أفكار وآراء

عُرس أكاديمي عُماني يحتاج إلى الدعم

10 سبتمبر 2017
10 سبتمبر 2017

أ.د.حسني نصر -

[email protected] -

بمشاركة نحو مائة وخمسين باحثا من سلطنة عمان ومن عدد كبير من الدول العربية والأجنبية، تنطلق في نهاية أكتوبر القادم أعمال المؤتمر العلمي الدولي الثاني لقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، والذي يحمل عنوانا ذا دلالة كبيرة، هو «المجتمع العربي وشبكات التواصل الاجتماعي في عالم متغير».

قد يقول قائل لماذا تكتب عن مؤتمر سوف يعقد بعد شهرين تقريبا من الآن؟ والإجابة أن المؤتمر الذي يتم الإعداد له منذ عام أو أكثر، يحتاج بعد أن أصبح واقعا، دعما كبيرا من مؤسسات المجتمع المختلفة حتى يؤتي ثماره ويحقق أهدافه. صحيح أن المؤتمر يحظى بدعم كبير مادي ولوجستي من جامعة السلطان قابوس وإدارة كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، إلى جانب وزارة الإعلام التي لا تدخر جهدا في دعم الجهود البحثية والتدريبية التي يقوم بها قسم الإعلام، ومع ذلك فما زال المؤتمر في حاجة إلى دعم مباشر، ربما في صورة رعاية للمؤتمر، من المؤسسات الصحفية والإعلامية والهيئات العامة والخاصة والشركات الكبرى التي أصبح عملها يرتبط ارتباطا كبيرا بشبكات التواصل الاجتماعي لتأمين بعض المتطلبات الأساسية له، خاصة وانه يفتح المجال لعدد كبير من الباحثين العُمانيين بالإضافة إلى عدد آخر من الدول العربية التي يحتاج باحثوها إلى دعم للسفر إلى السلطنة والإقامة خلال أيام المؤتمر. ويمكن القول انه لم تعد هناك وزارة أو هيئة أو مؤسسة أو شركة لا تستخدم مثل هذه الشبكات في التواصل مع جمهورها، بدءا من الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون وانتهاء بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وعلى هذا الأساس يبدو المجتمع كله معنيا بمثل هذا المؤتمر الذي قد يساعد مختلف المؤسسات على تحسين أدائها على شبكات التواصل الاجتماعي.

والواقع أن اختيار شبكات التواصل الاجتماعي لتكون موضوع المؤتمر الدولي الذي تحتضنه السلطنة يعكس إدراكا متزايدا من جانب جامعة السلطان قابوس بالدور الكبير الذي تلعبه هذه الشبكات في الواقع الإعلامي والاتصالي المعاصر، ليس فقط في المنطقة العربية ولكن في العالم كله، وهو ما يحتم على المؤسسات الأكاديمية إلى جانب مؤسسات المجتمع المختلفة دراستها وتحليلها والخروج بتوصيات تعين القائمين على الاتصال والإعلام على اتخاذ القرارات الإعلامية والاتصالية الصائبة. ويؤكد الإقبال الكبير على المشاركة في هذا المؤتمر من الباحثين في السلطنة ومن مختلف دول العالم اهتمام الباحثين في الإعلام والعلوم الأخرى بظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على المجتمعات العربية. وتكفي الإشارة هنا إلى أن اللجنة العلمية للمؤتمر تلقت أكثر من 300 طلب للمشاركة في المؤتمر، وافقت على نصفها تقريبا، وهو ما يجعل المؤتمر من أكبر المؤتمرات في العالم بالنسبة لعدد المشاركين المتوقع.

لا بأس من أن نُذكر هنا ببعض الحقائق التي وردت في وثيقة المؤتمر. أول هذه الحقائق أن شبكات التواصل الاجتماعي التي انتشرت وتزايد عددها وعدد مستخدميها على شبكة الويب تمثل ثورة جديدة في الاتصال الإنساني، لأنها أتاحت ربما للمرة الأولى في التاريخ البشري التواصل اللحظي والتفاعلي بين الناس المرتبطين بشبكة الإنترنت من خلال جماعات مصنفة ذات اهتمامات مشتركة ودون وسيط، مثلما كان الحال قبلها في وسائل الإعلام التقليدية. الحقيقة الثانية أن هذه الشبكات أصبحت تمثل بديلا افتراضيا للجماعات الاجتماعية الحقيقية التي تراجعت بسبب تغير أساليب الحياة وسرعة إيقاعها وتباعد المسافات العاطفية والنفسية بين البشر بحكم تطور تكنولوجيا الاتصال الجديدة. وتشير الوثيقة إلى أن هذه الشبكات بمختلف أنواعها أصبحت تشكل نمطا جديدا من الإعلام الإلكتروني أصبح معروفا باسم «إعلام نمط الحياة»، وموجة جديدة تعبر عن الخبرة الإعلامية الشخصية ضمن سياق اجتماعي. نعم فقد أصبحت الشبكات لدى كثير من الناس أحد متطلبات الحياة اليومية، نظرا لما تحققه لهم من أنشطة اجتماعية كثيرة تقربهم من دوائرهم الاجتماعية والعملية.

لقد تحولت هذه الشبكات في المجتمع العربي إلى منصات إعلامية جماعية وفردية بسبب طبيعتها وبسبب طبيعة النظم الإعلامية القائمة في هذا المجتمع، ولذلك - كما تؤكد وثيقة المؤتمر- شهدت بعض هذه الشبكات إقبالا كبيرا من المواطن العربي الذي أصبح يعتمد عليها للحصول على الأخبار والمعلومات والتعبير عن الآراء، وتكوين مواقف وحركات اجتماعية. وتشير الوثيقة إلى أن مستخدمي الشبكات الاجتماعية في المجتمع العربي استطاعوا أن يحولوا تلك الشبكات إلى نوع جديد من الصحافة يقوم على تجميع المهتمين معا في مجموعات للتعارف ثم لتبادل الأخبار والتقارير ونشر ما يريدون نشره دون قيود تذكر. وتعمل بعض المجموعات النشطة على هذه الشبكات كصحف متكاملة تقدم الخبر والرأي والصورة والكاريكاتير وغيرها من المواد الصحفية. وقد اتجه بعض الصحفيين المحترفين إلى إعادة نشر كتاباتهم على صفحاتهم الخاصة في هذه الشبكات لتحقيق مزيد من الرواج لها وتجاوز ضعف إقبال الجمهور على وسائل الإعلام التقليدية. وإجمالا- كما تقول الوثيقة - فإن كل صفحة شخصية أو صفحة لمجموعة من صفحات هذه الشبكات تمثل في حد ذاتها صحيفة إلكترونية اجتماعية جديدة.

يكتسب المؤتمر أهميته إذن من اعتبارات عديدة أهمها الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي بين العرب وزيادة الاهتمام الشعبي والرسمي والأكاديمي بالتأثيرات السلبية والإيجابية الكثيرة التي من الممكن أن يحدثها هذا الاستخدام على المجتمعات العربية على جميع المستويات الإعلامية والقانونية والتربوية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية. وتتمثل رؤية المؤتمر في أن يكون ساحة علمية متميزة لبحث ومناقشة واقع هذه الشبكات وتأثيراتها سواء على فئات المجتمع أو على الأوضاع المجتمعية من منظور إعلامي، ثقافي، تربوي، اجتماعي، نفسي، تعليمي، أما رسالته فتتلخص في تشجيع الباحثين من مختلف الدول العربية والأجنبية، ومن مختلف التخصصات الاجتماعية والإنسانية على مواكبة الاهتمام البحثي العالمي بظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي، وتحقيق رصيد علمي عربي حولها يعين صانع القرار والمؤسسات المختلفة على إدراك واقع استخدامها وتأثيراتها المحتملة على المجتمع.

إن مراجعة أهداف المؤتمر ومحاوره كما وردت في الوثيقة التي أرسلت إلى الجامعات والباحثين واستقطبت أعدادا كبيرة منهم للمشاركة فيه، تؤكد أننا سنكون أمام مؤتمر شامل وجامع يعالج ظاهرة شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها على المجتمع العربي من جميع زواياها. إن هذا العرس العلمي الإعلامي الكبير الذي غاب عن جامعة السلطان قابوس لسنوات طويلة منذ عقد المؤتمر العلمي الدولي الأول لقسم الإعلام في عام 2002 يحتاج إلى تكاتف جهود المؤسسات الإعلامية والأكاديمية في السلطنة، والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة لإنجاح هذه التظاهرة الأكاديمية والإعلامية التي تمثل في حد ذاتها شكلا من أشكال سياحة المؤتمرات العلمية، ووسيلة من وسائل الترويج للسلطنة في المحافل الأكاديمية العربية والدولية.