الملف السياسي

حسابات «بيونج يانج» .. وفجوات عدم الثقة

11 سبتمبر 2017
11 سبتمبر 2017

بشير عبد الفتاح -

,, يعتبر نظام بيونج يانج حيازة منظومة متكاملة وفاعلة من الأسلحة النووية تتضمن عددا من القنابل والرؤوس النووية وأدوات إيصالها من الصواريخ الباليستية متنوعة المديات،ضمانة للبقاء وأداة للردع في مواجهة مخططات ومؤامرات واشنطن حسب اعتقاده ,,

بغض النظر عن اتهامات وسائل الإعلام العالمية له بالجنون تارة ، أو عدم الاتزان أو الرعونة تارة أخرى ، يمكن القول إن استراتيجية نظام بيونج يانج الذي يقوده الرئيس كيم جونج أون ، في إدارة التفاعلات مع خصومه والمجتمع الدولي ككل خلال الأزمة الراهنة ، تتأسس على حزمة اعتبارات موجهة ومرتكزات حاكمة ، لعل أبرزها:

التوظيف الاستراتيجى لنظرية المؤامرة، فشأنه شأن غالبية الأنظمة الشمولية التي تأبى إلا الصدام مع المجتمع الدولي ، عمد نظام بيونج يانج إلى الترويج لدعاية سياسية مغرضة من قبيل أنه مستهدف من خصومه الإقليميين والغربيين ،الذين يسعون لإسقاطه وإبادة كوريا الشمالية بغية تأمين حلفاء واشنطن في شبه الجزيرة الكورية ، وكسر إرادة كوريا الشمالية وتقويض سيادتها واستقلالية قرارها، فضلا عن إجهاض مساعيها الحثيثة لتعزيز قدراتها التسليحية لتحقيق الردع الاستراتيجي في مواجهة أعدائها. ومن ثم يعتبر نظام بيونج يانج أن أي تعاون عسكري بين واشنطن وحلفائها ، خصوصا في طوكيو وسول ، إنما يهدف إلى النيل من قوة كوريا الشمالية واستقرار نظامها .

عدم الثقة في المجتمع الدولي : حيث تكتسي استراتيجية نظام بيونج يانج في التعاطي مع الأزمة الراهنة مسحة من عدم الثقة حيال المواقف المتنوعة للأطراف الإقليمية والدولية المختلفة إزاء تلك الأزمة. ففي الوقت الذي تحولت واشنطن في التعامل مع قدرات كوريا الشمالية النووية والصاروخية ، بعد نجاح بيونج يانج في امتلاك وتطوير تلك القدرات من العمل على تقويض البرامج المعنية بهذا الأمر، إلى التركيز على استراتيجية «احتواء الخطر»،أي منع تفاقمه، والحيلولة دون إقدام بيونج يانج على استخدام تلك الأسلحة أو تسريب المنظومات التسليحية أو التكنولوجيا الخاصة بها،إلى أية دول أو جهات أخرى، تميل كوريا الجنوبية إلى تبني نهج تفاوضي في إدارة الأزمة مع الشطرالشمالي، من شأنه أن يفضي إلى إرساء دعائم «نظام سلام » في شبه الجزيرة الكورية يحول بدوره دون حدوث أية مواجهات عسكرية بين دولها. وبدورها طرحت الصين مبادرة لنزع فتيل الأزمة تتضمن عرضا بإنهاء كوريا الشمالية تطوير برامجها النووية والصاروخية مقابل وقف الولايات المتحدة المناورات العسكرية التي تجريها بشكل دوري مع كوريا الجنوبية، وهو المقترح،الذي رفضته واشنطن معتبرة إياه إملاءات غير مقبولة وتمكينا لبيونج يانج من مواصلة تهديداتها وسياساتها الاستفزازية، حيث أكدت مندوبة واشنطن لدى المنظمة الدولية نيكي هايلي رفض بلادها مقاربة «التجميد مقابل التجميد» معتبرة أنها تضعف قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التهديد النووي الذي تشكله كوريا الشمالية.

تحميل واشنطن مسؤولية التوتر المتجدد في شبه الجزيرة الكورية : فمنذ عقود ، لا تكف بيونج يانج عن تحميل الولايات المتحدة مسؤولية تصاعد ذلك التوتر، انطلاقا من عدة معطيات تتصل بالسياسة الأمريكية حيال شبه الجزيرة الكورية ، كان أهمها: إصرار واشنطن على مواصلة كيل الاتهامات والانتقادات لنظام بيونج يانج بإثارة الاضطرابات والتوترات في شبه الجزيرة الكورية والعالم بأسره جراء عدم التزامها بقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان ، بالتزامن مع تهديداتها وسياساتها الاستفزازية المتواصلة لجيرانها وللولايات المتحدة ، إضافة إلى مساعيها الحثيثة لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وأدوات توصيلها من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

ومبكرا، أقدمت واشنطن منذ انتهاء الحرب الكورية في عام 1953 على نشر قرابة ثلاثين ألف جندي أمريكي في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة وبالقرب من الحدود مع الشطر الشمالي ، كما هرعت واشنطن نحو وضع كوريا الجنوبية تحت المظلة النووية الأمريكية ، مقابل امتناعها عن الشروع في إنتاج السلاح النووي أو الحصول عليه جاهزا من أية جهة ، وذلك بموجب اتفاق ثنائي أبرم بين سول وواشنطن عام 1974 ، كذلك وافقت واشنطن على نشر أربع منصات إطلاق صواريخ من نظام «ثاد» للدفاع الصاروخي الأمريكي في موقع سيونججو جنوب سيول، والذي توجد به منصتا إطلاق من ذات النظام منذ فترة، بعد استكمال تقويم بيئي تجريه الحكومة الكورية الجنوبية ، كما باشرت واشنطن إجراء مناورات عسكرية مشتركة وبشكل دوري مع سيول ، وهي المناورات التي تعتبرها كوريا الشمالية تدريبا على غزوها من قبل واشنطن وحلفائها.

وردا على التجربة النووية السادسة التي أجرتها كوريا الشمالية مؤخرا ، وبالتوازي مع شروع الولايات المتحدة وشركائها الغربيين في مجلس الأمن في إعداد مشروع قرار لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية بالتزامن مع إجراءات أحادية لوحت بها واشنطن ضد كل الدول التي تتعامل مع بيونج يانج ، في إشارة الى الصين، تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اتصال هاتفي مع نظيره الكوري الجنوبي مون جاي ، قبل أيام ، بقيام بلاده ببيع سول وطوكيو أسلحة فائقة التطور تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات، فضلا عن رفع واشنطن سقف القدرة الصاروخية لكوريا الجنوبية، بحيث يتجاوز وزن الرأس الحربي للصواريخ الباليستية التي ستحوزها مستقبلا 500 كيلوجرام ، وهو السقف الذي لم يكن مسموحا لسول أن تتجاوزه فيما مضى ، بموجب اتفاق ثنائي تم إبرامه في السابق مع الولايات المتحدة.

تبني استراتيجية تسليحية رادعة : حيث يعتبر نظام بيونج يانج حيازة منظومة متكاملة وفاعلة من الأسلحة النووية تتضمن عددا من القنابل والرؤوس النووية وأدوات إيصالها من الصواريخ الباليستية متنوعة المديات ،ضمانة للبقاء وأداة للردع في مواجهة مخططات ومؤامرات واشنطن وحلفائها للنيل من أمنها واستقرارها. فعلاوة على اعتقاد كوريا الشمالية الراسخ بأن الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الاستراتيجية تمثل الضمانة الوحيدة للدفاع عن سلامة البلاد وبقائها واستمرار نظامها،يتطلع ذلك النظام إلى انتزاع اعتراف دولي ببلاده كقوة نووية وصاروخية يعتد بها، والتعاطي معها على هذا الأساس في قابل الأيام.ولا يثق نظام كوريا الشمالية في التطمينات الأمريكية ، التي لا تتوانى عن نفي أية نية لإسقاط نظام بيونج يانج ، خصوصا بعدما أعلنت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة ، في كلمة لها أمام مجلس الأمن الدولي، أن كوريا الشمالية تسعى إلى نيل الاعتراف بها كقوة نووية لكن هذا لن يحدث لأن بيونج يانج لا تتمتع بالمسؤولية التي يجب أن تترتب على امتلاك هذا السلاح الفتاك، حيث لا يتورع نظامها عن السعي إلى إشعال نيران الحرب .

امتياز العلاقة مع الصين : إذ يتطلع نظام بيونج يانج إلى استثمارالورقة الصينية لكبح جماح التصعيد الأمريكي المتنامي ضد بيونج يانج .فقد سعى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون من خلال التجربة النووية السادسة والمدوية، التي أجراها قبل عدة ايام ، إلى ممارسة بعض الضغوط على القادة الصينيين لحملهم على إقناع واشنطن بالتخلي عن تهديداتها ونهجها التصعيدي ضد بيونج يانج وفتح حوار معها، في الوقت الذي لم تتورع المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة عن المطالبة بفرض «أقوى إجراءات عقابية ممكنة» على كوريا الشمالية ، بجريرة تجربتها النووية السادسة لاختبار قنبلة هيدروجينية أشد فتكا بمراحل من القنابل النووية،وهي التجربة التي تزامنت مع افتتاح القمة السنوية لقادة دول بريكس الخمس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) في مدينة شيامين بجنوب شرق الصين،والتي ناقشت الأزمة الكورية الشمالية.