أفكار وآراء

ماذا قدمت عُمان للمنطقة والعالم ؟!

15 يوليو 2017
15 يوليو 2017

محمد عبدالله محمد كاتب بحريني -

إن أثر الدبلوماسية في السياسة قوة لا يُضاهيها شيء. عندما كانت القوات الأسترالية في العراق عجزت عن تحرير مواطنها دوغلاس وود عام 2005م. الدبَّابة تستطيع أن تُهشِّم وتقتحم لكنها لا تستطيع أن تستقر في المكان تتسابق الدول في إظهار تقدُّمها. تنبري دولةٌ ما لإبراز إنجازها في التعدين مثلاً. وتلك تُبرز تميُّزها في صناعة الجلود. وثالثة في الأجهزة الدقيقة. ورابعة في الأجهزة الكهربائية وخامسة في صناعة الأغذية، إلى آخره من الصور. ثم تحاول تلك الدول أن تُصدِّر ما لديها لجوارها والعالم لتأخذ موقعها.

تلك أشياء جيدة. فالصناعات تمنح الناس مزيداً من تسهيلات العيش بطريقة رغيدة؛ قليلٌ من التعب ومزيد من الراحة. لكن ماذا لو قامت تلك الدول بتصدير أشياء لا تمنح الناس حياة مُيسَّرة سهلة فقط بل تُبعِدهم عن شبح الموت قبل أن يعرفوا أن هناك «هناءَ عَيشٍ» يمكن أن يتحقق؟! بالتأكيد فإن هذا الأمر سيكون أكثر نفعًا للإنسانية.

فالأعمار لا تنقسم على اثنين. فإذا ما عِشْتَ أمكَنَكَ تلمُّظ حياة ما. لكنك عندما تموت لا يصبح بإمكانك أن تفعل أيّ شيء. وهذا ما كنتُ أعنيه هنا. فمن بين ما يناهز المائتي دولة في هذا العالم هناك مَنْ يُصدِّر للعالم تلك الصناعة الجميلة: صناعة الحياة والسلام.

إنها سلطنة عُمان الشقيقة. فهذا البلد وعبر سياساته الحكيمة ومساعيه المتواصلة لإطفاء حرائق السياسة والصراعات والملفات المغلقة منحت دولاً وشعوبًا كثيرة حياةً آمنة قبل أن تقول لهم: تَرَغَّدوا في حياتكم بتسهيلات الملبس والمأكل والتنقل. فهي تُدرك أنه لا حياة أصلاً مع وجود الموت والخراب.

لقد أثبتت التجارب ومنذ سنوات طويلة أن هذا البلد الشقيق الواقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية بَلَدٌ مختلف في كل شيء ولكن بتميُّز. إنه يختلف في تسميته للأشياء وللأحداث. ولأنه كذلك فقد نال حياة ليست كتلك الذي يحياها كثير من الدول في عالمنا العربي والإسلامي.

عُمان اليوم تُقدِّم لأجزاء كثيرة في العالم درسًا في مواد الحياة التي فشلوا فيها. في الصراعات تمنحهم كيف يتصرفون عندما تدلهمّ عليهم الأشياء وتُقبِل عليهم الفتن. وفي خطاب السياسة تمنحهم درسًا في كيفية التحدث إلى العالم بطريقة عاقلة وليس بلسان المقماقين والمزايدين.

وفي الاجتماع تُقدِّم عُمان لهم درسًا في كيفية التعايش. وفي الدِّين تعلِّمهم كيف يتخلصون من مفردات التطرف الدِّيني الذي «يُنصِّب» و «يُرفِّض» و «يُخرِّج» مَنْ هم مختلفين عنه. لذلك عُمان باتت كـ «المنجى» الذي لا يبلغه سيلُ القتل والدمار والخطاب الطائفي المتعفن. اذهب إلى بلادهم العامرة لترى بأمّ عينيك ما أقوله. هذه أشياء لا تقوى أغلب الدول على تقديمها. أتدرون ما السبب؟!

لأنه لا توجد إرادة في العديد من الدول المبتلاة كي تمنع الحديث بجنون في السياسة وبطائفية في الدِّين وبِشِقاقٍ في المجتمع. أما في عُمان فالإرادة موجودة جسّدتها رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وأسبغ عليه من لباس العافية، والسياسات المترجمة لها واضحة، ومفاعيل تلك السياسات على الأرض قائمة. صحيح أن العمانيين لا يتحدثون كثيرًا عما يفعلونه، لكن الوقائع تشهد لهم.

في شهر مايو الماضي طلبت أستراليا من سلطنة عُمان أن تساعدها في معرفة مصير مواطن لها مفقود في اليمن منذ 7 أشهر. بذل العمانيون جهداً إلى أن «تم العثور عليه بمساعدة قبلية» إذ تم نقله إلى السلطنة. بعدها قالت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب: «أخص بالشكر جلالة السلطان قابوس بن سعيد على جهود عُمان في العثور على المواطن الأسترالي واستقباله في عُمان».

أستراليا إحدى أهم الدول الصناعية في العالم، والتي لم تتأثر بالكساد العظيم وصاحبة أكبر ثروة تعدين طبيعية في جوارها وأرض بحجم قارة تطلب من سلطنة عُمان أن تساعدها وتنجح الأخيرة! أستراليا التي فككت لغز خلية جزيرة بالي عام 2002م والتي منحت الـ سي آي أية مسار المتطرفين في العراق منذ عام 2004م لم تستطع أن تفعل شيئًا لمواطنها لكن عُمان كانت أقدر!

إن أثر الدبلوماسية في السياسة قوة لا يُضاهيها شيء. عندما كانت القوات الأسترالية في العراق عجزت عن تحرير مواطنها دوغلاس وود عام 2005م. الدبَّابة تستطيع أن تُهشِّم وتقتحم لكنها لا تستطيع أن تستقر في المكان؛ والسبب أن الأرض التي تقف عليها هي ليست تربة وإنما بشر قبل أي شيء. حِكمة عُمان كانت أمضى من أيّ شيء آخر كي تضمن البشر والحجر والأرض.

في التاريخ توجد أمثلة كثيرة تُقنعنا بأثر الدبلوماسية. الولايات المتحدة الأمريكية أخذت لويزيانا (التي تزيد مساحتها عن الـ مليونين و 140 ألف كم) «شراءً» من فرنسا عبر التفاوض عام 1803م لتضاعف مساحتها آنذاك. وحدَّت من أنشطة خصومها النوويين عام 1968م عبر التفاوض. وكسبت الصين «الماوية» عام 1972م لتعديل ميزانها التجاري أيضاً عبر التفاوض، ووحّدت الألمانيتين الغربية والشرقية بالتفاوض عام 1990م، وحدّت من مشروع إيران النووي عام 2015م عبر التفاوض.

لكنها (أي الولايات المتحدة الأمريكية) خسرت ثلاثة تريليونات دولار في العراق عام 2003م باستخدامها القوة. وقبل ذلك، لم يستطع نصف مليون جندي أمريكي في فيتنام أن يجعلها تكسب الحرب هناك ضد قرويين فقراء. هكذا كان يقارب ستيفن والت أستاذ الشؤون الدولية بمدرسة جون كنيدي للحكم بهارفارد مسيرة بلاده ما بين عمل الدبلوماسية والقوة العسكرية.

هنا يستحضر المرء قوة عُمان ورشاد سياساتها عبر تفريقها بين قوة «الطاولة» وقوة «القبضة». الفارق أن العمانيين كانوا يأتون بالثمار لا ليأكلوها هناءً لوحدهم بل لعموم المنطقة والعالم، والقائمة مليئة بالملفات الملتهبة التي فُتِّرَت بعد حِدَّتها ثم طُوِيَت لتُفلَح الأرض فتغدو أرِيضة يمرح الخير والنبات فيها، فيأكل الناس ويشربون ويعمرون.

بعد ذلك ألا يحق لنا أن نمايز بين مَنْ يُصدِّر السلع وبين مَنْ يُصدِّر الحياة؟! بالتأكيد نعم.