حالة حدوثها ستكون هي بعينها سيناريو الجحيم الذي ترفضه القوى الإقليمية تماما، وقد تأكدت تلك الفرضية حتى مع زيادة الجموح النووي- الصاروخي من جانب بيونج يانج خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو ما اتضح في حالات الرفض المزدوجة من جانب قوى إقليمية ودولية عديدة حرصت على إدانة التصرفات الكورية الشمالية ورفض الاعتراف بها قوة نووية، وفي الوقت ذاته رفض أي عمل عسكري لإنهاء الطموحات «المنفلتة» من جانب كيم جونج أون، ولكن في الوقت ذاته هناك بالفعل حالة من الحيرة وربما الارتباك الدولي في تحديد الأسلوب الأمثل في مواجهة تلك الطموحات، وأنعكس ذلك في حالة التشرذم الدولي في طرح التصورات الممكنة إلى الحد الذي أدى إلى ظهور أو بمعنى أدق تسريب تقارير عن خيارات يمكن اعتبارها خيارات متطرفة في مواجهة التصرفات الجامحة من جانب بيونج يانج. من بين تلك الخيارات على سبيل المثال لا الحصر ما كشفت عنه وسائل إعلام بريطانية عن أن وحدة خاصة في القوات الأمريكية تابعة للبحرية الأمريكية تعرف بـ«نيفى سيل» تدرب الجيش الكوري الجنوبي لاغتيال كيم جونج أون، وتشارك الوحدة الخاصة التي أرسلت إلى باكستان عام 2011 لقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في تدريبات سرية إلى جانب الكوماندوز الكوري الجنوبي لاغتيال الزعيم الكوري الشمالي حال نشوب حرب، وأن وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أنشأت فريق الاغتيال الكوري الجنوبي المقرر أن يكون جاهزا في ديسمبر المقبل لتحييد «القيادة والسيطرة» على الأنظمة في الشمال، ونقلت التقارير عن سونج يانج- مو وزير الدفاع الكوري الجنوبي قوله «نحن بصدد وضع تصور للخطة» معربا عن اعتقاده أن الوحدة يمكن إنشاؤها بحلول أول ديسمبر، وأوضحت وسائل إعلام محلية، أن وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أطلقت خطة لقتل كيم أطلق عليها اسم «العقاب الكوري والانتقام الكبير» وأفادت التقارير، أن الخطة جزء من «نظام ثلاثي المحاور» يشمل أنظمة سول المحلية المضادة للصواريخ المحلية، والدفاع الجوي والصاروخي الكوري، وهو نظام ضربات وقائية. بينما نقلت تقارير كورية جنوبية عن مصدر استخباراتي قوله «إننا لا نريد ذلك الآن ولكن صبر بلادنا ليس بلا محدود» وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها سيول للتخلص من الجار الشمالي المزعج، إذ خططت إدارة الرئيسة الكورية الجنوبية السابقة بارك جوين هيه لاغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، وكان من المفترض تنفيذ الاغتيال بطريقة توحي بأنه مجرد حادث سيارة أو قطار، كما أن تدبير الانقلاب كان من الخيارات المحتملة أيضا. ووفقا للمصدر، فقد وقعت بارك جوين هيه على مرسوم بشأن الإطاحة بنظام كوريا الشمالية في أواخر عام 2015، مكلفة جهاز الاستخبارات الوطنية مهمة التخطيط لعملية الاغتيال، ويأتي ذلك ضمن جملة من خيارات العمل «الاستخباراتي» التي يرى الغرب أنها يمكن أن تجنب العالم حربا كارثية، تزامنا مع محاولات المجتمع الدولي فرض أقوى حزمة من العقوبات الدولية الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية الممكنة على كوريا الشمالية، إلا أن المؤشرات كافة تؤكد أن مثل هذه التحركات لن تكون مثمرة أو فورية التأثير. وفي حين تذهب تحليلات عديدة إلى فرضية أن بيونج يانج تحتمي في تصرفاتها بالمظلة الصينية، إلا أن تحليلات أخرى لا تستبعد أن يكون الرئيس الكوري الشمالي قد وقع في إطار شعور بأنه ضحية صفقة سرية بين واشنطن وبكين، خصوصا بعد تعليق الصين في مطلع العام الجاري استيراد الفحم من كوريا الشمالية، رغم علمها أنه يشكل موردا حيويا بالنسبة لنظام بيونج يانج، فضلا عن إجازة بكين في مجلس الأمن الدولي إقرار سبع مجموعات من العقوبات تبناها المجتمع الدولي ضد بيونج يانج خلال السنوات الأخيرة. وربما لا يخفى على بيونج يانج أن العملاق الآسيوي الذي كان يستورد 90 بالمائة من الصادرات الكورية الشمالية، قد بات هدفا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يلح في مطالبته بمضاعفة الضغوط على الحليف المزعج والجار المشاغب لتعليق برامجها النووية والصاروخية والكف عن تهديد جيرانها واستفزاز واشنطن، حتى أن ترامب لم يتوان عن التهديد بتعليق التبادل التجاري مع الدول التي تباشر أي صورة من صور التعاون مع بيونج يانج. وعلاوة على ما سبق، تتملك نظام بيونج يانج رغبة عارمة في تشكيك المجتمع الدولي والرأي العام العالمي في جدوى العقوبات الدولية والأحادية المفروضة عليها، والتي لا يتوقف الغرب عن فرض المزيد منها، حيث يريد الرئيس الكوري الشمالي توصيل رسالة للقاصي والداني مفادها أن فرض أية عقوبات جديدة على بلاده لا يمكن أن يمنعها من إجراء المزيد من التجارب النووية أوالصاروخية، لاسيما أن بلاده تتعرض منذ سنوات لعقوبات تعد الأقسى والأشد وطأة في تاريخ البشرية، لكن هذه العقوبات لم تفلح في إجهاض مساعي بيونج يانج لتطوير قدرات نووية أوصاروخية، بل والتمكن من تصنيع رأس نووي متطور يمكن تحميله على صاروخ عابر للقارات، حسب تقارير كورية جنوبية رسمية، علاوة على التوصل إلى إنتاج قنبلة هيدروجينية تؤكد وزارة الدفاع الكورية الجنوبية قوتها بخمسين كيلو طناً، ما يجعلها أقوى بثلاث مرات من قنبلة هيروشيما وناجازاكى اللتين أطلقتهما واشنطن ضد اليابان في أغسطس من العام 1945، فيما صرح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو، بأن اختبار بيونج يانج قنبلة هيدروجينية قد نقل تهديدها من مستوى إقليمي إلى آخر عالمي، كما أعطاه بعدا جديدا على صعيد الإمكانات والقدرات. وفي ضوء كل ما سبق ويجري على أرض الواقع في شبه الجزيرة الكورية وعلى صعيد العواصم الكبرى الفاعلة في هذه الأزمة، يمكن القول إن هناك بالفعل حالة من الارتباك والانقسام، وربما التشرذم، في التعامل مع الملف الكوري الشمالي بعدما أصبحت طموحات بيونج يانج الصاروخية والنووية أشد جموحا وبلا لاجم لها، بينما الخيارات العسكرية للمعسكر الغربي للتصدي لهذه الطموحات محدودة جدا إلى حد العدم، إن لم يكن قد فات أوانها بالفعل حتى وإن بدت في الأفق ممكنة الحدوث بحكم امتلاك القوة، ولكن يظل امتلاك الحكمة أكثر أهمية من امتلاك القوة، ما يعني أن البحث عن حلول أخرى أكثر تطرفا قد تأتي ثمارها بلا خسائر كارثية هو الخيار الأكثر احتمالا، وتبقى الآلية فقط هي موضع التساؤل.