الملف السياسي

طموح تتوفر مقومات تحقيقه !!

21 أغسطس 2017
21 أغسطس 2017

د. عبد الحميد الموافي -

يظل وعي المواطن وتفهمه وتعاونه مع النشاط السياحي أمرا هاما ومؤثرا في انجاح النشاط السياحي ، سواء في محافظة ظفار أو محافظة مسقط أو محافظة الداخلية أو غيرها ، وهو احد أهم المفاتيح لزيادة قدرة قطاع السياحة على تعزيز مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي على النحو المأمول ،

بالرغم من التطور الهائل في تقنيات المعلومات والاتصالات ، والتي أصبح من الممكن من خلالها أن يطوف الانسان وهو في مكانه بالعديد من مناطق العالم ، مطلعا على جمالها ، ومستعرضا مميزاتها، ومتعرفا على ما يمكن أن تقدمه من تسهيلات لزائريها أو الراغبين في الاستثمار فيها ، أو الاستمتاع بمقوماتها المتاحة ،

الا أن ذلك لم يقلل من رغبة الكثيرين في زيارة العديد من تلك الأماكن ، بل ان الامكانات والوسائل التقنية ، تحولت في الواقع الى واحدة من أهم وسائل الجذب السياحي بالنسبة للعديد من الدول ، خاصة تلك القادرة على امتلاك مهارات الترويج السياحي الصحيح لما تملكه من مقومات ، حتى لو كانت مقومات متواضعة في كثير من الاحيان . وفي ظل الزيادة الكبيرة والمطردة في حجم النشاط السياحي على المستوى العالمي ، فان السياحة اصبحت واحدة من أهم قطاعات الاقتصاد في دول عديدة ، بل انها تحولت الى صناعة ، ذات أسس وقواعد وبرامج وخطط تتطلب توفر مهارات متخصصة ، وذات كفاءة ، ولم يعد يكفي معها مجرد الرغبة او الحماسة ، أو التوقف عند الحديث عن الامكانات او المقومات السياحية المتاحة والمتوفرة ، في هذا البلد أو ذاك ، لأن الأكثر أهمية في الواقع ، هو القدرة العملية على الاستفادة منها ، ومن ثم تحويلها من مجرد مقومات قائمة ومتوفرة ، وخاملة، الى مواقع جذب ، تفيض بالحيوية وتتوفر فيها مختلف المقومات الضرورية التي تجعل من زيارتها تجربة سارة ، سواء للمواطنين او للسائحين ، او للزائرين بشرائحهم المختلفة ، وباهتماماتهم المتنوعة، وهو ما يفيد المجتمع والاقتصاد في النهاية . غير ان هذا التحول في النظر الى المقومات والامكانات السياحية المتاحة ، والشروع في الاستفادة الاقتصادية منها ، ليس مجرد قرار سياسي، أو برنامج او خطة يتم وضعها والعمل على تنفيذها في وقت معين، ولكنه في الواقع أكبر من ذلك بكثير ، لسبب بسيط، هو أن السياحة في النهاية نشاط وتفاعل ثقافي واجتماعي في المقام الأول، يترتب عليه ، أو ينتج عنه عائدات اقتصادية بدرجات مختلفة ، جنبا الى جنب مع العائدات ، او الآثار الاخرى المصاحبة له . وبالتالي تتعدد الأطراف المعنية ، أو ذات الصلة بقطاع السياحة ، ويظل المجتمع المحلي ، بمفهومه الضيق والواسع ، عنصرا مؤثرا الى حد كبير في نجاح او تعثر هذا النشاط ، وذلك بقدر تأثير الاطراف الاخرى المعنية بانشاء البنية الأساسية الضرورية للسياحة ، والمعنية ايضا بتوفير التسهيلات الضرورية للسائحين ، لجذبهم ، ولتوفير عناصر الراحة والاستمتاع والأمن والامان لهم خلال وجودهم ، وعلى نحو يترك انطباعات طيبة لديهم ، وبما يكفي لاقناعهم بالعودة مرة اخرى لتكرار هذه التجربة السارة لهم ولذويهم . وليس من المبالغة في شيء القول بأن تجربة السلطنة في مجال تنشيط قطاع السياحة ، تحفل بالكثير من الجوانب التي تستحق التوقف أمامها ، لأهميتها الاجتماعية والاقتصادية ، ولدلالتها ايضا على صعيد تطوير هذا القطاع بوجه عام ، وبالنسبة لاستثمار المقومات السياحية المتاحة في محافظة ظفار ، وما يجسده مهرجان صلالة السياحي بوجه خاص . ولعله من الأهمية بمكان الاشارة باختصار شديد الى عدد من الجوانب ، لعل من اهمها ما يلي :

*أولا : انه من المعروف على نطاق واسع ، أن السلطنة تتوفر لها العديد من المقومات السياحية الطيبة ، سواء فيما يتصل بالتنوع المناخى والبيئي ، أو بتوفر مقومات السياحة البحرية ، والصحراوية والجبلية ، والسياحة الثقافية والتاريخية ، وسياحة المؤتمرات وغيرها ، هذا فضلا عن مناخ الأمن والأمان والطمأنينة التي يعيشها المواطن والسائح والزائر اينما كان على امتداد هذه الارض الطيبة ، بالاضافة الى الطبيعة الودودة للمواطن العماني ، وقبوله بالآخر والترحيب الفطري به ، غير ان توفر ذلك كله ، لا يعني أن ينجح النشاط السياحي بشكل أوتوماتيكي ، او مباشر او بشكل سريع ، لأن هناك مسافة طويلة بين المقومات المتوفرة بالفعل ، وبين القدرة على الاستفادة الاقتصادية الملائمة بها . فالأمر لا يتوقف فقط على ادراك قيمة ما هو متاح من امكانيات ومقومات، ولكنه يتوقف ايضا ، والى حد كبير ، على القدرة على اعداد وتأهيل هذه المقومات والمواقع السياحية والاثرية ، وتوفير البنية الأساسية الضرورية لجذب السائح وتوفير ما يحتاجه او ما يتوقعه من تسهيلات خلال زيارته لتلك المواقع ، سواء غرف فندقية او شقق فندقية ومراكز ايواء شبابية، كافية و متنوعة المستويات ، أو وسائل انتقال مناسبة ، وتيسيرات في اجراءات الدخول والتأشيرات، او وسائل ترفيه وبرامج متعددة لتعريف السائح بتلك المقومات، وبرسوم معقولة وبدون مبالغة، واذا كان من المؤكد أن ذلك كله لا يتوفر بسرعة ، ولكنه يستغرق بالضرورة وقتا وجهدا كبيرا لسنوات حتى يتم توفيره بالشكل المناسب ، فإن الرؤية السياسية والمجتمعية للنشاط السياحي تعد مسألة بالغة الحيوية ، لأنها بمثابة الاطار الحاضن لهذا القطاع ، فالمجتمع قادر ، وبوسائل عديدة ، سواء على دعم وانجاح النشاط السياحى ، او تعويقه والحد من انطلاقه ايضا اذا اراد ذلك ، ولذا فإن توعية الفرد والمجتمع واعداده للقبول والتجاوب والتفاعل مع النشاط السياحي ، هو امر لا غنى عنه ، على الاقل في المراحل الاولى لتنشيط قطاع السياحة لأن السائح عندما يأتي سيتعامل مع شرائح مختلفة من المواطنين ، منذ دخوله المطار او عبوره للمنفذ البري او دخوله الميناء ، وحتى تجوله في الاسواق واستخدامه التاكسي وشرائه لحاجياته، او لتذكاراته من المحلات أو الأسواق المختلفة ، وحتى مغادرته ، وعادة ما يختزن العديد من التجارب والخبرات ، ومن المهم ان تكون ايجابية ومحفزة له على العودة مرة اخرى . ومنذ بدء الاهتمام بقطاع السياحة ، في الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني ( عمان 2020 ) التي بدأ تنفيذها عام 1996 ، وحتى الآن ، تبذل حكومة حضرة صاحب الجلالة الكثير من الجهود ، بما في ذلك انشاء وزارة خاصة بالسياحة ، للنهوض بهذا القطاع ، وتوفير البنية الاساسية الضرورية له ، في محافظات السلطنة المختلفة ، بما في ذلك محافظة ظفار بالطبع ، ولزيادة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الاجمالي الى 3 % بحلول عام 2020 ، والوصول به الى 5 % او اكثر ضمن الرؤية الاستراتيجية (عمان 2040 ) وذلك من خلال الاستراتيجية الوطنية للسياحة التي يتم استكمالها كأساس لتنمية هذا القطاع خلال السنوات القادمة .

*ثانيا: تمثل محافظة ظفار واحدة من اهم المحافظات العمانية ذات الامكانات السياحية الطيبة والمتنوعة ايضا ، ليس فقط لتميزها بفصل الخريف الرائع ، والذي يمتد كل عام من 21 يونيو الى 21 سبتمبر ، وهو ما يمثل مصيفا فريدا في منطقة الخليج ، وعلى درجة من الجمال الطبيعي والمناخي تنافس افضل المصايف الاوروبية ، ولكن ايضا لأن محافظة ظفار تتوفر لها مقومات سياحية عديدة اخرى ، منها العيون المائية الطبيعية ، والشواطئ الناعمة ، في المغسيل على سبيل المثال ، والتخييم والسياحة الجبلية والصحراوية ، وكذلك السياحة الدينية والتاريخية والأثرية الغنية ، ويظل اللبان العماني بروائحه الزكية وبفوائده الطبية من اسرار البيئة العمانية ، غير ان هذه المقومات الغنية والمناطق البكر في محافظة ظفار ، تحتاج بالضرورة الى برامج مدروسة للاستفادة منها ، ولترويجها سياحيا ايضا على النحو الصحيح ، وهي امور اصبح لها الخبراء والمتخصصون العاملون فيها ، في المنطقة وعلى امتداد العالم ، وهو ما يفرض الاستعانة بجهودهم وخبراتهم ، جنبا الى جنب مع الخبرات الشبابية الواعدة للكوادر العمانية العاملة ، المؤهلة والمهتمة بهذا القطاع ، سواء في محافظة ظفار او على الصعيد الوطني الاوسع .

ومع الوضع في الاعتبار مشاركة السلطنة في اسواق السياحة والسفر العربية والعالمية العديدة ، والحرص على تقديم عمان بشكل يتناسب مع مقوماتها الحضارية والسياحية ، فان حكومة حضرة صاحب الجلالة تقوم في الواقع بجهود كبيرة لاستكمال وتطوير البنية الاساسية لقطاع السياحة ، سواء في محافظة ظفار او المحافظات الاخرى ، بما في ذلك زيادة الطاقة الفندقية ، وتنويع الغرف الفندقية ، وتوفير التسهيلات السياحية في المواقع الاثرية المختلفة والمتباعدة ، والعناية بتأهيل وازدواج الطريق البري بين مسقط وصلالة ، وتوفير النقل الجوي الاقتصادي بين مسقط وصلالة - طيران السلام - غير ان ذلك كله لا بد ان يرتكز على رؤية موضوعية ومدروسة لقطاع السياحة ، سواء في محافظة ظفار او على المستوى الوطني الاوسع ، لتكون جهود انشاء المرافق السياحية متماشية مع الزيادة المحتملة والمتوقعة في اعداد السائحين والزائرين في الاعوام المختلفة ، ولا تحدث مفاجآت او اختناقات مرورية او سكنية او غيرها ، لأنها ترتب انطباعات غير جيدة يمكن تجنبها بقدر من التخطيط والاعداد المبكر ، وهو ما يتم بشكل ملموس الآن ، من خلال بلدية ظفار واللجنة الرئيسية المكلفة بالاشراف على مهرجان صلالة السياحي .

*ثالثا : انه في ظل الزيادة المطردة في اعداد السائحين والزائرين لمهرجان صلالة السياحي ، عاما بعد آخر ، ونظرا للاقبال المتزايد من جانب المواطنين والمقيمين على زيارة صلالة وقضاء عدة ايام على الاقل خلال مهرجان صلالة السياحي ، خاصة وانه يتزامن مع الاجازة الصيفية للطلبة ، فانه من المهم والضروري استثمار ذلك لزيادة مساهمة المهرجان في دعم الاقتصاد في محافظة ظفار وعلى المستوى الوطني الاوسع ، وذلك من خلال خطط توسع في المرافق السياحية ، بما يتناسب مع الاعداد المتوقعة خلال السنوات العشر القادمة على الاقل ، والتي تتجاوز عدة ملايين . وفي حين تزداد اهمية وضرورة مشاركة القطاع الخاص في اقامة هذه المرافق ، وهو ما يتزايد بالفعل ، عبر انشاء القرى السياحية والمراكز التجارية الحديثة وغيرها من المرافق الخدمية الاخرى ، فان تطوير فعاليات مهرجان صلالة السياحي باتت ضرورية ، مع اخذ الدروس المستفادة من هذا العام والاعوام السابقة في الاعتبار ، وبما يوفر مزيدا من التنوع الفني والثقافي والرياضي والترفيهي ، وبما يساعد على مشاركة دول شقيقة وصديقة اكثر في فعالياته ، والتوسع في استضافة صلالة لمزيد من الاجتماعات والزيارات والفعاليات والمؤتمرات والمعارض التي تتيح الفرصة للمشاركين فيها للاطلاع والتعرف على موسم الخريف فيها ، مع العناية في الوقت ذاته بالترويج الصحيح للمهرجان وللسياحة في السلطنة بوجه عام ، خاصة وان النشاط السياحي في السلطنة ، هو نشاط متواصل على مدار العام بحكم التنوع المناخي والثراء الطبيعي والتراثي والحضاري لمحافظات السلطنة المختلفة .

ويظل وعي المواطن وتفهمه وتعاونه مع النشاط السياحي أمرا هاما ومؤثرا في انجاح النشاط السياحي ، سواء في محافظة ظفار او محافظة مسقط او محافظة الداخلية او غيرها ، وهو احد اهم المفاتيح لزيادة قدرة قطاع السياحة على تعزيز مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي على النحو المأمول ، فالطموح المأمول تتوفر مقوماته بالفعل ويظل الامر مرهونا بالقدرة على الاستفادة من تلك المقومات وتوظيفها على النحو الصحيح والمفيد أيضا والجهد الصحيح في هذا المجال .