أعمدة

نوافـذ :الـ«سر» بعد (30) عاما ..

08 سبتمبر 2017
08 سبتمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تداولت بعض الوسائل الإعلامية قبل أسبوعين خبرا نص على: «إقدام وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية على فتح التحقيق في قضية اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، بعد مرور 30 عاما على الحادثة التي لم يزل يحيط بها غموض كبير» وعلل سبب هذه الخطوة لدى هذه الجهة أنه «يمكن أن يتغير الكثير في 30 عاما، فمن الممكن أن تتغير الولاءات، وبالتالي فإن الأشخاص الذين لم يكونوا على استعداد للتحدث فيما مضى، قد يبدون اليوم استعدادا لتقديم معلومات حاسمة، وربما لهذا السبب تأمل الشرطة البريطانية في الحصول على جديد في القضية يقدمه شهود قد ترددوا في حينه في تقديم ما يعرفون» – انتهى النص بتصرف-.

تشير كثير من التقارير حول سرية المعلومات والمدد المحددة لتبقى تحت غطاء السرية، وذلك وفق شروط قد تكون مكتوبة كعقد بين الطرفين، يمثل أحدهما المنتج للمعلومات، والآخر المستهلك لها، يحدد من خلالها المدة التي يرى المنتج أنها كافية للحفاظ على سرية المعلومات «الملكية الفكرية» له، وهي مدد تتراوح ما بين خمس سنوات إلى عشرين سنة، وهناك أسرار لا يسمح بإفشائها مطلقا؛ ولذلك يتعرض أولئك الذين تكون بين أيديهم أسرار ما للسجن والغرامات المادية عندما يقدمون على إفشاء سر ما، وهم غير مخولين بإفشائها، وحتى أولئك الذين يسعون للحصول على سر ما من خلال تجشمهم عناء البحث عن المعلومات السرية بطرق غير قانونية يواجهون في النهاية نفس المصير من حيث تعرضهم للإجراءات القانونية التي تجرم فعلهم هذا.

يأتي الحديث هنا أكثر حول الفترة الزمنية لتغير القناعات لدى أي طرف يملك معلومة معينة، ومدى سماحته أو تشدده في الإفصاح عن هذه المعلومة أو تلك، ونخص بالمعلومة التي تحظى بأهمية ما، يقيمها المتلقي، فهناك أشخاص ليس يسيرا أبدا أن يفصحوا عن جل المعلومات التي يحتفظون بها لأنفسهم، ظنا منهم أنها تمثل أهمية كبيرة؛ ليس فقط لمستواهم الشخصي، ولكن لأن الإفصاح عنها قد يجر إلى تداعيات مجتمعية كثيرة، خاصة عندنا كمجتمعات تقليدية تجد في المعلومة تسويقا مرحبا به، خاصة في الإضرار بطرف، وسبحان الله كنت قبل فترة وجيزة عند أحد الأخوة الذين كانوا يتقلدون وظيفة حساسة، وذكر لي أن شخصا ما تربطه به معرفة، سأله عن قرب أو بعد إقدامه على كتابة مذكراته «سيرته الشخصية»، ومما قاله: إنه إن فكر في ذلك فلن يكون لبيئة عمله السابقة أي مكان في هذه السيرة؛ ذلك أن الإفصاح عن معلومات ما لذات الوظيفة، وإن كانت قديمة، ومر عليها فترة زمنية طويلة، فإنها يقينا سوف تحدث بلبلة في المجتمع، ومجتمعنا صغير جدا، فيه القبيلة، وفيه الأسرة، وفيه مجموعة غير قليلة من سلسلة الترابطات الاجتماعية، فواقعنا غير واقع المجتمعات الأخرى التي ربما بعض المعلومات لا تحتاج إلى فترات زمنية طويلة للإفصاح عنها.

يحدث هذا لأن الـ«سر» كما يقال: «إذا جاوز صاحبه لم يعد سرا»، فهو ملك الجميع، وهؤلاء الجميع يجدون فيه المرتع الخصب للتأويل، والتعليل، والتهويل، حيث يخضع هذا الـ«سر» أو ذاك للتشريح والزيادة والنقصان، وقد يذهب بعيدا لبناء سياقات لمفاهيم جديدة، وبالتالي فعلى الذي يفشي سره أن يتحمل تبعات ما تؤول إليه النتائج بعد ذلك، ويروى عن الإمام الشافعي رحمه الله كما تشير بعض المصادر قوله: إذا المـرء أفشـى سـره بلسانـه، ولام عليـه غيـره فهـو أحمـق، إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه، فصدر الذي يستودع السر أضيـق».