أفكار وآراء

عقوبات مجلس الأمن ..هل تردع كوريا الشمالية؟

13 سبتمبر 2017
13 سبتمبر 2017

عبد العزيز محمود -

يبدو أن تهديدات كوريا الشمالية باتخاذ تدابير انتقامية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في حالة إقرار مجلس الأمن الدولي لعقوبات صارمة ضدها لم تذهب سدى.

فمشروع العقوبات الأمريكي قد تم تعديله بناء على ضغوط صينية روسية، ليخلو من أي حظر تام على واردات كوريا الشمالية من النفط أو تجميد لأرصدتها المالية في الخارج بما فيها تلك المملوكة للرئيس الكوري الشمالي « كيم جونج اون ».

كما خلا المشروع من أي حظر تام لاستخدام العمالة الكورية الشمالية حول العالم أو استخدام القوة عند تفتيش سفن البضائع المتجهة من وإلى كوريا الشمالية.

وبدا واضحا أن مجلس الأمن بغالبية أعضائه لديه قناعة بأن فرض تلك العقوبات سوف يرفع حالة التوتر في جنوب شرق آسيا لمستويات لا يمكن السيطرة عليها.

والأهم من كل ذلك أن الصين وروسيا، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن وحليفتان رئيسيتان لكوريا الشمالية، لم يكن بوسعهما القبول بعقوبات تهدد استقرار النظام الكوري الشمالي، بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات.

وإزاء كل هذه المعطيات اضطرت واشنطن لإبداء قدر من المرونة، فالتصميم على الصيغة الأصلية للعقوبات كان يعني استخدام حق الفيتو من جانب الصين وروسيا، كما أن الصيغة المعدلة تضرب إلى حد ما قدرة كوريا الشمالية على تمويل برامجها التسليحية. !

وهكذا صدر قرار مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي (11سبتمبر الجاري) بفرض عقوبات دولية على كوريا الشمالية تضع سقفا على وارداتها من النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة بحيث لا تتجاوز ٢ مليون برميل سنويا، واستمرار الحظر المفروض على صادراتها من المنسوجات.

كما تضمن القرارـ الذي جاء ردا على قيام بيونج يانج في ٣ سبتمبر الجاري بإجراء تجربة نووية سادسة - تكثيف عمليات التفتيش على سفن البضائع المتجهة من وإلى كوريا الشمالية ، دون اللجوء في ذلك إلى استخدام القوة.

ودعا مجلس الأمن إلى استئناف المحادثات السداسية لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية ، والتي توقفت في عام ٢٠٠٩، وهي محادثات تشمل كوريا الشمالية والجنوبية والصين وروسيا واليابان والولايات المتحدة.

وبدا واضحا من الصيغة المعدلة لقرار العقوبات استمرار الخلافات بين القوى الكبرى حول كيفية إقناع بيونج يانج بالتخلي عن برنامجيها النووي والصاروخي، فبينما تراهن الإدارة الأمريكية على العقوبات، تشكك الصين وروسيا في جدواها.

والمؤكد أن العقوبات الجديدة سوف تلحق أضرارا بالاقتصاد الكوري الشمالي، الذي يعاني جراء عقوبات سابقة، فحظر صادراتها من المنسوجات (الثانية في الترتيب بعد الفحم)، سوف يحرم بيونج يانج من نحو ٧٥٢ مليون دولار سنويا، كما أن تقييد وارداتها من النفط الخام والمنتجات النفطية سينعكس على الحياة اليومية للكوريين الشماليين ، لكنه لن يؤثر علي الجيش الكوري الشمالي ، الذي يحتفظ بمخزون كاف من الوقود لضمان استمرار عملياته.

ورغم أن القرار الأخير الذي أصدره مجلس الأمن هو التاسع منذ عام ٢٠٠٦ ، لكن من غير الوارد أن يدفع بيونج يانج إلى التخلي عن طموحاتها النووية والصاروخية. ففي نوفمبر ٢٠١٦ حظر مجلس الأمن ٦٠٪ من صادرات الفحم، وفي مايو ٢٠١٧ أجرى الكوريون الشماليون اختبارا على صاروخ قادر على حمل رؤوس نووية.

وفي يونيو ٢٠١٧ حظر مجلس الأمن سفر ١٤ مسؤولا، وجمد أصول ٤ كيانات، وفي يوليو ٢٠١٧ أجرى الكوريون الشماليون اختبارا لصاروخ باليستي عابر للقارات.

وفي أغسطس الماضي حظر مجلس الأمن ، كل صادرات كوريا الشمالية من الفحم ، وهو ما تسبب في خسائر بلغت مليار دولار سنويا. وفي سبتمبر الجاري أجرت بيونج يانج اختبارا لقنبلة هيدروجينية يمكن تصغيرها وتحميلها على صاروخ بعيد المدى.

ويدرك الرئيس الكوري الشمالي « كيم جونج أون» جيدا أن بقاء نظامه يتوقف على تعزيز القدرات العسكرية لبلاده خاصة النووية والصاروخية، باعتبار ذلك حقا مشروعا لأية دولة ذات سيادة. ومن جانبها تخشى الولايات المتحدة قيام الزعيم الكوري الشمالي ببيع الأسرار التكنولوجية لبرنامجه الصاروخي لمن يدفع الثمن، وقيامه فور امتلاكه للسلاح النووي بتوحيد شبه الجزيرة الكورية بالقوة، وهو ما يشكل تهديد حليفتها كوريا الجنوبية، وأيضا للأمن القومي الأمريكي.

وهذا ما دفع واشنطن لنشر مزيد من انظمة الصواريخ المضادة للصواريخ قبالة الساحل الغربي للولايات المتحدة، وأيضا في كوريا الجنوبية واليابان وتايوان.

كما دفعها للإعلان عن انها لا تستبعد اللجوء للخيار العسكري في حال قيام بيونج يانج بنشر صواريخ بعيدة المدى تشكل تهديدا للأراضي الأمريكية.

لكن بيونج يانج ، لوحت مجددا باستهداف كوريا الجنوبية، حيث يتمركز30 الف جندي أمريكي، وكذلك القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان وجزيرة جوام بالمحيط الهادئ.

وفي مواجهة التهديد الأخير أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي « ينس ستولتنبرج» أن حلف الناتو لن يقف مكتوف الأيدي في حال توجيه أي ضربة صاروخية ضد القواعد الأمريكية في المحيط الهادي.

ومن جانبها عرضت ألمانيا على لسان المستشارة أنجيلا ميركل القيام بدور الوسيط بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، في محاولة لإجراء مباحثات طويلة الأمد شبيهة بتلك التي أجريت مع إيران، وانتهت عام 2015 برفع العقوبات الدولية مقابل وقف طهران لأنشطتها النووية، وهو عرض لم يلق ترحيبا من بيونج يانج.

كما دعت الصين وروسيا إلى تعليق الاختبارات النووية والصاروخية في كوريا الشمالية مقابل وقف التدريبات العسكرية الأمريكية الكورية الجنوبية، ووقف نظام ثاد المضاد للصواريخ والذي تعتبره الصين تهديدا لأمنها وجيرانها، مقابل وقف بيونج يانج لبرامجها التسليحية، وهو اقتراح رفضته واشنطن.

ومن الواضح أن إدارة الرئيس ترامب تراهن على تطبيق سيناريو الدولة المعزولة بفرض مزيد من العقوبات على كوريا الشمالية، بينما لا تبدي الأخيرة اكتراثا بالعقوبات المفروضة عليها، وتواصل تطوير قدراتها الدفاعية.

والنتيجة أن بيونج يانج أصبحت قادرة بالفعل على ضرب أهداف في كوريا الجنوبية واليابان، وتسعى عبر اختباراتها الصاروخية المتتالية لتطوير قدرتها على بلوغ قاعدة جوام الأمريكية. ويراهن الرئيس الكوري الشمالي « كيم جونج اون» على كسب مزيد من الوقت حتى يتم الاعتراف ببلاده كقوة نووية، يمكنها فرض شروطها في أي مفاوضات لاحقة، سواء مع الولايات المتحدة، أو مع جيرانها كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، وطبقا لتقديرات واشنطن فإن بيونج يانج يمكنها خلال فترة تتراوح ما بين عامين إلى أربعة أعوام أن تمتلك صواريخ بعيدة المدى بإمكانها الوصول إلى أهداف داخل الولايات المتحدة.

وهكذا ومع عدم قدرة النظام الدولي على فرض عقوبات صارمة ضدها، فإن كوريا الشمالية سوف تواصل تعزيز قدراتها النووية والصاروخية، مما قد يؤهلها في مرحلة ما لدخول النادي النووي، وبالتالي تغيير قواعد اللعبة بالكامل في جنوب شرق آسيا.