الملف السياسي

أوبـك و معضلـة نظرية اللعبـة

07 أغسطس 2017
07 أغسطس 2017

د. محمد العريان -

ترجمة قاسم مكي -

بلومبيرج -

خلال الأعوام القليلة الماضية حقق منتجو أوبك نجاحا جزئيا في كسب «لعبة « تحديد أسعار النفط. ولكي يحصلوا على فرصة أفضل في سعيهم لاستعادة السيطرة المستدامة على الأسعار عليهم إتقان العمل المشترك. والأهم أن يفعلوا ذلك على نحو أوسع نطاقا وبطريقة تتسم بالمزيد من المؤسسية. بخلاف ذلك قد يجد هؤلاء المنتجون أن تحسن أداء الأسعار الذي لَطَّفَ من حدة التوتر في يوليو الماضي، بما في ذلك ارتفاعها بنسبة 9% ، قد يخلي المجال لضغوط المنتجين غير التقليديين الذين يستفيدون من الابتكارات المقلصة لتكاليف الإنتاج، خصوصا في قطاع النفط الصخري. يحتاج منتجو النفط من أجل الفوز بلعبة تحديد ووضع أسعار النفط إلى معالجة مسألتين مترابطتين. فهم بحاجة إلى الإبقاء على الأسعار عند مستوى مرتفع نسبيا بدون خسارة المزيد من الحصة السوقية لصالح المنتجين غير التقليديين. كما تلزمهم أيضا المحافظة على وحدتهم وسط التوترات الجيوسياسية والتفاوتات فيما بينهم في الأوضاع الاقتصادية والمالية الداخلية. أسهل السبل لتحقيق ذلك ( في غياب صدمة كبرى من خارج قطاع النفط تؤثر على حجم الإنتاج النفطي) أن يشهد الطلب على النفط ارتفاعا كبيرا. لكن من المستبعد حدوث ذلك في أي وقت قريب. أما البديل فيتمثل في الإدارة الأفضل لعرض النفط . وهنا تتوافر لأعضاء أوبك ثلاثة مقاربات يواجه تطبيق كل منها تحدياته الخاصة به. أولى هذه المقاربات محاولة تأسيس وقيادة تحالف عريض يشمل المنتجين من خارج أوبك وينطوي على نوع من التفاهم مع المنتجين غير التقليديين. تشكل هذه المقاربة أفضل فرصة لأوبك لعكس اتجاه عملية انتقالها على مدى عدة عقود من تكتل «العديدين» فيما يخص اقتسام إنتاج النفط إلى تكتل «القليلين». ولكن تبني هذه المقاربة الأولى والأفضل ليس فقط الأقل احتمالا بل ربما لن تكون ناجحة (في حال تبنيها) بالنظر إلى الوضعية المختلفة جذريا للمنتجين غير التقليديين. فهم أكثر تبعثرا وغير متمركزين ولديهم خبرة ضئيلة في التنظيم الذاتي. أيضا يقيم العديدون منهم في الولايات المتحدة التي يسودها فضاء تشريعي ينفر بشدة من سياسة تقودها الحكومة حول إنتاج النفط.

أما المقاربة الثانية فتحاول فيها أوبك تقوية الاصطفاف الذي حدث مؤخرا مع المنتجين من غير أعضائها بالسعي إلى وضع قيود إنتاج أكثر تشددا وآليات أشد متانة لتطبيقها والتحقق من الالتزام بها مع إضافة حافز يتمثل في تأسيس صندوق تثبيت مالي يقدم العون للمنتجين الذين يتعرضون لضغوطات تنشأ عن أزمات سيولة متعددة. من شأن مقاربة موحدة من هذا النوع أن تمنح منتجي النفط نفوذا أكبر على أسعار النفط في الأجل القصير. ولكن مسألة التطبيق هنا، مرة أخرى، ليست بسيطة أو مباشرة. فهي تتطلب مستوى أكبر من التعاون بين مجموعة تضم متنافسين جيوسياسيين يزداد التنافس بينهم مرارة. إلى ذلك، يلزم أن يتحمل المنتجون ممن تنخفض تكلفة إنتاجهم النفطي بقيادة السعودية عبئا تمويليا أثقل سينطوي على حزمة من الدعومات البينية أو المتبادلة ستمتد في الغالب لفترة أطول كثيرا من تلك التي يرغبون في الالتزام بها وينبغي أن يلتزموا بها.

المقاربة الثالثة هي أن تتجه أوبك بكل جهودها إلى تدمير الإنتاج الحالي للمنتجين غير التقليديين. وأن تسعى في تزامن مع ذلك إلى عرقلة التدفقات المالية الضرورية للوفاء بمتطلباتهم الاستثمارية. فهذه المقاربة، من خلال سماحها بتدهور أسعار النفط وبقائها عند مستوى منخفض لفترة طويلة، ستقلص كلا من الإيرادات التشغيلية والأموال القابلة للاستثمار على نحو يجعل التعافي صعبا وغير مؤكد بالنسبة لهؤلاء المنتجين. وسيكون ذلك تكرارا لمحاولة (أوبك) التي بدأت في نوفمبر 2014 ولكنها تمتد لفترة أطول وترتكز على قواعد هيكلية أشد متانة. في هذه المقاربة ودون وجود تحسن له معنى في الطلب على النفط سيتعيَّن على أعضاء أوبك التحلي بالرغبة والقدرة على التعايش مع مستوى منخفض جدا لأسعار النفط. وسيلزمهم إقناع مواطنيهم بأن المكاسب المحتملة في الأجل الطويل تستحق احتمال آلام ليست هينة في الأجل القصير. وللمحافظة على الوحدة اللازمة لإجراء ما يلزم من تصحيحات في أثناء هذا المسار، ستحتاج أوبك إلى صندوق تثبيت مالي أكبر من صندوق الخيار الثاني. مرة أخرى ليس من السهل لأوبك تبني هذه المقاربة الثالثة. ولكن قد يجد أعضاؤها أنفسهم مدفوعين إلى تبني نسخة أخرى منها ولكنها سيئة التنظيم إذا لم يستمر الترتيب الحالي مع المنتجين من خارج أوبك. يتناغم هذا المسح الموجز لمقاربات الإمدادات النفطية المتاحة لأوبك مع نظرية اللعبة. (نظرية اللعبة أو الألعاب او المباراة أو المباريات تدرس صراع وتعاون البشر في وضع تنافسي كما في حالة صراع أو تعاون المنتجين في سوق النفط مثلا- المترجم.) فأعضاء أوبك الذين شهدوا تآكلا تدريجيا ومتواصلا لهيمنتهم على سوق النفط يجري دفعهم لخوض لعبة «تعاونية» كبرى تنطوي على تحالفات أعرض من أجل تأمين نفوذ منتظم على أسعار النفط. ويفسر هذا الوضع تصاعد الاتصالات مع المنتجين من غير أعضاء أوبك وأيضا لماذا أن الاتفاق الذي سبق التوصل إليه في حاجة إلى بعض التشذيب. كما يوحي مسح هذه المقاربات، على الأقل في الوقت الحاضر، بأن النتيجة الأكثر توقعا ستكون وضعا تسعى فيه أوبك للتأثير على سلسلة من النطاقات السعرية المحصورة والمتمحورة حول تدهور طويل الأجل ومزمن في الغالب. ويلزم أن تؤدي فترات تعافي الأسعار داخل هذه النطاقات كما في حالة التعافي الذي حدث في يوليو الماضي إلى تعزيز عزيمة أعضاء أوبك (وليس تثبيطهم ) لإجراء تغييرات داخلية جذرية تجعلهم أكثر مرونة في التعامل مع مستقبل سيكون على الأرجح صعبا.