أعمدة

نوافـذ :الكلام لا يغير طبيعة الإنسان

11 أغسطس 2017
11 أغسطس 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لو حاول أحد من المهتمين، بتجميع النصائح والإرشادات التي ألقيت عبر منافذ التواصل المختلفة: وسائل إعلام، منابر المساجد، منصات المسارح، وغيرها، والتي ألقيت على المتلقي خلال أسبوع فقط، لخرج بكم هائل من هذه النصوص والمختارات والحكم والمواعظ، ولامتلأت بها الأرفف والأدراج، وربما لما وجد مكان يتسع لـ»خرم» إبرة، كما يقال، والأهم من هذا كله، ما أثر ذلك على واقع الناس؟

الإنسان بطبيعته مجبول على المناكفة، والمناكدة، والاختلاف، وهذه كلها سجيات فطرية موجودة عندنا كبشر، وليس في ذلك من مظنة، وذلك مصداقا لقوله تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، الا من رحم ربك، ولذلك خلقهم).

فالكلام كما هو معتاد لا يغير من الطبيعة البشرية التي عليها الناس، وحتى يحدث تغييرا ما، لا بد من حالة صادمة، أو حاضنة سابقة؛ توقف هذا الإنسان او ذاك عن التراجع عن قناعاته التي ترسخت عنده خلال تجربته الإنسانية التي يقتطعها من عمره، طال هذا العمر أو قصر، ولذلك يقال: أن من أصعب المواجهات التي تحدث لإزالة القناعات هي المواجهة مع كبار السن، وذلك لتأصل التجربة الحياتية عندهم، بعكس صغار السن الذين يفتقدون التجربة والخبرة في الحياة، فلربما تؤثر فيهم الكلمة الى حد ما فينقادون، ولكن أيضا الى زمن ما، ربما لا يطول كثيرا.

فلماذا لا تؤثر الكلمة في المتلقي؛ هل لأن الذاكرة لا تستوعب الكلمة التي تستقبلها بالسرعة المتوقعة، حيث تحتاج الى زمن ليس يسيرا حتى تستوعبها؟ أو لأن هذه الكلمة لا تلاقي مناسبة معينة «الحاضنة» لدى المتلقي حتى تتوافق وحجم المناسبة وقوة تأثيرها على النفس؛ حتى تجد مسارها الصحيح للتأثير؟ ولذلك فليس يسيرا أن تتحدث مع إنسان فقير أو معدم المال عن أهمية الزكاة وأثرها في النفس، فهذا الإنسان لا يملك قوت يومه، فكيف يستوعب أهمية إنفاق المال في وجه من وجوه الزكاة، وكذلك لا يمكن أن تحدث إنسانا مهموما بفقد أحد خاصته عن تأثير الحزن على النفس، وقض مضجعها، وهو يتلبس هذا الحزن، فليس من السهولة أن يخلع لباس الحزن في لحظة النصيحة، ويستبدله بلباس الصبر، وليس من اليسير أن تحدث غنيا عن الفاقة والفقر؛ وأثر الحاجة لدى الإنسان، فهذه الصورة غائبة عنه، وربما لم يمر بها طوال حياته؛ خاصة إذا ولد وفي فمه ملعقة من ذهب.

ففي هذه الحالات كلها، لا توجد صور صادمة لأصحابها حتى يتراجعوا سريعا عن حالتهم تلك التي هم عليها، وإلى الحالة الى يريدها أو يذهب إليها صاحب الكلمة، أو صاحب الرسالة، ومن هنا يرى البعض، وكما جاء في بعض ما روي: «أنه لولا ثلاثة لما طأطأ الإنسان هامته؛ والثلاثة هذه: هي المرض، والفقر، والموت»، فالنفس التي تتلبسها الصحة زمنا طويلا؛ إن لم يصدمها مرض؛ فلن تحني طرفها على مريض، او تستوعب مفهوم المرض، والأخرى التي تعيش في رغد من العيش؛ فلن تستوعب ما هي الحاجة عند الآخر، إن لم تقع فريسة لمرض عضال اسمه الفقر، والثالثة المخضبة بتاج العمر لسنين طويلة، فلن تدمع عينها إلا بعد أن يعفر الموت جبين أحد المقربين الى مهجة القلب، وهكذا تسترسل الأمثلة على مثل هذه الصور.

لذلك أتصور أنه لا بد من وجود حاضنة ما حتى تأخذ الكلمة طريقها نحو التأثير، والذين نشهد تحولاتهم المختلفة من حال الى حال، فذلك ليس ناتج عن كلمة عابرة مرت على أفق الرؤية البصرية عند هذا أو ذاك، وإنما تصادف وجود حاضنة لذات معنى الكلمة، حتى غيرت من مسار صاحبها و«سبحان الله مغير الأحوال».