الملف السياسي

المراوحة في ظل الاستقرار .. ستستمر لبعض الوقت

07 أغسطس 2017
07 أغسطس 2017

محمد حسن داود -

,, منذ اكتشافه واستخراجه في نهايات القرن التاسع عشر، والاعتماد عليه كمصدر أساسي للطاقة حتى يومنا هذا، لايزال النفط قضية استراتيجية على كل الصعد المحلية والإقليمية والدولية، تحظى بمتابعات يومية في محاولة لاستخلاص نتائج مهمة بشأن أوضاع العرض والطلب وحركة الأسعار الآنية والمتوقعة مستقبلا ,,

ليس من المتوقع في ضوء معطيات كثيرة تهيمن على أسواق النفط العالمية والأوضاع الاقتصادية الدولية الراهنة أن تحدث هزات كبيرة لأسعار النفط في الاتجاهين، صعودا وهبوطا، وأغلب الظن أن حالة المراوحة ستظل هي السائدة خلال المرحلة المقبلة والتي قد تستمر حتى نهايات العام المقبل في ظل مظاهر استقرار عام، فمن المرجح أن تتمحور الأسعار حول الخمسين دولارا مع محاولات حثيثية لملامسة الستين دولارا، وهو سعر يعتبر مقبولا نسبيا بالنسبة لمعظم المنتجين خاصة من داخل الأوبك حيث رتبت موازناتها على أساس هذا السعر، وإن كانت تأمل في أسعار أفضل لدعم مشروعات وبرامج التنمية التي تأثرت بشدة بتراجع الأسعار بشكل حاد على مدار السنوات الثلاث الماضية.

ولاشك في أن الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء في أوبك للسيطرة على الأسعار من خلال اتفاقات خفض الإنتاج بكميات محاصصة سيكون لها تأثير مهم في هذا الاتجاه، ولكن من المهم أيضا الإشارة إلى أن الأسعار لا تتحدد فقط في ضوء ما تتخذه المنظمة من قرارات لضبط الأسواق، فهناك عوامل أخرى عديدة تلعب دورا مؤثرا كذلك في هذا الشأن، قد يكون بعضها مرتبطا بظروف العرض والطلب ولكن بعضها الآخر يرتبط بعوامل مؤثرة ترتبط بوضعية النمو في الاقتصاد العالمي والتي تلقي بظلالها كذلك على توجهات العرض والطلب، فضلا عن أن - وعلى حد تأكيد الخبراء - احتكار الأوبك لم يعد فعالا، فالمنظمة حتى اليوم لم تنجح في كبح جماح الإنتاج النفطي تماما، ذلك لأن أعضاءها لا يزالون يحافظون على معدلات الإنتاج مستقرة أو يقومون باستخراج كميات أكبر، وعلى ما يبدو فإن منظمة الأوبك غير قادرة على منع الأسعار من التقلب رغم اتفاقها السابق بخفض الإنتاج بكميات يبدو أنها غير مؤثرة.

ومن الطبيعي أن تتعرض أسعار النفط لحالات مراوحة صعودا وهبوطا كونها سلعة ترتبط بظروف متغيرة يتبدل العرض والطلب عليها بين شهر وآخر، وربما هذا هو السبب في تقلب التوقعات والقراءات المرتبطة بالأسعار وبنمو الطلب أو تخمة المعروض بين تقرير وأخر ومؤسسة وأخرى، ومن ثم فإن تقديرات العرض العالمي للنفط والغاز تتباين من مصدر لآخر، حتى لتلبية الاحتياجات للأعوام العشرين أو الثلاثين المقبلة، وفي هذا السياق تتعدد الدراسات لأوضاع السوق العالمية وما يرتبط بها من أسعار على المدى القريب والمتوسط والبعيد، فبينما أعلنت أوبك على سبيل المثال أن الطلب على نفطها سيتراجع خلال العام المقبل 2018 ، هناك توقعات أخرى بنمو الطلب خلال العشرية الثانية من القرن الحالي، مما سيؤدي إلى تحسن الأسعار، ولكن يجب ألا يدفع ذلك الأطراف المعنية إلى توقع طفرة سعرية حادة لأن التحسن في الغالب سيكون تدريجيا وبطيئا وفي نطاق الاستقرار، الأمر الذي يحتم على الدول المنتجة اعتماد موازناتها ونفقاتها الاستثمارية والمجتمعية في نطاقات سعرية واقعية تتمحور حول الخمسين دولارا للبرميل.

وبالعودة إلى العوامل الأخرى التي ستتحكم في الغالب في تحديد مستويات الطلب والأسعار بعيدا عن قرارات أوبك واتفاقات خفض الإنتاج يمكن رصد العوامل التالية كعناصر أساسية في تخمة المعروض والحد من نمو الطلب على بترول أوبك وعدم صعود الأسعار بشكل كبير، يمكن رصد العوامل التالية:

أولا: سريان الاتفاقيات الدولية بخصوص خفض الانبعاثات الكاربونية للحد من سخونة الأرض ويرتبط بذلك الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري مثل الفحم والبترول والغاز، والاعتماد بدلا من ذلك على مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، حيث تتوقع دراسات مختصة إن نسبة نمو الطاقات المتجددة من خلايا الشمس الضوئية والرياح والحرارة الجوفية ستكون 6.6% وهي الأعلى بين الكل لأن التوجه نحو هذه الطاقات لتوليد الكهرباء بات أمرا حتميا ليس تنفيذا للمعاهدات الدولية فحسب ولكن كذلك لإنقاذ كوكب الأرض من الدمار، وبموجب الدراسات فإن الطلب العالمي على الطاقة سوف يرتفع من 273.9 إلى 382.1 مليون برميل نفط مكافئ في 2040 بنسبة نمو 1.3% في السنة وأن النفط والغاز سيحافظان على نسبتهما الكلية البالغة 53% حاليا ، وكما هو متوقع ستكون نسبة نمو الطلب على الغاز 2.1% بالسنة أي أكثر من نسبتي نمو النفط والفحم البالغة 0.6% لكل منهما.

وتبقى التقارير إيجابية بالنسبة لنمو الطلب على النفط إذ يتوقع ارتفاعه إلى نحو 100 مليون برميل يوميا في عام 2021 أي بزيادة مليون برميل عما كان متوقعا من قبل بتأثير استمرار انخفاض الأسعار وسيستمر الارتفاع المتوقع إلى 109.4 مليون برميل يوميا في 2040 وهو ما ينقص عن توقعات سابقة قليلا بفعل مزاحمة الطاقات المتجددة والكهرباء، وفي الفترة ذاتها سينخفض الطلب في الدول الصناعية بمقدار 8.9 مليون برميل يوميا بسبب زيادة كفاءة استهلاك السيارات وزيادة أعدادها المعتمدة على الوقود البديل من كهرباء وغاز وسوائل عضوية، ويعني ذلك أن الأسعار ستكون خاضعة لسلسلة من العوامل المتغيرة المرتبطة بالحاجة للوقود الأحفوري في ظل نمو المصادر البديلة بشكل مطرد.

ثانيا: التأثيرات المتغيرة لأوضاع السوق الأمريكية على الأسواق العالمية ونفط أوبك على وجه الخصوص، فالمخزونات الأمريكية الأسبوعية، وعدد منصات الحفر الشهرية، وكميات النفط الصخري المستخرجة، أصبحت عناوين بارزة مرتقبة بشكل دوري لارتباطها الوثيق خلال الفترات الماضية بحركة الأسعار صعودا وهبوطا لدرجة أنها باتت بالفعل أكثر تأثيرا من اتفاقات أوبك بخفض الإنتاج، ويرتبط ذلك بشكل عام بصعود الولايات المتحدة كمصدر للبترول وضخها كميات إنتاجية هائلة بفضل التطورات التقنية في طريقة الحفر بالتكسير الهيدروليكي، وبالرغم من أن استخراج النفط بهذه الطريقة مكلف نسبيا، إلا أن أسعار النفط المرتفعة في العقود الماضية جعلت من هذا الاستثمار مجديا، وتزامن مع ذلك زيادة الإنتاج في بعض الدول مثل العراق وليبيا ضمن متغيرات أخرى مثل عودة إيران إلى تصدير النفط وظهور البرازيل أيضا كواحدة من الدول التي زادت من إنتاجها للنفط خلال السنوات القليلة الماضية بعد اكتشاف كميات كبيرة من البترول على أعماق تتراوح بين أربعة وثمانية كيلومترات بين طبقات صخرية وملحية، مما ساهم في زيادة المعروض من خارج أوبك على وجه التحديد ومن ثم كبح الاتجاه الصعودي للأسعار.

ثالثا: حفز الاقتصاد العالمي، حيث لايزال العنصر الأكثر تأثيرا الذي يساعد على زيادة معدلات النمو العالمية وبالتالي زيادة الطلب على البترول بمعدلات واضحة وزيادة الأسعار على هذه الخلفية، ولذلك يبدي المختصون قلقهم من أن الأرقام الرسمية للنمو الاقتصادي العالمي لاتزال غير مبشرة خاصة بالنسبة للاقتصاد الصيني، حيث لاتزال معدلات النمو أقل بكثير عن سابقاتها في العقود الماضية، وبالتالي من الطبيعي أن تؤثر مؤشرات التراجع الاقتصادي بالصين على أسعار النفط العالمية، علاوة على ذلك، ومن ضمن العوامل التي تبدو مؤثرة في حركة الأسعار، الشتاء المعتدل في نصف الكرة الأرضية الشمالي في إطار التغيرات المناخية، ما أدى إلى تراجع الطلب على وقود التدفئة في أوروبا والولايات المتحدة واليابان، ومن ثم هبوط أسعار النفط عالمياً.

وبرغم هذه المؤشرات فان احتمالات حدوث زيادات في الأسعار تبقى قائمة ولو بشيء من البطء حيث تربط تقارير متخصصة ذلك بزيادة سكان العالم إلى أكثر من تسعة مليارات نسمة بحلول 2040 وأن معظم النمو في سكان الدول النامية حيث الحاجة الكبيرة للطاقة والنفط ، كما أن من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي 3.1% سنويا وأن تنمو الدول النامية بدرجة أعلى من الدول المتقدمة، وتفترض التقارير أن سياسات الطاقة هي تلك المعتمدة والمعلنة حاليا، وأنها ستتطور بمرور الزمن خاصة من حيث تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة والتوجه نحو الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء، لكن أهم الافتراضات يتعلق بسعر النفط، حيث تفترض التقارير أن السعر سيصل إلى 65 دولارا للبرميل في عام 2021، إلا أن التوقعات الأكثر رواجا هي تلك المرتبطة بعدم حدوث نمو كبير في الطلب خلال العامين المقبلين، ثم ثبات الأسعار أو مراوحتها بشكل نسبي تحت مظلة أكبر من الاستقرار.