الملف السياسي

ليبيا.. مبادرات متتالية لأزمة معقدة

04 سبتمبر 2017
04 سبتمبر 2017

مختار بوروينة - كاتب جزائري -

[email protected] -

شكلت تطورات الملف الليبي وسبل الخروج من الانسداد السياسي الذي تعرفه ليبيا محور تحركات،على أكثر من صعيد إقليمي ودولي، بحثا عن حل سياسي للأزمة الليبية، خاصة خلال الأيام الأخيرة التي تلت اجتماع باريس في 25 يوليو الماضي، والاتفاق حول 10 نقاط، بترتيبات أمنية وفق المادة 34 من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 ديسمبر 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة، والخاصة بإنهاء النزاع المسلح في ليبيا ومجابهة التهديدات الإرهابية وتحقيق الاستقرار الأمني فيها.

من فرنسا، كان إعلان الرئيس مانويل ماكرون، التوصل إلى اتفاق بين الفرقاء في ليبيا لوقف إطلاق النار ونزع السلاح وتأسيس جيش موحد تحت قيادة مدنية، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في 2018، وهي مسائل لا تخلو من صعوبات وتعقيدات كثيرة، نظرا إلى الوضع المعقد والفوضى التي تسود ليبيا منذ سنوات، وسط تقاتل على السلطة وتهديد الجماعات المسلحة المتشددة، فضلا عن تهريب الأسلحة والمهاجرين.

نص الاتفاق، وفي الواقع هو مجرد «إعلان مبدئي»، أعطى بصيص أمل بأن الأزمة الليبية تسير في اتجاه حل يلوح في الأفق، إذا تم تنفيذ بنوده ولم يتم التراجع عنها بعد لقاء فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي، واللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد القوات التابعة لمجلس النواب المنعقد بمدينة طبرق شرق ليبيا، وألا يرفض من القوى المسيطرة عسكريا وسياسيا على الأرض إضافة إلى أن تكون النوايا صادقة في دعم الليبيين، وألا يختصر حل الأزمة في البحث عن مصالح الدول الخارجية أو لجوء بعض العواصم إلى دعم أطراف ليبية على حساب أخرى. تفيد إثباتات الواقع، خلال أيام قليلة بعد الاتفاق، أن أحد طرفيه اللواء حفتر بادر إلى تعنيف الطرف الثاني السراج عبر مطالبته بالكف عن العنتريات ومعرفة حدوده كونه لا يسيطر على العاصمة طرابلس، فيما رد السراج بدعوة أطراف الأزمة إلى الالتزام بتعهداتها التي وقعت عليها، تضاف إليها بعض ردود الفعل المسجلة من الداخل الليبي التي ألقت بظلال من الشك على الاتفاق.

على الرغم من الرضا الأممي على الاتفاق بدلالة حضور غسان سلامة، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الى ليبيا، الذي قام إثر ذلك بأول زيارة إلى ليبيا، والحديث عن دعم روسي وأمريكي للاتفاق، وعن أن ماكرون لم يتحرك بمفرده للوصول إليه، وكذلك الترحيب الجزائري فضلا عن التأييد المصري، إلا أن التجارب الماضية تؤكد أن الوهج الدبلوماسي والإعلامي وحتى السياسي، لم يتكفل يوما بدفع ليبيا نحو حل يحقن الدماء ويحقق الاستقرار. فالموقف الأمريكي ربط ارتياحه لبيان باريس بدعوة الليبيين الى مساندة الحوار السياسي وإنجاح وقف إطلاق النار، وعزم واشنطن على العمل مع الأطراف الليبية والشركاء الدوليين من اجل تسوية سياسية للأزمة وترقية السلم والاستقرار على المدى الطويل وإنجاح مسار المصالحة السياسية في ليبيا، حيث الإدارة الأمريكية بصدد إعداد مقاربة سياسية ودبلوماسية وعسكرية جديدة في ليبيا.

وشنت إيطاليا، التي يمكن اعتبار دورها محوريا في حل الأزمة الليبية بحكم الاعتبارات التاريخية حملة على المبادرة الفرنسية التي ترى فيها إقصاء لجميع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، وهي (إيطاليا) التي تدعم السراج، وراهنت على ميلشيات مدينة مصراتة على حساب دور الجيش الليبي، وتخشى من اتساع نفوذ حفتر وتصعيده وصولا إلى رئاسة ليبيا، وهو ما يفسر تدخلها العسكري في المياه الإقليمية الليبية تحت ذريعة التصدي للهجرة غير الشرعية بناء على اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج.

وإن حافظت الجزائر على موقفها الرافض لأي تدخل عسكري أجنبي لحل الأزمة الليبية، فإن الموقف الدولي والعربي غير واضح بخصوص هذه القضية، فيما أبدت روسيا قدرتها على مساعدة الجانب الإيطالي في منع تدفق اللاجئين من ليبيا دون أن تبدي معارضة، من خلال الحوار مع المشير حفتر، وفايز السراج، وجهات أخرى.

واعتبر محللون سياسيون خطة التدخل العسكري الايطالي في المياه الليبية مهمة ظاهرها كبح جماح المهاجرين عبر البحر المتوسط، وفي باطنها تدشين فعلي لتدخل خارجي، عن طريق محاولة جس النبض، مقابل تخوف بعض الدول الاوروبية من انعكاسه على الوضع في ليبيا، واحتمال ان يؤدي إلى غرق البلاد بفيضان بشري، مشيرة إلى وجود حوالي ربع مليون مهاجر على الأراضي الليبية يأملون بعبور المتوسط.

وسجل السراج الذي انتقل إلى الجزائر، مباشرة بعد اجتماع باريس، تثمينها للقاءات الأخيرة التي جرت مع مختلف الأطراف الليبية لاسيما اجتماعه بحفتر، وتعتبرها تطورات إيجابية لإنجاح مسار التوصل لحل سياسي شامل ودائم للأزمة، قائم على الحوار والمصالحة الوطنية في ليبيا التي تعاني منذ سقوط نظام القذافي سنة 2011.

ووصف الرئيس التونسي المبادرة التي تقودها الجزائر ومصر وتونس لحل الأزمة في ليبيا بالرصينة، وبقية المبادرات سطحية، وبلاده على اتصال بكافة الحساسيات السياسية من أجل الاتفاق على حل سياسي، واذا أرادت دولة أخرى الوصول للحل فهو مرحب به، معتبرا، فايز السراج وخليفة حفتر، جزءا من المشكلة وربما الحل أيضا، إلى جانب وجود أطراف أخرى في الأزمة لم يحددها، غير أن دول الجوار اتصلت بالجميع منهم اللواء حفتر الذي كان قد زار الجزائر، كما بادر السراج بالتنقل لإطلاع الرئيس التونسي بخارطة الطريق المتفق عليها بباريس، ويأمل أن تكون نافعة لحلحلة الأمور بعدما وصلت إلى طريق مسدود.

من جانب آخر كشف وزير الخارجية المصري خلال مؤتمر صحفي عقده بالاشتراك مع نظيره الجزائري في القاهرة، عن إمكانية عقد مؤتمر مصالحة في ليبيا بعد توفر الظروف ومواصلة عملية بناء الثقة والتقريب بين أطراف النزاع لإقناعها بجدوى الحوار والحل السياسي بدعم مصري جزائري وتونسي، واتفاقهم على وضع آلية لتبادل المعلومات، خاصة ما تعلق بتطور الأزمة الليبية وإطلاع كل منهما الآخر على نتائج آخر لقاءاته مع خليفة حفتر وفايز السراج، وذلك بالنظر إلى الارتباط الوثيق بين بقاء الأوضاع في ليبيا على حالها وتنامي التهديدات الإرهابية.

عموما فإن دول الجوار تنظر للاتفاق الفرنسي برؤية خاصة، مع الإشارة أيضا أن مستوى التنسيق بين الدول الثلاث المجاورة لليبيا قد تراجع في الشهور الأخيرة، ولم تهدأ حدة الخلاف إلا بعد لقاء جمع دول الجوار الليبي الثلاث بعد تنفيذ ضربات مصرية جوية في العمق الليبي استهدفت- حسبما تردد- تنظيمات إرهابية ومعسكرات مدعومة من” داعش” شهر مايو الماضي، حيث سارعت الجزائر إلى احتواء تلك الأزمة بتنظيم اجتماع الجوار في يونيو الماضي، وتم الاتفاق على تهدئة الوضع وعدم اللجوء للقوة المباشرة إلا في حالة الضرورة القصوى. في الإشارة إلى إفريقيا، عرضت مجلة «جون أفريك» الصادرة بفرنسا، المعروفة بقربها من دواليب السياسة، أن الرعاية الفرنسية للقاء الذي جمع بين السراج وحفتر، خلص إلى نتيجة مفادها: أن ماكرون، يسعى إلى إبعاد أي دور للاتحاد الإفريقي في الأزمة الليبية، بينما يطالب الجوار الليبي خاصة الجزائر بضرورة أن يلعب الاتحاد الإفريقي، بما يتوفر عليه من ثقل، دورا على صعيد حل الأزمة الليبية، وهي المقاربة التي تقاسمها العديد من الدول الإفريقية الفاعلة في الاتحاد، كما دعت إلى ضرورة تبني الدول الإفريقية موقفا موحدا لمطالبة الأمم المتحدة بوضع أسس لوقف تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه. وقد رحب مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بمقترح رئيس الكونجو، دينيس ساسو نجيسو، القاضي باستضافة بلاده لاجتماع تحضيري لمؤتمر المصالحة الليبية في برازافيل في أقرب وقت ممكن. كما يأتي تحذير دول الجوار من أن أكبر خطر وتهديد إرهابي يواجه المنطقة بناء على التخوف من عودة المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، والأمر بحسب وزير الخارجية الجزائري يستدعي رفع مستوى التنسيق بين الجزائر ومصر ودول الجوار الأخرى، بالنظر لما عاشته الجزائر في فترة الثمانينات بسبب عودة المقاتلين الأجانب من أفغانستان وما خلقته من شبكات إرهابية عصفت بالوضع الأمني، ومساعيها تتلخص في عدم تكرار معاناة الجزائريين مع الإرهاب في أي دولة أخرى، والتي تجاوزتها بمحاربة التطرف وتطبيق المصالحة الوطنية. وحذر عسكريون وخبراء أمنيون من خطورة سعي تنظيم ”داعش” من النهوض مجددا باستغلال الفوضى في ليبيا وجعلها نقطة انطلاق في تجنيد عناصر جديدة في جنوب ليبيا وغربها عقب خسارة مواقعه في سوريا والعراق، وعددهم في ليبيا يتجاوز بكثير توقعات الخبراء حيث وصل إلى أكثر من 7 آلاف عنصر من جنسيات مختلفة، وهو ما أكده المتحدث باسم الجيش الليبي من خلال رصد نقاط تجمع لإرهابيي «داعش» بالقرب من الحدود التونسية وجنوب سرت الليبية، مثلما يرجح العديد من الأمنيين تدفق المزيد من الإرهابيين على ليبيا بشكل يضاعف الخطر الأمني على دول الجوار وأوروبا.

الثابت أن الترحيب باتفاق حفتر والسراج، كان مفتوحا على قراءات من زوايا أخرى، ولو ان الجميع يقر عند استعراض تطورات الملف الليبي على إنجاح المساعي المبذولة للخروج في أقرب وقت ممكن من حالة الانسداد السياسي في ليبيا والتفرغ لبناء الدولة وإرساء مؤسساتها بما يساعد على استعادة الأمن والاستقرار في ربوعها وفي كامل المنطقة.

في انتظار توالي وتنفيذ المبادرات، تبقى 3 حكومات تتصارع على الحكم والشرعية في ليبيا، اثنتان منها في العاصمة طرابلس (غرب) وهما الوفاق والإنقاذ، إضافة إلى الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق) المنبثقة عن برلمان طبرق.