أفكار وآراء

التجارة الخارجية بين السلطنة وإيران

09 سبتمبر 2017
09 سبتمبر 2017

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

الدراسة التي أجرتها الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات في الفترة الماضية أكدت أن السوق الإيرانية تعد سوقا واعدة للمنتجات العُمانية، الأمر الذي تطلب تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين وإجراء مزيد من التنسيق فيما يتعلق بالأمور التجارية والمصرفية، مع التأكيد على أهمية انفتاح التجار ورجال الأعمال والمصرفيين في البلدين لتسويق البضائع العمانية، والترويج للمنتج العُماني عبر إقامة المعارض واللقاءات الثنائية، وتنظيم الزيارات لممثلي الشركات العمانية والإيرانية للالتقاء بنظرائهم لتحقيق هذا المسعى.

الصحافة الإيرانية من جانبها تهتم بأي خبر اقتصادي يهم البلدين، حيث في زيارتي الأخيرة إلى إيران قبل عدة أيام تابعت بعض الصحف الإيرانية الصادرة باللغات العربية والفارسية والانجليزية حيث جميعها تناولت خبر استعداد السلطنة منح التأشيرة لـ 1000 تاجر إيراني والذي أعلن عنه معالي سالم بن ناصر الإسماعيلي رئيس الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات العمانية في التجمع الاقتصادي «ارتقاء مؤشر الحرية الاقتصادية في إيران» والذي انعقد بغرفة طهران للتجارة والصناعة والمناجم والزراعة. ويأتي هذا الخبر في إطار تسهيل العلاقات التجارية بين البلدين، مؤكدا معاليه استعداد السلطنة بمنح تأشيرات الدخول في أقل من 48 ساعة عبر الغرف التجارية لطالبي التعاون التجاري مع عمان. كما ذكرت الصحف الإيرانية أنه في إطار هذا التجمع لتبادل الأفكار، فقد أكد معالي سالم الإسماعيلي أنه بإمكان الجهات المعنية مساعدة الأشخاص المقدمين من قبل إيران لتأسيس شركة في عمان بسهولة، مشيرا إلى أنه تم تشكيل لجنة عليا في السلطنة تتولى تحديد مسؤولية كل وزير في استقطاب الاستثمارات، وعلى الوزراء تقديم تقارير عن أدائهم نهاية كل أسبوع. كما أكد معاليه أن السلطنة والدول المجاورة يمكن لها تطوير الشؤون التجارية والاستثمارية باعتبار أن جميعها بحاجة الى البعض في تحقيق هذه الرؤية.

من جانبه أعلن سعادة مهرداد فلاح مساعد مؤسسة تطوير التجارة الايرانية للشؤون العربية والافريقية عن نمو صادرات ايران الى السلطنة بنسبة 42% في عام 2016 مقارنة مع عام 2015 استنادا لاحصاءت جمارك الجمهورية الاسلامية الايرانية، حيث بلغت قيمة الصادرات الايرانية الى السلطنة 376 مليون دولار في عام 2015، وارتفعت بواقع 157 مليون دولار لتصل الى 533 مليون دولار في عام 2016. وتشمل هذه أهم البضائع الايرانية المصدرة الى عمان خلال العام الماضي المواشي والحديد والصلب والنحاس ومواد الانشاء.

لقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين السلطنة وجمهورية إيران الإسلامية نموا متزايدا في السنوات الأخيرة، ويعزى ذلك إلى نتاج العلاقات القوية التي تربط البلدين الصديقين، مما دفع الحكومة إلى إنشاء مكتب لها في بندر عباس بمحافظة هرمز بمسمى مكتب سلطنة عمان للتعاون الاقتصادي مع جمهورية إيران الإسلامية. وقد أسهم المكتب في تعزيز التعاون المتبادل وزيادة النشاط الاقتصادي والتجاري والسياحي بين البلدين، فيما يأمل رجال الأعمال والمستثمرون في تنمية التبادل التجاري ودعم النشاط السياحي بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.

إن حجم التبادل التجارة الخارجية (الصادرات والواردات) بين البلدين ينمو في إطار هذه العلاقات وفق ما أشار إليه مدير عام مكتب السلطنة للتعاون الاقتصادي مع إيران مؤخرا مشيرا إلى حصول زيادة ملحوظة في هذا الجانب، فيما تستمر الجهود والمساعي لتحقيق مزيد من العلاقات في الجانب التجاري. ومؤخرا قام وفد رجال الأعمال العماني بمحافظة الداخلية بزيارة إلى كل من جزيرة كيش وبندر عباس بمحافظة هرمز جان الإيرانية. وقد تحدث المسؤول بالمكتب العماني عماد الشكيلي حول أهمية العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين البلدين موضحا أن السلطنة تحظى بعلاقة اقتصادية قوية مع الجمهورية الإيرانية حيث تخطط الأخيرة باستثمار 4 مليارات دولار أمريكي في ميناء الدقم في المشاريع التي تشمل إنشاء 100 صهريج كبير للنفط والغاز ومصنع لصهر الحديد، بالإضافة إلى استثمار 2 مليار دولار أمريكي في صحار وصلالة. وفيما يخص بخطة عمل ترويج الاستثمار وفق دراسة أجرتها الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات “إثراء” والتي تم على ضوئها تحديد القطاعات والأسواق المستهدفة، تعد جمهورية إيران الإسلامية من الدول المستهدفة في قطاعات الرعاية الصحية والخدمات اللوجستية والمعادن. ويقوم المكتب بتنظيم عدد من الأنشطة والمبادرات السنويّة التي من شأنها المساهمة في التسويق للسلطنة بوصفها وجهة استثماريّة مهمّة من جانب، وتعزيز معرفة الشركات العُمانية بالسوق الإيرانية بوصفها سوقا واعدة من جانب آخر. ومن جملة هذه الأنشطة تنظيم زيارات لغرف التجارة والصناعة واتحادات رجال الأعمال بإيران، بالإضافة إلى المشاركة وزيارة المعارض، ودعوة الشركات والمصانع لزيارة مقر المكتب والتعرف على الفرص الاستثمارية في السلطنة، بالإضافة إلى توفير قائمة بالقطاعات الاستثمارية الواعدة والمستهدفة في السوق الإيرانية، وإتاحتها للشركات العمانيّة المصدّرة والراغبة في التصدير. كما يسعى المكتب إلى تقديم المعلومات المتعلقة بالمناخ الاستثماري للسلطنة من خلال تلقي استفسارات المستثمرين الإيرانيين والرد عليها، عبر تنظيم هذه البرامج لممثلي الشركات الإيرانية الراغبة في التعرف على الفرص الاستثمارية في السلطنة في مختلف القطاعات.

ولتفعيل هذه الادوار قام المكتب مؤخرًا بالتنسيق مع الوكيل البحري للشركة الوطنية للعبارات في محافظة هرمز جان لوضع آلية تعاون واضحة لتشجيع رجال الأعمال الإيرانيين لاكتشاف الفرص المتاحة بالسلطنة وذلك من خلال التعاون مع الشركة الوطنية للعبارات، إضافة إلى العمل على تقديم التسهيلات المتعلقة بخط الشحن الجديد الذي سيسهم في تنوع الخيارات لرجال الأعمال العمانيين لتصدير واستيراد المنتجات من مدينة بندر عباس، إضافة لمشروع نقل البضائع من الموانئ البحرية الإيرانية على الخليج العربي إلى ميناء ولاية شناص. وقد شهدت الفترة الماضية حركة ملاحية نشطة بين السلطنة وإيران مما ساهم في تعزيز دور الخطوط الملاحيّة البحرية في تنشيط حركة التجارة والتصدير والسياحة بين البلدين. وتبدي الجهات المعنية في السلطنة أهمية تجاه موقعي البلدين الاستراتيجيين، مما يدفع ذلك بتطوير مجالات التعاون الاقتصادي وتنميتها حيث تتمتع السلطنة بموقع هام على الطرق البحرية المتجهة إلى قارة آسيا وإفريقيا والجزيرة العربية، فيما تحظى جمهورية إيران الإسلامية بموقع استراتيجي يعدّ مفترق الطرق بين دول أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ويُعد سوقًا استهلاكيا بحجمه الحالي البالغ نحو 83 مليون نسمة بجانب أسواق الدول الأخرى المحيطة بها لأكثر من 300 مليون نسمة بفضل ذلك، مما يتيح لها سهولة الوصول إلى العديد من تلك الدول. ومن هذا المنطلق فإن تنشيط الخطوط الملاحية البحرية بين البلدين سوف يؤدي إلى تعزيز الحركة الاقتصاديّة والسياحيّة، الأمر سيعمل على تعزيز الصادرات العمانية وإعادة التصدير المنتجات الأجنبية من جهة، واستيراد المنتجات الإيرانية إعادة تصديرها إلى الدول الراغبة من جهة أخرى، بجانب جذب الشركات الإيرانية إلى السلطنة في هذه القطاعات كونها تعد أكبر مصدري العالم لمنتجات الإسمنت والكافيار والزعفران والفستق وغيرها من المنتجات الأخرى.

لقد شهدت إيران في الفترة الماضية تطورا كبيرا في مجال تصدير النفط إلى العالم بعد الاتفاق التاريخي بخصوص برنامجها النووي مع الدول الغربية (5+1). وكلما تمت إزالة العقوبات الاقتصادية عنها فإن فرص الأعمال التجارية ستشهد مزيدا من التفاعل مع العالم الخارجي، وخاصة مع دول المنطقة نظرا لقرب بعضها البعض. وهناك الكثير من القطاعات الاقتصادية الإيرانية تحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها وإصلاحها، الأمر الذي يعطي الفرصة للشركات العمانية والخليجية أن تلعب دورا أكبر في تعزيز التعاون والتبادل التجاري خلال المرحلة المقبلة.